(صفحه390)
الزمان غير الماضي.
كما أنّ الجملة الاسميّة كـ «زيد ضارب» يكون لها معنى صحّ انطباقه علىكلّ واحد من الأزمنة مع عدم دلالتها على واحد منها أصلاً.
وحاصله: أنّ المشترك المعنوي ليس بمعنى وجود عنوان جامع بينهما، بليكون لمدلول فعل المضارع خصوصيّة تنطبق في الزمانيّات على الحالوالاستقبال.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1): «لايبعد أنّ يقال: إنّ هيئة المضارع وضعتللصدور الاستقبالي، لكنّها استعملت في بعض الموارد في الحال حتّى صارتحقيقة فيه».
ولكنّ الظاهر أنّه لايبعد القول بتعدّد الوضع في الفعل المضارع أيضاً؛ بأنّالواضع وضعه تارةً للصدور الحالي واُخرى للصدور الاستقبالي بصورةالاشتراك اللفظي؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 110.
(صفحه 391)
(صفحه392)
الأمر الرابع
في أنّ اختلاف مبادئ المشتقّات هل يوجب الاختلاف
في المبحوث عنه ـ يعني هيئات المشتقّات ـ أم لا؟
قال صاحب الكفاية قدسسره (1): إنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ وكون المبدأ فيبعضها حرفة وصناعة ـ كالتاجر والصائغ ـ وفي بعضها قوّة وملكة ـ كالمثمروالمجتهد ـ وفي بعضها فعليّاً ـ كالضارب والشارب ـ لا يوجب اختلافاً في دلالةالمشتقّات بحسب الهيئة أصلاً، ولا تفاوتاً في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى،غاية الأمر أنّه يختلف التلبّس به في المضي أو الحال، فيكون التلبّس بالمبدفعلاً لو أخذ حرفة أو ملكة ولو لم يتلبّس به إلى الحال أو انقضى عنه، ويكونممّا مضى أو يأتي لو أخذ فعليّاً، فلا يتفاوت في دلالة الهيئة أنحاء التلبُّساتوأنواع التعلّقات.
والحاصل: أنّ المبدأ إن كان ملكة أو حرفة فالتلبّس به عبارة عنوجودهما وإن لم يتلبّس بهما بعد، أو انقضى عنه بعد التلبّس بهما وإن لم يكنحين النطق متلبّساً بهما كالمجتهد إذا أكل مثلاً، وإن كان فعلاً فالتلبّس بالمبد
(صفحه 393)
هو الاشتغال به، فإطلاق المشتقّ على من لم يتلبّس به أو انقضى عنه يكونمجازاً كالشارب والضارب، فما يترتّب على اختلاف المبادئ هو طول زمانالتلبّس بها وقصره، فالشجرة المثمرة يصدق عليها عنوان المثمر في جميعفصول السنة مادامت لها قابليّة الإثمار وشأنيّته، وإذا زالت عنها هذه الشأنيّةفينقضي عنها المبدأ.
وهذا الكلام وإن كان صحيحاً بحسب الظاهر والنظر الابتدائي ولكن الواقعوالنظر الدقّي يقتضي خلافه، فإنّ أكثر المبادئ يكون بنحو الفعليّة؛ إذ التاجرـ مثلاً ـ مادّته عبارة عن التجارة لو أخذ فيه عنوان الحرفة، كيف ينطبق فيالآية الشريفة: «لاَ تَأْكُلُوآاْ أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِـلِ إِلاَّآ أَن تَكُونَ تِجَـرَةً عَنتَرَاضٍ»(1)، مع أنّه لا شكّ في أنّ المراد من التجارة فيها هو صدور التجارةوفعليّتها لا حرفته، وهكذا الخيّاط ـ مثلاً ـ مبدأه عبارة عن الخياطة، وليؤخذ فيه عنوان الحرفة؛ إذ لو نذر أحدٌ أن لا يتحقّق منه الخياطة فلا شكّ فيتحقّق المخالفة والحنث بتحقّق عنوان الخياطة ولو لم يجعل حرفته ذلك. وهكذفي مثال القوّة فمثلاً: كما أنّ تنجيس المصحف يكون محرّماً كذلك يحرم كتابتهبالمركّب النجس، ومعلوم أنّ المراد منه الكتابة الفعليّة لا الكتابة بالقوّة، وهكذفي أكثر المبادئ أخذ عنوان الفعليّة حتّى في مبدأ المثمر، فإنّ مبدأه عبارة عنالإثمار، فلو أخذ فيه عنوان الشأنيّة كانت إضافة كلمة الشأنيّة إليه فيالاستعمالات لغواً.
نعم، كلمة الاجتهاد بوحدتها تكون في الاصطلاح بمعنى الملكة والقدرةعلى الاستنباط، إلاّ أنّها ليست في اللغة كذلك، بل تكون بمعنى استفراغ الوسع
(صفحه394)
والجدّ في طلب شيء، فاُخذ في جميع المبادئ عنوان الفعليّة.
ويؤيّده عدم أخذ العناوين المذكورة في الفعل الماضي والمضارع وأمثالذلك؛ إذ لم يؤخذ في «اتّجر» و«يتّجر» عنوان الحرفة أصلاً، ولكن اُخذ في اسمفاعلهما، مع أنّ المادّة في الجميع واحدة.
إنّما الكلام في أنّ ما فهم العرف من لفظ «ضارب» غير ما فهم من لفظ«تاجر» و «مثمر» وأمثال ذلك، مع أنّ الهيئة في أكثرها واحدة، فهل يوجبهذا الاختلاف الالتزام بتعدّد الوضع في هيئة واحدة؛ بأن يقول: هيئة فاعلـ مثلاً ـ تارةً وضعت لمعنى تدلّ على الفعليّة واُخرى لمعنى تدلّ على الحرفة،وهكذا؟
واستبعده اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1) وقال بعد ذلك: يمكن أن يقال: إنّ ميدلّ على الصنعة والحرفة وأمثال ذلك قد استعمل في تلك المعاني أوّلاً بنحوالمجاز حتّى صارت حقيقة تعيّنيّة، ولكنّ هذا أيضاً لايخلو من بعد، فإنّه يوجبالافتراق بين المبدأ والمشتقّ، من حيث أخذ الحرفة ـ مثلاً ـ في المشتقّ دونالمبدأ.
وقال بعض الأعلام على ما في تقريراته: «إنّ موادّ المشتقّات ومبادئهتنقسم إلى أقسام: منها: ما يكون من قبيل الأفعال الخارجيّة كالقيام والقعود،ومنها: ما يكون من قبيل الملكة والقوّة والاستعداد كالمجتهد والمهندسوالمفتاح، ومنها: ما يكون من قبيل الحرفة والصنعة كما في الخيّاط والبنّاء...فيكون التلبّس بالمبدأ والانقضاء عنه في كلّ ذلك بحسبه».
ثمّ قال: إنّ كون التلبّس بالمادّة على نحو القوّة والاستعداد قد يكون
- (1) تهذيب الاُصول 1: 111.