(صفحه 633)
عن الغرض تحقّق الأمر من ناحيته وبين أن يكون الكاشف عنه سائر الطرقوالأمارات، مثلاً: إذا كان ابن المولى في معرض الغرق في الماء يجب على العبدنجاته عقلاً وإن كان المولى غائبا ولم يصدر عنه أمر أصلاً؛ لأنّه يعلم خارجأنّ غرضه تعلّق بنجاة ابنه، فالملاك في كلتا الصورتين واحد، وإن يتحقّق العلمبالغرض كثيراً مّا عن طريق الأوامر، إلاّ أنّه لا موضوعيّة للأمر، بل هوكاشف عن الغرض.
وإذا لاحظت هذه المقدّمة فلنرجع إلى المثالين المذكورين في كلام صاحبالكفاية قدسسره ونقول: أمّا في المثال الأوّل فلا شكّ في أنّه يجب على العبد تمكّنالمولى من الماء ثانيا، ولكنّه لا يكشف عن بقاء الأمر بحاله، بل هو دليل علىعدم تحقّق غرض المولى؛ إذ يتحقّق ما هو مربوط بفعل العبد وغرض الأمربعد تمكّنه من الماء أوّلاً فلا محالة يسقط الأمر.
وأمّا تحقّق غرضه الأقصى ـ كرفع العطش ـ فيتوقّف على مقدّمة مربوطةبفعل نفس المولى، ولكنّ العبد بعد العلم بعدم تحقّق غرض المولى يمكّنه منالماء ثانيا بحكم العقل، فلا يصحّ التعبير بعد سقوط الأمر بانضمام الامتثال أوتبديل الامتثال كما ذكرناه.
وأمّا المثال الثاني ونظيره حكم الفقهاء باستحباب تكرار صلاة الآيات مدام سببها من الكسوف أو الخسوف باقيا.
فجوابه: أوّلاً: أنّ وجود عدّة من الروايات الصحيحة والفتاوى لا يوجبرفع اليد عن الحكم العقلي البديهي.
توضيح ذلك: أنّ البرهان العقلي البديهي القطعي إذا تعارض مع الدليلالتعبّدي الشرعي من الرواية أو ظاهر الكتاب كقوله تعالى: «جَآءَ رَبُّكَ
(صفحه634)
وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»(1)، ويستفاد من ظاهره التجسّم، وقام في مقابله البرهانالعقلي القطعي بأنّه تعالى شأنه عن ذلك، فلابدّ لنا في مثل ذلك في بادئ الأمرمن توجيه الظاهر كما فعل ههنا أهل الأدب والنحويّون؛ بأنّ تقدير الآية:«جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ...» وإن لم يمكن لنا التوجيه اللفظي فيقدّم البرهان العقلي،وتحمل الآية على المشابهات القرآنيّة، وبناءً على ذلك لا يوجب تحقّقالموردين المذكورين في الشريعة رفع اليد عن البرهان العقلي البديهي.
وأمّا الروايات التي أشار إليها صاحب الكفاية قدسسره بعد اشتراك الجميع فيالحكم باستحباب الإعادة فقال عليهالسلام في الصحيحة: «يجعلها الفريضة»(2)، أيالصلاة التي أعادها ثانيا يجعلها الفريضة. وفي صحيحة اُخرى: «يجعلهالفريضة إن شاء»(3). وفي ثالثة: «إنّ اللّه يختار أحبّهما إليه»، فلابدّ لنا من جوابكلّ منها على حدة.
فنقول في مقام الجواب عن أصل مسألة استحباب الإعادة: أوّلاً: أنّ موردهذا الحكم هو ما إذا كان المصلّي في أثناء صلاة ظهره أو أتمّ صلاة ظهرهفرادى ثمّ وجدت جماعة، فيتمّها ظهرا ثمّ يعيدها جماعة في الصورة الاُولىبعنوان الاستحباب، وهكذا يستحبّ له الإعادة جماعة في الصورة الثانية كمقال به المشهور.
ويمكن أن يكون مورده ما إذا كان المصلّي في أثناء صلاة ظهره ثمّ وجدتجماعة، فليجعلها نافلة فيتمّها بعد الركعتين، ويجوز قطعها ثمّ يصلّيها جماعة،وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنيّة الواجب؛ لأنّ من صلّى الواجب بنيّة
- (2) الوسائل 8 : 403، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
- (3) المصدر السابق: 401، الحديث 1.
(صفحه 635)
الواجب فلا يمكن أن يجعلها غير واجب، كما قال به شيخ الطائفة فيالتهذيب(1)، وإذا كان الأمر كذلك فلا ربط للروايات بتبديل الامتثال.
وثانياً: أنّه لو سلّمنا أنّ مورد الروايات عبارة عمّا يقول به المشهور، ولكنلا شكّ في أنّ مورد تبديل الامتثال بامتثال آخر عبارة عمّا صدر عن المولىأمرا واحدا، والمستدلّ يدّعي جواز إتيان المأمور به ثانيا بعد إتيانه أوّلللمكلّف.
