(صفحه354)
من الشرط المذكور أثراً ولا خبراً.
ولكنّ المحقّق القمي قدسسره ذكر طريقاً آخر لعدم الجواز في كتاب القوانين(1)،وهو قوله في مقام الإشكال على صاحب المعالم قدسسره بأنّه: «لا أقول: إنّ الواضعيصرّح بأنّي أضع ذلك اللفظ لهذا المعنى بشرط ألاّ يراد معه شيء آخروبشرط الوحدة، ولا يجب أن ينوي ذلك حين الوضع أيضاً، بل أقول: إنّمصدر الوضع من الواضع مع الانفراد وفي حال الانفراد، لا بشرط الانفرادحتّى تكون الوحدة جزءً للموضوع له».
توضيح كلامه: أنّ تصريح الواضع بعدم الجواز ليس بلازم كقوله: إنّيوضعتُ لفظ العين للعين الجارية بقيد الوحدة، وللعين الباكية أيضاً كذلك،وهكذا... بل الواضع حين الوضع يلاحظ اللفظ والمعنى في حال الوحدةويضعه له في هذا الحال، وهو يكفي في عدم جواز استعماله في أكثر من معنىواحد؛ إذ لابدّ في الاستعمال من التبعيّة والتأسّي من الوضع، فيقتضي اتّصافالمعاني حين الوضع بقيد الوحدة أن يلاحظ هذا الحال حين الاستعمال أيضاً،ولذا لا يجوز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد.
وفيه: أوّلاً: أنّه لو سلّمنا أنّ المعنى حين الوضع كان في حال الوحدة، ولكنّرعاية جميع خصوصيّات حال الوضع حين الاستعمال ممّا لم يقل به أحد؛ إذ لوكان الأمر كذلك فلابدّ من رعاية خصوصيّات الواضع وحالاته وزمانالوضع ومكانه، فإذا كان الواضع حين الوضع مستقبلاً للقبلة ـ مثلاً ـ فيجب فيحال الاستعمال رعاية هذا الحال، وهكذا، فلابدّ أن يراعى حين الاستعمالالخصوصيّات التي شرطها الواضع حين الوضع فقط، فتكون كبرى بيانه
- (1) قوانين الاُصول 1: 63 ـ 64.
(صفحه 355)
مخدوشة.
وثانياً: أنّه لو فرضنا صحّة كلامه قدسسره من ناحية الكبرى لكن لا تجريصغرى بيانه في جميع المشتركات اللفظيّة؛ إذ كان من أقسامها الوضع العامّوالموضوع له الخاصّ، وهو عبارة عن لحاظ الواضع معنى كُلّيّاً ووضع اللفظلمصاديقه وأفراده، ومعلوم أنّ اللّفظ هنا كان واحداً والمعنى متعدّداً بتعدّد أفرادالعامّ والكلّي، فيتحقّق الاشتراك بين المعاني المتعدّدة بوضع واحد، فلا تكونالمعاني حين الوضع في حال الوحدة ومتّصفة بصفة الوحدة، فلا يجريكلامه قدسسره في هذا النوع من المشترك اللفظي، ولم نجد في هذه المرحلة دليلاً علىعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، مع أنّا نرى في كلماتالاُدباء والشعراء استعماله كذلك، ولا يمكن الالتزام بأن يكون استعمالهم غيرجائز.
فثبت إلى هنا أنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ليس بمستحيل، ولدليل على منع الواضع من هذا الاستعمال كما عرفت، ولكنّ البحث في أنّ هذالاستعمال هل يكون بنحو الحقيقة مطلقاً، أو بنحو المجاز مطلقاً، أو يكون فيالمفرد بنحو المجاز وفي التثنية والجمع بنحو الحقيقة؟ فتكون في المسألة ثلاثةأقوال، والعمدة هنا بيان قول صاحب المعالم قدسسره (1) ـ يعني القول الأخير ـ وفيضمن تبيينه يظهر ما هو الحقّ منها.
واستدلّ صاحب المعالم لمدّعاه بأنّ الموضوع له في الألفاظ المشتركة ليسهو ذوات المعاني، بل هو عبارة عن المعنى مقيّداً بقيد الوحدة، فيكونالموضوع له كلّ واحد من المعاني مشروطاً بشرط الوحدة، وللقيد دخلٌ في
(صفحه356)
الموضوع له بعنوان الجزئيّة، فإذا استعمل لفظ «العين» ـ مثلاً ـ في أكثر منمعنى واحد يستلزم إلغاء قيد الوحدة ويُوجب استعمال اللفظ الموضوع للكلّفي الجزء، فيكون هذا الاستعمال مجازاً. هذا تمام كلامه في المفرد.
وفيه: أوّلاً: أنّ كون الموضوع له ذات المعنى بقيد الوحدة ممّا لا يؤيّده كتابمن كُتب اللغة، بل هو ادّعاء لم يقم أيّ دليل عليه، ولا يوجد واقعاً دليل له،فهو ادّعاء بلا دليل.
وثانياً: لو سلّمنا دخالة قيد الوحدة في الموضوع له ولكنّه لا يكون بنحوالتركيب ـ بأن يكون الموضوع له مركّباً من العين الباكية وقيد الوحدة حتّىيكون أحد الجزءين عبارة عن قيد الوحدة والآخر عبارة عن ذات المعنى بل تكون دخالته فيه بنحو التقيّد، كما اعترف به بقوله: «إنّ الموضوع له عبارةعن المعنى مقيّداً بقيد الوحدة»، وبناءً على ذلك تقيّد جزء والقيد خارجي،ومعلوم أنّ التقيّد أمر عقلي، ولا يشمل قولهم: «إن استعمل اللفظ الموضوعللكلّ في الجزء فهو مجاز» لمثل هذا الجزء قطعاً على ما هو التحقيق.
