(صفحه 637)
الأوامر الظاهريّة، ولا ملازمة بين القول بالإجزاء أو عدمه في المسألتين، كمأنّ البحث في الأوامر الظاهريّة قد يقع في الطرق والأمارات، وقد يقع فيالاُصول العمليّة، ولا ملازمة بينهما أيضا؛ إذ يجوز للقائل بالإجزاء في الاُولىالقول بعدم الإجزاء في الثانية، فلابدّ من تحقيق دقيق في كلّ منهما على حدة،فنقول:
إنّ البحث في الأوامر الاضطراريّة قد يقع في مقام الثبوت، وأنّه مع قطعالنظر عن الأدلّة الواردة في باب التيمّم وتعبيراتها، هل يجزي إتيان الصلاة معالتيمّم عن الصلاة مع الوضوء أم لا؟
ولابدّ لنا قبل الورود في البحث من ذكر مقدّمة، وهي: أنّ المراد من الصلاةمع التيمّم التي وقعت مورد البحث ههنا عبارة عمّا كان مشروعيّته وصحّتهمفروغاً عنها واقعا ومن دون أن يكشف الخلاف أصلاً حتّى في صورة وجدانالماء؛ إذ لا معنى لإجزاء ما يكون باطلاً أو ما يتوهّم صحّته.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره (1) ذكر وجوهاً متصوّرة في مقام الثبوت بأنّه يمكنأن يكون المأمور به بالأمر الاضطراري ـ أي الصلاة مع التيمّم ـ كالمأمور بهبالأمر الاختياري وافيا بتمام المصلحة، والحكم في هذه الصورة الإجزاء، وليبقى مجال أصلاً للتدارك لا قضاءً ولا إعادة.
وأمّا من حيث جواز البدار أو وجوب الانتظار فيدور مدار جواز العملبالأمر الاضطراري بمجرّد الاضطرار مطلقا، أو بشرط الانتظار، أو مع اليأسعن طروّ اختيار ذي المصلحة والوافي بالغرض.
ويمكن أن لا يكون المأمور به بالأمر الاضطراري وافيا بتمام المصلحة،
- (1) كفاية الاُصول 1: 128 ـ 130.
(صفحه638)
ولكن لا يمكن تدارك الفائتة، والحكم في هذه الصورة أيضا الإجزاء، ولا يكاديسوغ له البدار فيها، إلاّ لمصلحة كانت فيه؛ لما فيه من نقض الغرض وتفويتمقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الأهمّ.
ويمكن أن لا يكون وافيا بتمام المصلحة، بل يبقى منه شيء، ولكن أمكناستيفاؤه مع استحبابه، والحكم في هذه الصورة أيضا الإجزاء، ولا مانع عنالبدار فيها كما لا يخفى.
ويمكن أن لا يكون وافيا بتمام المصلحة، ولكن كان الباقي ممّا يجب تداركهفلا يجزي، ولابدّ من الإعادة أو القضاء، ولا مانع أيضا من البدار فيها، غايةالأمر يتخيّر في هذه الصورة بين البدار والإتيان بعملين أو الانتظار والاقتصاربإتيان ما هو تكليف المختار. هذا كلّه في مقام الثبوت.
وأمّا البحث في مقام الإثبات فيقع في موضعين:
الأوّل: في الإعادة، فهل تجب عليه الإعادة في الوقت أم لا؟ ومن البديهيأنّ المفروض في ما نحن فيه ـ كما مرّ ـ أن تكون الصلاة مع التيمّم صحيحةحتّى مع وجودان الماء في الوقت، ولازم ذلك أن لا يكون العذر المسوّغ للتيمّممستوعبا لجميع الوقت، وإلاّ فيكشف عن بطلانها، فلا معنى لإجزاء ما هوباطلاً، فيكون فقدان الماء في أوّل الوقت سببا لمشروعيّة الصلاة مع التيمّم،وحينئذٍ نبحث في أنّه هل تجب الصلاة مع الوضوء في الوقت أيضا على مقتضىالأدلّة أم لا؟ ومن هنا نرجع إلى المقدّمة التي ذكرها الإمام قدسسره (1) للبحث في أنّتعدّد الأمر بعد الدقّة في الأدلّة لا واقعيّة له ولا يكون أزيد من التخيّل؛ إذالأدلّة متضمّنة لبيان كيفيّة الصلاة بالنسبة إلى حالات المكلّف من وجدان
- (1) تهذيب الاُصول 1: 186.
(صفحه 639)
الماء وفقدانه، ومن الحضر والسفر وأمثال ذلك، ويؤيّده آية الوضوء صدروذيلاً.
فيستفاد من ذلك أنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم وفرض كونها صحيحةيسقط الأمر، ولا مجال لإتيان الصلاة بعد وجدان الماء ثانيا؛ إذ لا يعقل امتثالأمر واحد مرّتين، فالقاعدة على هذا المبنى تقتضي الإجزاء ولا إعادة. هذتحقيق البحث في مسألة الإعادة على القول بإنكار تعدّد الأوامر.
وأمّا على القول بتعدّد الأوامر بأن يتوجّه خطاب إلى واجد الماء بعنوان«أيّها الواجدون للماء تجب عليكم الصلاة مع الوضوء»، وخطاب آخر إلىفاقد الماء بعنوان «أيّها الفاقدون للماء تجب عليكم الصلاة مع التيمّم»، فإذا أتىالمكلّف الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت فلا شكّ بعد فرض صحّتها في سقوطالأمر المتوجّه إلى الفاقد.
