تبعي بالنسبة إلى المعنى، وإلاّ يلزم عدم دخالة اللفظ من حيث حسنه وقبحهفي إلقاء المعنى، مع أنّ الخطيب يسعى في استخدام ألفاظ حسنة لإلقاء مطالبه،فكيف يعقل فناء اللفظ في المعنى مع أنّهما من المقولتين المتباينتين؟!
وثانياً: لو سلّمنا أنّ ماهيّة الاستعمال هي فناء اللفظ في المعنى إلاّ أنّ كلالمعنيين لمّا كانا في عرض واحد فلا مانع من فنائه فيهما؛ إذ لا يكون ههنا أوّليّةوثانويّة، بل كلاهما في عرض واحد.
الاحتمال الثاني: أنّ المعنى حين الاستعمال يتعلّق به اللحاظ الاستقلالي،وإذا كان المعنى متعدّداً فاللحاظ الاستقلالي الذي يتعلّق بها أيضاً كان متعدّداً،وأمّا لحاظ اللفظ فيكون تابعاً للحاظ المعنى، فإذا استعمل في شيئين يكونتابعاً لهما في اللحاظ، فيجتمع فيه اللحاظان الآليّان بالتبع، وهو كما ترى.
ويحتمل قويّاً أن يكون مراده قدسسره هذا الاحتمال، ولعلّه كانت جملة «إلاّ أنيكون اللاحظ أحول العينين» ناظرة إلى هذا المعنى، وهذا هو الأقرب إلىكلامه قدسسره .
وإن كان مراده هذا الاحتمال فيجاب بأنّ اللفظ والمعنى قد يلاحظان بنظرالمتكلّم، وقد يلاحظان بنظر السامع.
توضيحه: أنّ المولى قبل صدور الأمر منه يلاحظ المعنى ويتوجّه إليه،ولكن يتوجّه إلى اللفظ حين صدور الأمر وتفهيم مراده العبد، فيلاحظه تبعللمعنى ويقول: «جئني بماء» إلاّ أنّه لا دليل لأن يكون اللحاظ التبعي متعدّداً،بل يلاحظه تبعاً بلحاظ واحد، فيلاحظ المعنيين ثمّ يلقي كليهما بلفظ واحد،فإذا كان الملحوظ بلحاظ استقلالي متعدّداً فلا يستلزم أن يكون الملحوظباللحاظ التبعي أيضاً متعدّداً.
(صفحه 349)
وأمّا السامع والمخاطب فينتقل من اللفظ إلى المعنى فينعكس الأمر؛ إذيكون لحاظ المعنى تبعاً للحاظ اللفظ وسماعه، فإذا كان اللفظ دالاًّ على المعنيينانتقل منه إليهما من غير لزوم استحالة أبداً، فلا يلزم من تبعيّة اللحاظ جمعاللحاظين في اللفظ، كما لا يخفى.
الاحتمال الثالث: أنّ كلامه قدسسره يدور مدار أصل اللحاظ مع حذف عنوانالاستقلال والتبع عنه؛ بأنّ معيار تعدّد اللحاظ في اللفظ هو تعدّده في المعنى،فإذا كان اللحاظ في جانب المعنى متعدّداً فلابدّ من تعدّده في جانب اللفظأيضاً.
وجوابه: أنّ هذا ليس بتامّ؛ لأنّه إذا قال المتكلّم: «رأيت عيناً» وأراد منهالعين الباكية، ثمّ قال بعد ساعة أيضاً: «رأيت عيناً» وأراد منها هذا المعنى،فلاشكّ في تعدّد اللحاظ ووحدة المعنى، فكيف كان اللحاظ متعدّداً مع أنّالمعنى واحد؟! فلابدّ من تغيير المعيار؛ بأنّ تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ تابعلتعدّد الاستعمال، فإذا كان الاستعمال واحداً يكفي فيه اللحاظ الواحد وإن كانالمعنى متعدّداً، وإذا كان الاستعمال متعدّداً فلابدّ من تعدّد اللحاظ. ولا يصح مأفاده قدسسره في مقام الاستدلال للقول بالاستحالة، فتدبّر.
فإن قيل: إنّه لا مانع من تعلّق اللحاظين بلفظ واحد مع أنّه واحد.
قلنا: إنّ هذا المعنى ليس بصحيح؛ إذ اللحاظ عبارة عن تصوّر الشيءوحضوره عند النفس والتفات الذهن إليه، ومن المعلوم أنّه لا يمكن إحضارهفي النفس مرّتين بدون تعدّد الزمان، كما أنّه لا يمكن إتيان علمين في آن واحدبشيء واحد للإنسان.
وقد استدلّ المحقّق النائيني قدسسره (1) على الاستحالة بأنّ حقيقة الاستعمال ليست
- (1) أجود التقريرات 1: 51.