وأمّا المصدر فإن كان معناه مشتملاً على النسبة ـ مثل الضرب الذي يعبّرعنه بالفارسي بـ «كتك زدن» ـ فهو أيضاً لايحفظ لفظه ولا معناه في سائرالمشتقّات، وأمّا إن كان معناه خالياً عن النسبة ـ مثل أن يعبّر عن الضرببالفارسي بـ «كتك» ـ فهو وإن كان معناه محفوظاً في سائر المشتقّات إلاّ أنّهيئته ليست بمحفوظة.
عن جميع الهيئات وليست لها هيئة خاصّة، ولا تكون فيها خصوصيّة سوىترتيب حروفها وعدم الزيادة والنقيصة فيها، فوضع الواضع حروف «ض» و«ر» و «ب» لمعنى خالياً عن النسبة، وحينئذٍ كان لفظ المادّة ومعناها محفوظينفي جميع المشتقّات.
واُورد على هذا الكلام إشكالات متعدّدة، ولكنّ جميعها قابل للدفع.
منها: أنّ اللفظ عبارة عن المادّة والهيئة، ولا يقال للمادّة بدون الهيئة: لفظاً؛لأنّ المادّة الخالية عن التحصّل لا تكون قابلة للتلفّظ، مع أنّ اللفظ الموضوعلابدّ من كونه قابلاً للتلفّظ به.
وجوابه: أنّ اللفظ لا يستعمل بدون الهيئة أبداً، ولكن الغرض من وضعالمادّة ليست الإفادة الفعليّة، بل هي موضوعة بالوضع التهيّئي لاستعمالاتاشتقاقيّة، فلا يكون وضعها وضعاً مستقلاًّ في قبال وضع المشتقّات؛ إذ لنحتاج إلى إفادة نفس المادّة إلاّ قليلاً، وتهيّؤ الواضع لهذا الاستعمال النادر هيئةمخصوصة كما سيأتي في الجواب عن الإشكال الثاني.
ومنها: أنّ اسم المصدر وكذا المصدر موضوع لنفس الحدث الخالية عنالنسبة، كما هو المشهور بين النحويّين، وعلى هذا لا فائدة في وضعه للحدثالعارية عن النسبة بعد وضع المادّة له أيضاً.
وجوابه: أنّ هيئة اسم المصدر لا تفيد معنى وراء ما تفيد مادّتها؛ لأنّ المادّةوضعت لنفس الحدث، لكن لا يمكن التلفّظ بها، وربّما نحتاج إلى إظهار ذلك،فوضعت هيئته لا لإفادة معنى من المعاني، بل لكونها آلة للتلفّظ والتنطقبالمادّة.
ومنها: أنّ لازم ذلك هو دلالة المادّة على معناها وإن تحقّقت في ضمن هيئة
(صفحه384)
غير الموضوعة ـ مثل «ضرب» بكسر وضم الضاد وسكون الراء ـ مع أنّهليس كذلك.
وجوابه: أنّ للمادّة ثلاث خصوصيّات وهي عبارة عن الحروف الثلاثة«ض، ر، ب» ليس إلاّ الترتيب، والانحصار في الهيئات الموضوعة، والمشتقّاتالمحدودة.
ومنها: أنّه يلزم على القول باستقلال كلّ من المادّة والهيئة في الوضع دلالتهمعلى المعنيين المستقلّين بتعدّد الدال والمدلول، فيكون لفظ الضارب ـ مثلاً حين الاستعمال بمنزلة اللفظين الدالّين على المعنيين، مع أنّه لا فرق بينه وبينلفظ «زيد» في وحدة الدال والمدلول.
وجوابه: أوّلاً: أنّ هذا الإشكال مشترك الورود؛ إذ لا تخلّص منه ولو قلنبما قال به الكوفيّون أو البصريّون، فإنّ كلّ لفظ كانت له حيثيّتان مستقلّتانيرد عليه هذا الإشكال، وأمّا لفظ «زيد» فكان وضعه شخصيّاً؛ إذ الواضعلاحظ مادّة وهيئة مخصوصة ثمّ وضعها لهيكل مخصوص.
وثانياً: أنّ الإشكال مردود من أصله، فإنّه وإن كان للمشتقّات حيثيّتانمن جهة الوضع ولكن مع ذلك لا تكون لها دلالتان؛ لأنّ المادّة متحصّلةبتحصّل الهيئة، ولا تحقّق لها بدون الهيئة فهي متّحدة معها، ودلالتها على المعنىمندكّة في دلالة الهيئة، فيكون بين المادّة والهيئة نحو اتّحاد في الدلالة، مثل اتّحادالهيولى مع الصورة في عالم التكوين، فالمادّة وإن كانت مستقلّة في قبال الهيئةحين الوضع، إلاّ أنّها ليست كذلك حين التحصّل والاستعمال.
والحاصل: أنّ ما قال به المتأخّرون في مادّة الاشتقاق، وكيفيّة وضعهيناسب حقيقة الاشتقاق.
(صفحه 385)
واعلم أنّ المحقّق الخراساني قدسسره (1) بعد القول بخروج الأفعال والمصادر المزيدفيها عن حريم النزاع لكونها غير جارية على الذوات ولا تحمل عليها، ذكربالمناسبة أنّه قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتّى أخذوالاقتران به في تعريفه وجعلوه فارقاً بينه وبين الاسم، وهو اشتباه.
واُورد على هذا الكلام إشكالات متعدّدة:
منها: أنّ جميع الأفعال لا تقترن بالزمان ولا تدلّ عليه؛ إذ الأمر والنهي معأنّهما من الأفعال لم تؤخذ في معناهما الخصوصيّة الزمانيّة أصلاً، فإنّهما وضعلإنشاء طلب الفعل أو الترك من دون دلالتهما على الزمان، غاية الأمر أنّالإنشاء بهما وقع في الحال، كما هو الحال في الإخبار بالجملة الاسميّة مثل:«زيد قائم» أو بالماضي أو المستقبل، فلا تكون ظرفيّة زمان الحال للإنشاءوالإخبار بالأفعال المذكورة دليلاً على كونه جزءً لمدلولها كما لا يخفى.
ومنها: أنّه يمكن منع دلالة الفعل الماضي والمستقبل على الزمان بالوضعبحيث يكون جزءً لمدلولهما أيضاً، فإنّ الفعل إذا اُسند إلى نفس الزمان، مثل:
مضى الدهر والأيام والذنب حاصل
|
وجاء رسول الموت والقلب غافل
|
لزم تجريد الفعل عن الزمان والالتزام بالمجازيّة؛ إذ الزمان لا يكون في زمانآخر.
وهكذا إذا اُسند إلى المجرّدات مثل: «علم اللّه» و «خلق اللّه»، فإن كانالزمان مأخوذاً في مدلول الفعل فلابدّ من تجريده عنه في هذه الأمثلة، وكوناستعماله فيها مجازاً، مع أنّه لا شكّ في أنّ هذه الاستعمالات حقيقة.
نعم، إذا اُسند إلى الزمانيّات ـ أي ما كان الزمان ظرفاً لوجوده كغالب
- (1) كفاية الاُصول 1: 61 ـ 62.