(صفحه516)
وثانياً: أنّ الإمام قدسسره صرّح بجواز الترخيص في الترك من قبل المولى، فهيئة«افعل» عنده تجتمع مع الإذن في الترك، وكذا تجتمع مع التهديد على التركوالمنع منه، فإذا كانت الهيئة معرّاة من كلا القيدين فما الدليل والملاك علىالحمل على القسم الثاني؟ وأنّ المراد منها هو البعث والتحريك الوجوبي حتّىيحتاج إلى الجواب بالامتثال والإطاعة، فلا يمكن المساعدة على هذا الوجهأيضاً، فلا يبقى دليل سوى التبادر للدلالة على الوجوب.
(صفحه 517)
(صفحه518)
في الجمل الخبريّة
المبحث الثالث
دلالة الجملة الخبريّة على الطلب والوجوب
إنّا نرى في كثير من الروايات بيان الحكم بصورة الجمل الخبريّة المضارعيّةكقوله عليهالسلام في جواب السائل: «يعيد صلاته ويغسل ثوبه ويتوضّأ»(1)، وأمّاستعمال الجمل الخبريّة الماضويّة في هذا المقام فليس إلاّ فيما إذا وقعت جزاءلشرط كقوله عليهالسلام : مثلاً «من تكلّم في صلاته أعاد»، وإنّما البحث والكلام في أنّهبعد المفروغيّة من عدم حملها على المعنى الحقيقي، أي الحكاية عن وقوع النسبةفي المضارع أو تحقّقها في الماضي فهل تدلّ على الوجوب أم لا؟
قال المحقّق الخراساني قدسسره (2): الظاهر الأوّل، بل تكون أظهر من الصيغة،ولكنّه لا يخفى أنّه ليست الجمل الخبريّة الواقعة في ذلك المقام ـ أي الطلب مستعملة في غير معناها، بل تكون مستعملة فيه، إلاّ أنّه ليس بداعي الإعلام،بل بداعي البعث بنحو آكد، حيث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه إظهاراً بأنّه ليرضى إلاّ بوقوعه، فيكون آكد في البعث من الصيغة، كما هو الحال في الصيغالإنشائيّة، على ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل في معانيها الإيقاعيّة لكن
- (1) الوسائل 3: 466، 477، 479 و 482، الباب 37، 41، 42 و 44 من أبواب النجاسات.
- (2) كفاية الاُصول 1: 104.
(صفحه 519)
بدواع اُخر كما مرّ.
ثمّ أشكل على نفسه بأنّه كيف تكون الجمل الخبريّة مستعملة في معناهالإخباري دون الإنشائي، مع أنّه مستلزم للكذب غالباً؛ لكثرة عدم وقوعالمطلوب كذلك في الخارج، تعالى اللّه وأولياؤه عن ذلك علوّاً كبيراً.
وأجاب عنه بقوله: إنّما يلزم الكذب إذا أتى بها بداعي الإخبار والإعلام للداعي البعث؛ إذ كيف يكون الإخبار بداعي البعث مستلزماً للكذب؟! ولوكان كذلك لزم الكذب في غالب الكنايات، فمثل «زيد كثير الرماد» أو «مهزولالفصيل» لا يكون كذباً إذا قيل كناية عن جوده ولو لم يكن له رماد وفصيلأصلاً، وإنّما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد وإن كان له رماد كثير، فيكون الطلببصورة الخبر في مقام التأكيد أبلغ من الطلب بالصيغ الإنشائيّة، فإنّه مقالبمقتضي الحال.
فأثبت قدسسره إلى هنا أظهريّة الجمل في الوجوب، ثمّ أقام دليلاً لظهورها فيه.
وتوضيحه: أنّ مقدّمات الحكمة تقتضي حلمها على الوجوب؛ إذ المفروضأنّ الإمام عليهالسلام حين سأله زرارة كان في مقام البيان لا في مقام الإهمالوالإجمال، ولم ينصب قرينة على الندب، فاستفاد زرارة من جملة «يعيدصلاته» الوجوب، بقرينة سؤاله عن مسألة اُخرى ولشدّة مناسبة الإخباربالوقوع مع الوجوب، وتلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا أقلمن كونها موجبة لتعيّنه من بين محتملات ما هو بصدده. هذا تمام كلامصاحب الكفاية قدسسره في مقابل القول بالتوقّف وإنكار أصل الظهور، وأنّاستعمالها في الإنشاء ـ سواء كان وجوبيّاً أو استحبابيّاً ـ مجاز، ولا يحمل بدونالقرينة على الوجوب.
(صفحه520)
ولكن لابدّ لنا من ملاحظة الوجوه التي حكيناها لإثبات ظهور الهيئة فيالوجوب، والوجه الأخير منها ما اختاره الإمام والبروجردي، وخلاصته:أنّ صدور الأمر وإقامة الحجّة من المولى يحتاج إلى الجواب بالامتثالوالإطاعة، ويترتّب على مخالفتها استحقاق العقوبة بحكم العقل، وهذا معنىالوجوب، فإن اخترنا هذا المسلك ههنا فهل هو منحصرٌ بالحجّة الصادرةبصورة هيئة «افعل» أو الأعمّ منها ومن الحجّة الصادرة بصورة الجملةالخبريّة؟ لا شكّ في أنّ الأساس والملاك في هذا الوجه هو ثبوت الحجّة منالمولى وصدورها منه، ولا دخل لكيفيّة صدورها فيه بعد القطع بأنّ الإمام عليهالسلام كان في مقام بيان الحكم، وصدور الجمل عنه عليهالسلام لا يكون في مقام الإخبار،بل كان في مقام الإنشاء، فلا شكّ في حجّيّتها، بل قد يكون صدور الحجّة منالمولى بالإشارة المفهمة، فالحجّة تامّة مع أنّها لم تصدر بالقول.
وبالنتيجة: أنّ الجمل الخبريّة ـ مثل هيئة «افعل» ـ ظاهرة في الوجوب،ويكون كلاهما من حيث الظهور في رتبة واحدة، ولا أظهريّة لأحدهما علىالآخر، ولا فرق بينهما من حيث الظهور، إلاّ أنّ الوجوب كان معنى حقيقيّلهيئة «افعل» ومعنى مجازيّاً للجمل الخبريّة، فيكون المستعمل فيه في جميعالجمل الخبريّة، سواء استعملت في مقام الإخبار أو الإنشاء هو ثبوت النسبةبين الفعل وفاعله، إلاّ أنّها إذا استعملت في مقام الإخبار يثبت المستعمل فيالمعنى الحقيقي، وإذا استعملت في مقام إنشاء الحكم بداعي البعث والتحريكيتجاوز عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي.
وإذا ثبت ظهور الهيئة في الوجوب بالتبادر ـ كما هو المختار ـ فلا ريب فيانحصار التبادر بهيئة «افعل» وأشباهها، وحينئذٍ لابدّ من القول بأنّ التبادر في