وإذا صار بعدها واجدا للماء فيمكن أن يقال: سلّمنا تعدّد الأمر ههنا إلاّ أنّالإجماع قائم على عدم وجوب صلاة الظهر مع الوضوء بعد إتيانها مع التيمّم؛إذ لا يجب بين زوال الشمس وغروبها أزيد من صلاة واحدة.
وإن لم يجد دليل لتحقّق الإجماع في هذا المورد فتصل النوبة إلى ما حكيناهعن الإمام قدسسره في منشأ القول بتعدّد الأوامر، فيحتمل أن يكون المنشأ أنّ الصلاةمع الوضوء والصلاة مع التيمّم حقيقتان متغايرتان، ولا يمكن تعلّق أمر واحدبهما، كما أنّه لا يمكن تعلّق أمرين مستقلّين بمتعلّق واحد من دون تأكيد،فيكون منشأ تعدّد الأوامر تعدّد ماهيّات المأمور بها.
ويحتمل أن يكون منشأ الاضطرار المذكور في كلام صاحب الكفاية قدسسره فيالأحكام الوضعيّة من أنّ بعضها لا يكون قابلاً لجعل الشارع، وبعضها يكون
(صفحه640)
قابلاً لجعله مستقلاًّ، وبعضها لا يكون قابلاً لجعله إلاّ تبعا كالركوع والطهارةوعدم الاستدبار وسائر الموانع والأجزاء والشرائط للصلاة؛ إذ لا يمكن جعلجزئيّة القيام للصلاة المأمور بها بما هي مأمور بها، إلاّ من طريق تعلّق الأمربالمركّب الذي من جملته القيام، فلابدّ للشارع من القول بأنّه أيّها القادر علىالقيام صلّ مع القيام حتّى ينتزع عنه جزئيّته، وهكذا.
ونظيره مرّ عنه قدسسره في مسألة قصد القربة بمعنى داعي الأمر، فيكون التعدّدمربوطا بمقام الإثبات والتبيين، والمطلوب في الحقيقة واحد، إلاّ أنّه لا يمكنتبيينه بأمر واحد، فالضرورة تقتضي الالتزام بتعدّد الأوامر.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ لازم الاحتمال الثاني أيضا القول بالإجزاء، فإنّبعد إتيان الصلاة مع التيمّم وفرض صحّته ومشروعيّته ومطابقته للأمر لشكّ في تحقّق الامتثال وسقوط الأمر، ولا يكون بحسب الواقع أزيد من أمرواحد حتّى يحتاج إلى امتثال آخر بعد وجدان الماء.
وأمّا على الاحتمال الأوّل فإن اُحرز تعلّق الأمرين معا بهذا الشخص الفاقدفلا شكّ في عدم الإجزاء، ولكنّه لم يحرز وليس بمسلّم، وبناءً على ذلك إذا صارالفاقد واجدا للماء في الوقت بعد إتيانه الصلاة مع التيمّم، فيتوقّف القول بعدمالإجزاء بإطلاق دليل الواجد؛ بأن يقول: الواجد للماء تجب عليه الصلاة معالوضوء، أي بلا فرق بين من أتى بها مع التيمّم أم لا. فالقول بعدم الإجزاءيتوقّف على تعدّد الأوامر أوّلاً، وكون منشأ التعدّد الاختلاف الماهوي فيماهيّة متعلّق الأمرين ثانيا، وعدم تحقّق إجماع المذكور ثالثا، وتحقّق الإطلاقلذاك الدليل رابعا، فإن كان أحد هذه الاُمور مخدوشا تكون نتيجة المسألةالإجزاء، وعرفت مناقشتنا في تعدّد الأوامر، فمقتضى القاعدة بحسب مقام
(صفحه 641)
الإثبات في الموضع الأوّل ـ أي الإعادة ـ الإجزاء.
ولا يتوهّم أنّ الإطلاق الذي ادّعي ههنا معارض لدليل الفاقد، أي الفاقدللماء تجب عليه الصلاة مع التيمّم، سواء وجد الماء في آخر الوقت أم لا، فإنّنقول: إنّ هذا الإطلاق لا يساوق الإجزاء، بل نهاية ما يستفاد منه عبارة عنمشروعيّة الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت، ولا ينكره القائل بعدم الإجزاءأيضا، فيمكن الجمع بين الإطلاقين.
الموضع الثاني: في القضاء وموضوع البحث ههنا أن يكون العذر الموجبللتيمّم مستوعبا لتمام الوقت، إذا صار واجدا للماء في خارج الوقت هل تجبعليه الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد إتيانها مع التيمّم في الوقت أم لا؟ والفرضالآخر أن يكون المكلّف واجدا للماء في أوّل الوقت، ولكنّه أهمل ولم يأت بهحتّى صار فاقدا له في آخر الوقت هل تجب عليه القضاء أم لا؟
ولا يخفى أنّ القضاء يدور مدار عنوان الفوت بحكم «اقض ما فات»، فإنتحقّق عنوان الفوت يوجب القضاء، وإلاّ فلا، ويجري جميع ما ذكرناه فيالإعادة من الفروض والمباني ههنا أيضاً، وبناءً على هذا فإن قلنا بوحدة الأمركما هو الحقّ لا يجب عليه القضاء؛ لأنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم في الوقتوفرض صحّته ومشروعيّته يتحقّق الامتثال ويسقط الأمر، فلا يبقى أمر حتّىيجب امتثاله ثانيا بعنوان القضاء.
وإن قلنا بتعدّد الأمر وتحقّق الإجماع على عدم وجوب صلاة بعنوان الأداءوالقضاء معا، فلا تجب الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد تحقّق الصلاة مع التيمّمأداء؛ إذ بعد مشروعيّة الثانية وصحّتها يسقط الأمر، ولا يجب الجمع بين الأداءوالقضاء بحكم الإجماع.