(صفحه 635)
الواجب فلا يمكن أن يجعلها غير واجب، كما قال به شيخ الطائفة فيالتهذيب(1)، وإذا كان الأمر كذلك فلا ربط للروايات بتبديل الامتثال.
وثانياً: أنّه لو سلّمنا أنّ مورد الروايات عبارة عمّا يقول به المشهور، ولكنلا شكّ في أنّ مورد تبديل الامتثال بامتثال آخر عبارة عمّا صدر عن المولىأمرا واحدا، والمستدلّ يدّعي جواز إتيان المأمور به ثانيا بعد إتيانه أوّلللمكلّف.
وأمّا ما يستفاد من الروايات فهو تحقّق حكمين: أحدهما: الحكم الوجوبيالذي تعلّق بطبيعة الصلاة، وثانيهما: الحكم الاستحبابي الذي تعلّق بالإعادةجماعة، فأين تبديل الامتثال بامتثال آخر؟ ففي الحقيقة يكون الشارع فيمورد هذه الروايات في مقام توسعة دائرة مثوبة صلاة الجماعة.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «يجعلها الفريضة» فهو أنّ معناهعبارة عن أنّ تحقّق الاستحباب المذكور متوقّف على قصد عنوان الظهر؛ إذالصلاة من العناوين القصديّة، فطريق تحقّق هذا الاستحباب منحصر بقصدعنوان الصلاة التي أتى بها أوّلاً من الظهر أو غيره، ولا يكون معناها إتيانهثانيا بعنوان الواجب.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «يجعلها الفريضة إن شاء» فهو أنّكلمة «إن شاء» وإن كانت منافية في بادئ النظر مع قصد عنوان الظهر والمعنىالذي ذكرناه للرواية السابقة ولكنّها أيضا لا تتضمّن عقدة غير قابلة للحلّ كملا يخفى، فإنّ معنى الرواية أنّ المصلّي يجعلها قضاءً للظهر الذي فاتت منه إنشاء، وإن لم يشأ يقصد عنوان الظهريّة فقط كما يؤيّده بعض الروايات الواردة
- (1) تهذيب الأحكام 3: 50، ذيل ح176.
(صفحه636)
بهذا المضمون.
وأمّا جواب الرواية المشتملة على جملة «إنّ اللّه يختار أحبّهما إليه» فهوأوّلاً: أنّها ضعيفة من حيث السند، وثانيا: على فرض صحّة سندها معناهبعد فرض تساوي كلتا الصلاتين في جميع الخصوصيّات إلاّ من حيث الجماعةوالفرادى، إنّ اللّه تعالى يختار الجماعة لكثرة فضيلته، أي الشارع يعطي ثوابالجماعة للمصلّي، فالامتثال يتحقّق بصلاة الفرادى ومع ذلك يعطي له ثوابالجماعة، وليس معناه تبديل الامتثال أصلاً.
وأمّا جواب حكم الفقهاء باستحباب تكرار صلاة الآيات ـ استنادا إلىالرواية الصحيحة الواردة بهذا المضمون: «إذا أتيت صلاة الآيات فأعد حتّىيتحقّق الانجلاء»، والظاهر منها وجوب الإعادة، ولكن لم يقل به أحد، بلالمشهور بالشهرة المحقّقة استحباب الإعادة ـ فهو ما مرّ آنفا من أنّ موردتبديل الامتثال بامتثال آخر عبارة عمّا صدر عن المولى حكم واحد، ولكنيتحقّق في ما نحن فيه حكمان متغايران: أحدهما: الحكم الوجوبي المتعلّقبطبيعة صلاة الآيات، والآخر الحكم الاستحبابي المتعلّق بإعادة الصلاة. ولوفرضنا كون الحكم الثاني أيضا وجوبيّا فهو حكم وجوبي آخر غير الأوّل،فإنّه سقط بإتيان الصلاة الاُولى، فتحقّق هنا حكمان، ولكلّ حكم امتثالخاصّ.
وبالنتيجة إتيان المأمور به بكلّ أمر يجزي عن أمره، والحاكم بالإجزاء هوالعقل، وليست مسألة تبديل الامتثال، أو الامتثال عقيب الامتثال قابلةللتعقّل.
وأمّا البحث في المقام الثاني فقد يقع في الأوامر الاضطراريّة، وقد يقع في
(صفحه 637)
الأوامر الظاهريّة، ولا ملازمة بين القول بالإجزاء أو عدمه في المسألتين، كمأنّ البحث في الأوامر الظاهريّة قد يقع في الطرق والأمارات، وقد يقع فيالاُصول العمليّة، ولا ملازمة بينهما أيضا؛ إذ يجوز للقائل بالإجزاء في الاُولىالقول بعدم الإجزاء في الثانية، فلابدّ من تحقيق دقيق في كلّ منهما على حدة،فنقول:
إنّ البحث في الأوامر الاضطراريّة قد يقع في مقام الثبوت، وأنّه مع قطعالنظر عن الأدلّة الواردة في باب التيمّم وتعبيراتها، هل يجزي إتيان الصلاة معالتيمّم عن الصلاة مع الوضوء أم لا؟
ولابدّ لنا قبل الورود في البحث من ذكر مقدّمة، وهي: أنّ المراد من الصلاةمع التيمّم التي وقعت مورد البحث ههنا عبارة عمّا كان مشروعيّته وصحّتهمفروغاً عنها واقعا ومن دون أن يكشف الخلاف أصلاً حتّى في صورة وجدانالماء؛ إذ لا معنى لإجزاء ما يكون باطلاً أو ما يتوهّم صحّته.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره (1) ذكر وجوهاً متصوّرة في مقام الثبوت بأنّه يمكنأن يكون المأمور به بالأمر الاضطراري ـ أي الصلاة مع التيمّم ـ كالمأمور بهبالأمر الاختياري وافيا بتمام المصلحة، والحكم في هذه الصورة الإجزاء، وليبقى مجال أصلاً للتدارك لا قضاءً ولا إعادة.
