(صفحه374)
مِّن نِّسَآلـءِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ»(1).
ومثله الروايات(2) المعتبرة التي تدلّ على حرمة بنت الزوجة ولو كانت منالزوجة المنفصلة عنه بطلاق أو نحوه، فالصغيرة محرّمة عليه مؤبّداً.
وأمّا الكبيرة الاُولى فقد استدلّ على حرمتها بأنّه يصدق عليها عنوان اُمّالزوجة الفعليّة، وهي محرّمة بلا إشكال، وتقريب الاستدلال على وجهين:
أحدهما: ما قال به بعض الأعاظم وهو: أنّ انتفاء الزوجيّة مسبّب عنالاُميّة والبنتيّة، ومعلوم أنّ المسبّب متأخّر رتبته عن السبب، ومعناه أنّالمسبّب لا يتحقّق في رتبة السبب، فلا محالة يتحقّق نقيضه ـ يعني الزوجيّة وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين، فيتحقّق في رتبة السبب عنوان الزوجيّة، فيصدقعنوان اُمّ الزوجة الفعليّة الحقيقيّة في هذه الرتبة.
وفيه: أنّ الواقع وإن كان كذلك بحسب الدقّة العقليّة إلاّ أنّ العرف لا يرىكذلك، فإنّه يقول: هي اُمّ من كانت زوجة، لا اُمّ الزوجة، والمتّبع هنا نظرالعرف ـ كما في مسألة بقاء الدم وعدمه بعد بقاء لونه في الثوب ـ وإن كان مخالفلما حكم به العقل.
وثانيهما: ما قاله صاحب الجواهر قدسسره (3): وهو: أنّ الاُمّيّة والبنتيّة وانتفاءالزوجيّة كلتاهما معلولتان لعلّة واحدة في عرض واحد بلا تقدّم وتأخّر، وهيتحقّق الارتضاع، ولذا لا يكون بين المعلولين فاصلة قطعاً، فهذه المرأة حقيقة اُمّالزوجة؛ لعدم الفصل الزماني بين الاُمّيّة، والزوجيّة، فلا يحتاج إلى النزاع فيباب المشتقّ أصلاً.
- (2) الوسائل 20: 457، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
- (3) جواهر الكلام 29: 329 ـ 330.
(صفحه 375)
وفيه: مع ما اُورد على بعض الأعاظم ـ أنّ مجرّد عدم الفصل زماناً ليقتضي التقارن ـ فإنّ زوجيّة الصغيرة قد انقضت بتحقّق الرضاع المحرّم، فزمانتحقّق الرضاع هو زمان ارتفاع الزوجيّة عنها، وذلك الزمان بعينه هو زمانتحقّق عنوان الاُمّيّة للكبيرة، فصدق عنوان الاُمّيّة للكبيرة والزوجيّة للصغيرةفي زمان واحد غير معقول، فكيف تكون اُمّ الزوجة حقيقة؟! فالحرمة فيالكبيرة الاُولى مثل الكبيرة الثانية مبتنٍ على النزاع في باب المشتقّ، إلاّ أنّالإجماع والروايات الصحيحة حاكمة على حرمة المرضعة الاُولى قبل النزاعفي باب المشتقّ، وأمّا المرضعة الثانية فحكمه مبتنٍ على النزاع في هذا الباب.
(صفحه376)
الأمر الثاني
في جريان النزاع في اسم الزمان
قد عرفت أنّه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقّات الجارية علىالذوات ـ كما عرفت ـ إلاّ أنّه ربّما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسمالزمان، فإنّ مورد البحث في المشتقّ هي الذات الباقية في حالتي التلبّسوالانقضاء؛ إذ لا يعقل هذا النزاع بدون وجود الذات في كلتا الحالتين، مثل«زيد ضاربٌ» حيث إنّ الذات فيه باقية بعد انقضاء المبدأ عنها، فيصحّ النزاعحينئذٍ في أنّ جري «الضارب» على «زيد» بعد زوال المبدأ عنه هل هو علىنحو الحقيقة أم العناية والمجاز؟ وهكذا في سائر المشتقّات حتّى اسم المكانـ كالمسجد ـ فإنّ الذات محفوظة فيه في كلتا الحالتين، بخلاف اسم الزمان؛ إذالزمان بنفسه ينقضي وينصرم، فإنّه من الاُمور التدريجيّة وليس محفوظة فيحالتي التلبُّس والانقضاء، فكيف يصحّ حمل المقتل فعلاً على يوم عاشوراء؟!وهذا نظير إطلاق عنوان «الضارب» على «زيد» فعلاً باعتبار اتّصاف عمروبالضاربيّة في اليوم الماضي، فلابد من خروج اسم الزمان عن حريم نزاعالمشتقّ.