وأمّا ما يستفاد من الروايات فهو تحقّق حكمين: أحدهما: الحكم الوجوبيالذي تعلّق بطبيعة الصلاة، وثانيهما: الحكم الاستحبابي الذي تعلّق بالإعادةجماعة، فأين تبديل الامتثال بامتثال آخر؟ ففي الحقيقة يكون الشارع فيمورد هذه الروايات في مقام توسعة دائرة مثوبة صلاة الجماعة.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «يجعلها الفريضة» فهو أنّ معناهعبارة عن أنّ تحقّق الاستحباب المذكور متوقّف على قصد عنوان الظهر؛ إذالصلاة من العناوين القصديّة، فطريق تحقّق هذا الاستحباب منحصر بقصدعنوان الصلاة التي أتى بها أوّلاً من الظهر أو غيره، ولا يكون معناها إتيانهثانيا بعنوان الواجب.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «يجعلها الفريضة إن شاء» فهو أنّكلمة «إن شاء» وإن كانت منافية في بادئ النظر مع قصد عنوان الظهر والمعنىالذي ذكرناه للرواية السابقة ولكنّها أيضا لا تتضمّن عقدة غير قابلة للحلّ كملا يخفى، فإنّ معنى الرواية أنّ المصلّي يجعلها قضاءً للظهر الذي فاتت منه إنشاء، وإن لم يشأ يقصد عنوان الظهريّة فقط كما يؤيّده بعض الروايات الواردة
- (1) تهذيب الأحكام 3: 50، ذيل ح176.
(صفحه636)
بهذا المضمون.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «إنّ اللّه يختار أحبّهما إليه» فهوأوّلاً: أنّها ضعيفة من حيث السند، وثانيا: على فرض صحّة سندها معناهبعد فرض تساوي كلتا الصلاتين في جميع الخصوصيّات إلاّ من حيث الجماعةوالفرادى، إنّ اللّه تعالى يختار الجماعة لكثرة فضيلته، أي الشارع يعطي ثوابالجماعة للمصلّي، فالامتثال يتحقّق بصلاة الفرادى ومع ذلك يعطي له ثوابالجماعة، وليس معناه تبديل الامتثال أصلاً.
وأمّا جواب حكم الفقهاء باستحباب تكرار صلاة الآيات ـ استنادا إلىالرواية الصحيحة الواردة بهذا المضمون: «إذا أتيت صلاة الآيات فأعد حتّىيتحقّق الانجلاء»، والظاهر منها وجوب الإعادة، ولكن لم يقل به أحد، بلالمشهور بالشهرة المحقّقة استحباب الإعادة ـ فهو ما مرّ آنفا من أنّ موردتبديل الامتثال بامتثال آخر عبارة عمّا صدر عن المولى حكم واحد، ولكنيتحقّق في ما نحن فيه حكمان متغايران: أحدهما: الحكم الوجوبي المتعلّقبطبيعة صلاة الآيات، والآخر الحكم الاستحبابي المتعلّق بإعادة الصلاة. ولوفرضنا كون الحكم الثاني أيضا وجوبيّا فهو حكم وجوبي آخر غير الأوّل،فإنّه سقط بإتيان الصلاة الاُولى، فتحقّق هنا حكمان، ولكلّ حكم امتثالخاصّ.
وبالنتيجة إتيان المأمور به بكلّ أمر يجزي عن أمره، والحاكم بالإجزاء هوالعقل، وليست مسألة تبديل الامتثال، أو الامتثال عقيب الامتثال قابلةللتعقّل.
وأمّا البحث في المقام الثاني فقد يقع في الأوامر الاضطراريّة، وقد يقع في
(صفحه 637)
الأوامر الظاهريّة، ولا ملازمة بين القول بالإجزاء أو عدمه في المسألتين، كمأنّ البحث في الأوامر الظاهريّة قد يقع في الطرق والأمارات، وقد يقع فيالاُصول العمليّة، ولا ملازمة بينهما أيضا؛ إذ يجوز للقائل بالإجزاء في الاُولىالقول بعدم الإجزاء في الثانية، فلابدّ من تحقيق دقيق في كلّ منهما على حدة،فنقول:
إنّ البحث في الأوامر الاضطراريّة قد يقع في مقام الثبوت، وأنّه مع قطعالنظر عن الأدلّة الواردة في باب التيمّم وتعبيراتها، هل يجزي إتيان الصلاة معالتيمّم عن الصلاة مع الوضوء أم لا؟
ولابدّ لنا قبل الورود في البحث من ذكر مقدّمة، وهي: أنّ المراد من الصلاةمع التيمّم التي وقعت مورد البحث ههنا عبارة عمّا كان مشروعيّته وصحّتهمفروغاً عنها واقعا ومن دون أن يكشف الخلاف أصلاً حتّى في صورة وجدانالماء؛ إذ لا معنى لإجزاء ما يكون باطلاً أو ما يتوهّم صحّته.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره (1) ذكر وجوهاً متصوّرة في مقام الثبوت بأنّه يمكنأن يكون المأمور به بالأمر الاضطراري ـ أي الصلاة مع التيمّم ـ كالمأمور بهبالأمر الاختياري وافيا بتمام المصلحة، والحكم في هذه الصورة الإجزاء، وليبقى مجال أصلاً للتدارك لا قضاءً ولا إعادة.
وأمّا من حيث جواز البدار أو وجوب الانتظار فيدور مدار جواز العملبالأمر الاضطراري بمجرّد الاضطرار مطلقا، أو بشرط الانتظار، أو مع اليأسعن طروّ اختيار ذي المصلحة والوافي بالغرض.
ويمكن أن لا يكون المأمور به بالأمر الاضطراري وافيا بتمام المصلحة،
- (1) كفاية الاُصول 1: 128 ـ 130.