وأشكل عليه أيضاً صاحب الكفاية قدسسره (1) بما حاصله: أنّ الألفاظ لا تكونموضوعة إلاّ لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة، وإن سلّمنا اعتباره فيالموضوع له فلا يجوز استعمال المفرد في أكثر من معنى ولو مجازاً، إذ ليسالأكثر بجزء الموضوع له ليصحّ استعمال اللفظ فيه مجازاً بعلاقة الكلّ والجزء؛لأنّ المستعمل فيه ـ وهو الأكثر ـ مباين للمعنى الموضوع له ـ وهو المعنى مقيّداً بقيد الوحدة؛ لمباينة المشروط بشيء للمشروط بعدمه، فإنّ الأكثر الذييكون «بشرط شيء» والمقيّد بالوحدة يكون «بشرط لا»، فأين الكلّ والجزء
- (1) كفاية الاُصول 1: 55 ـ 56.
(صفحه 357)
حتّى يصحّ الاستعمال المجازي بلحاظهما؟ وكيف يستعمل المفرد في أكثر منمعنى واحد على نحو المجازيّة؟
ولكنّه مدفوع بأنّه اختلط عليه المفهوم والمصداق؛ إذ المستعمل فيه ليسبعنوان الأكثر ومفهومه، بل هو عبارة عن مصداقه، يعني استعمال اللّفظ فيالمعنيين أو المعاني باستعمال واحد مثل استعماله فيهما أو فيها مستقلاًّ، وحينئذٍيصدق لفظ الموضوع للكلّ في الجزء، كما لا يخفى.
وأمّا استدلال صاحب المعالم لمدّعاه في التثنية والجمع بأنّهما بمنزلة تكراراللفظ، ولا مانع من استعمال أحد اللفظين أو الألفاظ في معنى أو معان غير ماستعمل فيه اللفظ الآخر أو الألفاظ الاُخر، فيكون استعمال التثنية والجمع فيالمعنيين المختلفين أو المعاني المختلفة على نحو الحقيقة، بخلاف المفرد.
ولكنّ أشكل عليه أيضاً في الكفاية(1) بأنّ التثنية والجمع وإن كانا بمنزلةتكرار المفرد، إلاّ أنّ علامتهما تدلّ على تعدّد أفراد ما اُريد من المفرد، وإذا كانالمراد من المفرد معنى واحداً فالتعدّد يكون في أفراد ذلك المعنى الواحد، فإذاُريد من العين ـ مثلاً ـ العين الجارية فلا يراد من تثنيتهما وجمعها إلاّ فردانوأفراد من هذه الماهيّة، فوزان التثنية والجمع وزان المفرد في عدم جوازاستعمالهما في أكثر من معنى واحد على نحو الحقيقة.
واعترض على صاحب الكفاية بأنّ لازم هذا البيان عدم صحّة دخولعلامة التثنية والجمع على الأعلام الشخصيّة؛ لعدم كون معنى العلم الذي يثنّىويجمع ذا أفراد حتّى يراد في تثنيته وجمعه فردان أو أفراد من معناه، فإنّزيدين ـ مثلاً ـ يراد بهما معنيان، لا فردان من معنى واحد، فعلى تقدير دلالة
- (1) كفاية الاُصول 1: 56 ـ 57.
(صفحه358)
علامة التثنيّة والجمع على تعدّد مصداق معنى واحد لا يصحّ تثنية الأعلاموجمعها، مع أنّ من البديهيّات صحّتهما، كما لا يخفى.
وأجاب عنه في الكفاية(1) بأنّ الأعلام التي لحقتها علامة التثنية والجمع لمتستعمل في معانيها الحقيقيّة غير القابلة للتعدّد، بل تستعمل في معنى مجازيـ وهو المسمّى بزيد ـ ثمّ تثنّى وتجمع، ومعلوم أنّ المسمّى ذو أفراد ومصاديق،فيصير «زيد» بعد هذا التأويل كالعين التي تكون لكلّ واحد من معانيها أفرادمتعدّدة.
فحاصل إشكال المحقّق الخراساني قدسسره في هذا المقام على صاحب المعالم: أنّعلامة التثنية والجمع لا تدلّ على تعدّد المعنى والماهيّة، وإنّما تدلّ على تعدّدمصداق المعنى الواحد الذي اُريد من المفرد، هذا أوّلاً.
وأشكل عليه ثانياً: لو فرضنا أنّ علامة التثنية والجمع تدلّ على مطلقالتعدّد لا على تعدّد خصوص مصداق المعنى المراد من المفرد، فيلزم خروجالتثنية والجمع عن حريم النزاع، وهو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد،فإنّهما بعد أن يكونا بمنزلة تكرار المفرد لا بأس بأن يراد من كلّ لفظ معنىغير المعنى الذي اُريد من اللفظ الآخر، ومعلوم أنّ هذا ليس من باب استعمالاللفظ في أكثر من معنى حتّى ينازع في كونه على نحو الحقيقة أو المجاز، فإذاُريد من العين ـ مثلاً ـ الباكية والجارية فيراد من التثنية كلاهما بلا إشكال.
نعم، إذا استعملت التثنية في فردين من كلّ من المعنيين كفردين منالعين الباكية، وفردين من العين الجارية، فكان استعمال للعينين في أكثرمن معنى، ولايجدي تكرّر المفرد في كونه على نحو الحقيقة، فإنّ مناط المجازيّة