(صفحه40)
إلى كلمة العرض، إلاّ أنّه توجد في كلام أهل المنطق قرينة لدفع هذا الإشكال،حيث قالوا: «موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة»، ولنرتاب في التفاتهم إلى العلوم، مثل الفقه، وأنّ كلّ مسائله اُمور اعتباريّة، معهذا لم يقولوا: «موضوع علم المنطق...»، بل قالوا: «موضوع كلّ علم...»، وهذقرينة على أنّ المراد من العرض ههنا ليس العرض في مقابل الذات والذاتيّات،ولا العرض في مقابل الجوهر، بل المراد منه المحمول الذي يحمل على الشيء،والوصف الذي يتّصف به الشيء، سواء كان له واقعيّة أم لا، مثل: «هذالإنسان حرٌّ أو عبدٌ».
والمراد من الذاتي ليس ما فسّره المشهور، بل المراد منه ما فسّره المحقّقالخراساني قدسسره والمرحوم السبزواري، أي بلا واسطة في العروض.
وأمّا ما أورده سيّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ بنقضه بعلم الجغرافيا فقابلللدفع، بأنّ عنوان الموضوع فيه مع عنوان موضوعات مسائله عنوان الكلّيوالجزئي، لا عنوان الكلّ والجزء، فإنّ لازمه عدم ترتّب الأثر والغرضالمقصود منه إذا لم يعرف خصوصيّات جغرافيا جميع أنحاء الأرض؛ لأنّالغرض المترتّب على المركّب لا يتحقّق إلاّ بتحقّق المركّب بأجمعه ـ كالصلاةالتي لو نقص حرف منها عمداً لا يترتّب عليها الغرض المقصود منها ـ مع أنّهمن البديهي يترتّب غرض الجغرافيا على كلّ مقدار يعلم منه ـ مثل علم النحوالذي يحصل الغرض بالنسبة إلى كلّ مسألة منه ـ وإلاّ فليس في العالم مَن يعلمخصوصيّات جغرافيا جميع أنحاء الأرض. ومن هنا نستكشف أنّ النسبة بينهمنسبة الكلّي إلى الجزئي.
وعلى هذا المبنى تدفع جميع الإشكالات المذكورة، ويبقى في المسألة إشكال
(صفحه 41)
واحد، وهو: أنّ الصلاة لم تكن قابلة لوقوعها معروضاً للوجوب بوجه منالوجوه، فإنّه خارج من عنوان العرض وإن كان العرض بمعنى المحمول، كما مرّآنفاً.
والتحقيق: أنّ المعروض للوجوب ماهيّة الصلاة، أي: الصلاة مع قطع النظرعن الوجودين.
إن قلت: إنّ ماهيّة الصلاة لا تكون مطلوبةٌ للمولى، ولا تترتّب عليها الآثاركالمعراجيّة ونحوها.
قلنا: إنّا لا نقول في الفقه بأنّ ماهيّة الصلاة مطلوبة، بل نقول بأنّ ماهيّةالصلاة واجبة، والفرق بينهما أوضح من الأمس، فإنّه يوجد في معنى الوجوبعنوان الوجود وهو البعث إلى إيجاد الشيء، بخلاف معنى المطلوب، فمعنى«الصلاة واجبة»، أي الصلاة مطلوبة وجودها، وسيأتي تفصيله في معنىالوجوب وتعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع إن شاء اللّه تعالى.
(صفحه42)
النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله
المطلب الرابع
في النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله
قال المحقّق الخراساني قدسسره (1) تبعاً للمشهور: «إنّ النسبة بينهما نسبة الكلّي إلىمصاديقه والطبيعي إلى أفراده».
ودليلهم: أنّ العمدة في احتياج العلوم إلى الموضوع هو وحدة الغرض،فإنّهم قالوا: يكشف من وحدة الغرض في كلّ علم أن يكون بين مسائله قدرجامع وجهة مشتركة، وهو عبارة عن القدر الجامع بين الموضوعات ونسمّيهبـ «موضوع العلم»، وعلى هذا لابدّ لهم من قولهم هذا في النسبة بين موضوعالعلم وموضوعات مسائله.
ولكن يرد عليهم: أنّ النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله قدتكون نسبة الكلّ إلى الجزء، كما قال به الإمام ـ دام ظلّه ـ(2) في علم الجغرافيا،وقد تكون نسبة التساوي مثل علم العرفان، وقد تكون نسبة العموموالخصوص من وجه مثل الأدلّة الأربعة وصيغة الأمر على الوجوب في علمالاُصول؛ لأنّ المراد من الأمر في هذا البحث مطلق الأمر ولا ينحصر بأوامر
- (2) هذا ما استفاده الاُستاذ من درس الامام قدسسره .
(صفحه 43)
الكتاب والسنّة.
وأمّا على المبنى الذي اخترناه في مسألة وحدة الموضوع ـ أي اقتضاءالسنخيّة الجوهريّة والذاتيّة هي جهة الاشتراك بين المسائل، لا بصورة القدرالجامع، بل وإن سلّمنا نظر الإمام في علم الجغرافيا ـ لا يرد الإشكال، فإنّ بينمسائل علم الجغرافيا نوع من السنخيّة، ولا يكون من لوازمها وجود القدرالجامع والكلّيّة، بل لازمها الاشتراك ولو كان بصورة الكلّ والأجزاء، مثلاشتراك القراءة والركوع في أنّهما جزءان للصلاة.
وبالجملة، تختلف النسبة بحسب الموارد فقد تكون بصورة الكلّي إلىمصاديقه كما هو الغالب، وقد تكون بصورة الكلّ إلى الجزء، وقد تكونبصورة التساوي.
(صفحه44)
في مسألة التمايز بين العلوم
المطلب الخامس
في مسألة التمايز بين العلوم
إنّا نعلم بالبداهة أنّ العلوم تكون متعدّدة ومتغايرة، وأمّا ملاك المغايرةوالتمايز فمختلف فيه وهو معركة الآراء، والمشهور أنّ تمايز العلوم بتمايزالموضوعات، وفي كلامهم احتمالان:
الأوّل: أن يكون مقصودهم جميع العلوم، وأنّ القدر الجامع الذي يعبّر عنهبالموضوع يوجب التمايز بين العلوم، كالكلمة والكلام في النحو، وفعل المكلّففي الفقه أيضاً يوجب التمايز بينهما، وهذا الاحتمال ظاهر من كلامهم.
الثاني: ما يستفاد من كلام المحقّق الخراساني قدسسره ـ وهو أن يكون المراد منقولهم: تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ـ أنّ تمايز العلوم بتمايز موضوعاتالمسائل، أي تلاحظ موضوعات مسائل كلّ علم مع علم آخر.
ونحن نبحث بعون اللّه تعالى عن الاحتمالين فنقول: إن كان مرادهم الاحتمالالأوّل فيرد عليه إشكالان: أحدهما قابل للدفع، وثانيهما غير قابل للدفع، وأمّما هو قابل للدفع فإنّه لو كان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فعلم النحووالصرف والمعاني والبيان مع أنّها علوم متعدّدة كيف يكون موضوعها الكلمةوالكلام؟! لأنّه على هذا التقدير لا يكون موضوعها شيئاً واحداً؛ إذ الكلمة