وأمّا من حيث جواز البدار أو وجوب الانتظار فيدور مدار جواز العملبالأمر الاضطراري بمجرّد الاضطرار مطلقا، أو بشرط الانتظار، أو مع اليأسعن طروّ اختيار ذي المصلحة والوافي بالغرض.
ويمكن أن لا يكون المأمور به بالأمر الاضطراري وافيا بتمام المصلحة،
- (1) كفاية الاُصول 1: 128 ـ 130.
(صفحه638)
ولكن لا يمكن تدارك الفائتة، والحكم في هذه الصورة أيضا الإجزاء، ولا يكاديسوغ له البدار فيها، إلاّ لمصلحة كانت فيه؛ لما فيه من نقض الغرض وتفويتمقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الأهمّ.
ويمكن أن لا يكون وافيا بتمام المصلحة، بل يبقى منه شيء، ولكن أمكناستيفاؤه مع استحبابه، والحكم في هذه الصورة أيضا الإجزاء، ولا مانع عنالبدار فيها كما لا يخفى.
ويمكن أن لا يكون وافيا بتمام المصلحة، ولكن كان الباقي ممّا يجب تداركهفلا يجزي، ولابدّ من الإعادة أو القضاء، ولا مانع أيضا من البدار فيها، غايةالأمر يتخيّر في هذه الصورة بين البدار والإتيان بعملين أو الانتظار والاقتصاربإتيان ما هو تكليف المختار. هذا كلّه في مقام الثبوت.
وأمّا البحث في مقام الإثبات فيقع في موضعين:
الأوّل: في الإعادة، فهل تجب عليه الإعادة في الوقت أم لا؟ ومن البديهيأنّ المفروض في ما نحن فيه ـ كما مرّ ـ أن تكون الصلاة مع التيمّم صحيحةحتّى مع وجودان الماء في الوقت، ولازم ذلك أن لا يكون العذر المسوّغ للتيمّممستوعبا لجميع الوقت، وإلاّ فيكشف عن بطلانها، فلا معنى لإجزاء ما هوباطلاً، فيكون فقدان الماء في أوّل الوقت سببا لمشروعيّة الصلاة مع التيمّم،وحينئذٍ نبحث في أنّه هل تجب الصلاة مع الوضوء في الوقت أيضا على مقتضىالأدلّة أم لا؟ ومن هنا نرجع إلى المقدّمة التي ذكرها الإمام قدسسره (1) للبحث في أنّتعدّد الأمر بعد الدقّة في الأدلّة لا واقعيّة له ولا يكون أزيد من التخيّل؛ إذالأدلّة متضمّنة لبيان كيفيّة الصلاة بالنسبة إلى حالات المكلّف من وجدان
- (1) تهذيب الاُصول 1: 186.
(صفحه 639)
الماء وفقدانه، ومن الحضر والسفر وأمثال ذلك، ويؤيّده آية الوضوء صدروذيلاً.
فيستفاد من ذلك أنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم وفرض كونها صحيحةيسقط الأمر، ولا مجال لإتيان الصلاة بعد وجدان الماء ثانيا؛ إذ لا يعقل امتثالأمر واحد مرّتين، فالقاعدة على هذا المبنى تقتضي الإجزاء ولا إعادة. هذتحقيق البحث في مسألة الإعادة على القول بإنكار تعدّد الأوامر.
وأمّا على القول بتعدّد الأوامر بأن يتوجّه خطاب إلى واجد الماء بعنوان«أيّها الواجدون للماء تجب عليكم الصلاة مع الوضوء»، وخطاب آخر إلىفاقد الماء بعنوان «أيّها الفاقدون للماء تجب عليكم الصلاة مع التيمّم»، فإذا أتىالمكلّف الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت فلا شكّ بعد فرض صحّتها في سقوطالأمر المتوجّه إلى الفاقد.
وإذا صار بعدها واجدا للماء فيمكن أن يقال: سلّمنا تعدّد الأمر ههنا إلاّ أنّالإجماع قائم على عدم وجوب صلاة الظهر مع الوضوء بعد إتيانها مع التيمّم؛إذ لا يجب بين زوال الشمس وغروبها أزيد من صلاة واحدة.
وإن لم يجد دليل لتحقّق الإجماع في هذا المورد فتصل النوبة إلى ما حكيناهعن الإمام قدسسره في منشأ القول بتعدّد الأوامر، فيحتمل أن يكون المنشأ أنّ الصلاةمع الوضوء والصلاة مع التيمّم حقيقتان متغايرتان، ولا يمكن تعلّق أمر واحدبهما، كما أنّه لا يمكن تعلّق أمرين مستقلّين بمتعلّق واحد من دون تأكيد،فيكون منشأ تعدّد الأوامر تعدّد ماهيّات المأمور بها.
ويحتمل أن يكون منشأ الاضطرار المذكور في كلام صاحب الكفاية قدسسره فيالأحكام الوضعيّة من أنّ بعضها لا يكون قابلاً لجعل الشارع، وبعضها يكون