وأجابوا عن هذا الإشكال بما لايخلو عن المناقشة، وقال صاحب
(صفحه 377)
الكفاية قدسسره (1) في مقام الجواب عنه أنّه: يمكن حلّ الإشكال بأنّ انحصار مفهومعامّ بفرد ـ كما في المقام ـ لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دونالعامّ.
توضيح ذلك: أنّ مورد البحث في المشتقّ هو المفهوم، وحينئذٍ يجري النزاعفي اسم الزمان أيضاً؛ إذ الموضوع له فيه هو مفهوم عامّ يشمل المتلبَّسوالمنقضي وإن كان مصداقه في الخارج منحصراً بفرد واحد، وهو خصوصحال التلبّس؛ إذ لا يعقل المنقضي عنه المبدأ فيه، وهذا لاينافي وضع اللفظـ كالمقتل ـ للمفهوم العامّ وجريان النزاع فيه.
ثمّ ذكر لتأييده شاهدين:
الأوّل: أنّ ذات الباري لا تعدّد فيها بلا ريب، بل هو واحد أحد لأدلّةالتوحيد، ولكن مع ذلك وقع الخلاف في أنّ الموضوع له للفظ الجلالة هل هوشخص الباري أم معنى كلّي، وهي الذات المستجمعة لجميع الصفات الكماليّة،فلا مانع من انحصار مفهوم عامّ بفرد ووضع اللفظ بإزاء هذا المفهوم الكلّي،وإلاّ لم يكن لهذا النزاع مجال.
الثاني: أنّ لفظ الواجب وضع لمفهوم عامّ بلا إشكال مع انحصار مصداقهبذات الباري.
وأمّا أصل كلامه قدسسره فمردود بأنّ هذا المعنى لا يناسب غرض الوضع ـ أيالتفهيم والتفهّم بسهولة ـ فإنّه إذا لم يعقل المنقضي عنه المبدأ في اسم الزمان فلفائدة لوضع اللفظ لجامع المشترك بين المتلبّس ومن قضى عنه المبدأ، وليوجب تسهيلاً أصلاً، فلابدّ من كون الموضوع له في مقام الوضع مصداق
- (1) كفاية الاُصول 1: 60 ـ 61.
(صفحه378)
لا المفهوم.
وأمّا الشاهد الأوّل فمردود؛ بأنّ الاختلاف في لفظ الجلالة ناشٍ عنالاختلاف في أصل التوحيد؛ لأنّ عدّة من الفلاسفة قالوا بتعدّد الواجبـ تعالى عن ذلك شأنه ـ ومعلوم أنّ الواضع في مقام الوضع لا يكون تابعاً لنظرالموحّدين، فيمكن وضع لفظ الجلالة لمفهوم كلّي.
ثمّ اختلف الإلهيّون في مصداقه بأنّه واحد أم متعدّد، فلا ربط للوضعبالاعتقاد الصحيح والباطل، مثل: وضع كلمة الصنم لشريك الباري، مع أنّالحقّ أنّه علم شخص كما لا يخفى.
وأمّا الشاهد الثاني فواضح البطلان؛ إذ المراد منه إن كان كلمةالواجب فقط فهو بمعنى الثابت والضرورة وكان له مصاديق متعدّدة، فإنّه قديضاف إلى الوجود وقد يضاف إلى العدم، فيقال: واجب العدم، مثل: شريكالباري، وإن كان المراد منه كلمتي الواجب والوجود معاً فلا وضع لهما أصلاً،بل هما كلمتان كان لكلّ منهما وضع على حدة وركّبهما المستعمل حينالاستعمال، مع أنّه بعد التركيب أيضاً لا ينحصر بالباري، فإنّ لها أقساممتعدّدة، مثل: واجب الوجود بالغير ـ أي الممكنات ـ وواجب الوجودبالقياس إلى الغير. نعم، ينحصر به إذا ركّبت ثلاث كلمات مثل: واجبالوجود بالذات.
وأمّا الجواب الثاني عن الإشكال فهو ما قال به اُستاذنا المرحوم السيّدالبروجردي قدسسره (1) وبعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات(2) وهو: أنّ اسم
- (2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 232 ـ 233.