(صفحه 641)
الإثبات في الموضع الأوّل ـ أي الإعادة ـ الإجزاء.
ولا يتوهّم أنّ الإطلاق الذي ادّعي ههنا معارض لدليل الفاقد، أي الفاقدللماء تجب عليه الصلاة مع التيمّم، سواء وجد الماء في آخر الوقت أم لا، فإنّنقول: إنّ هذا الإطلاق لا يساوق الإجزاء، بل نهاية ما يستفاد منه عبارة عنمشروعيّة الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت، ولا ينكره القائل بعدم الإجزاءأيضا، فيمكن الجمع بين الإطلاقين.
الموضع الثاني: في القضاء وموضوع البحث ههنا أن يكون العذر الموجبللتيمّم مستوعبا لتمام الوقت، إذا صار واجدا للماء في خارج الوقت هل تجبعليه الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد إتيانها مع التيمّم في الوقت أم لا؟ والفرضالآخر أن يكون المكلّف واجدا للماء في أوّل الوقت، ولكنّه أهمل ولم يأت بهحتّى صار فاقدا له في آخر الوقت هل تجب عليه القضاء أم لا؟
ولا يخفى أنّ القضاء يدور مدار عنوان الفوت بحكم «اقض ما فات»، فإنتحقّق عنوان الفوت يوجب القضاء، وإلاّ فلا، ويجري جميع ما ذكرناه فيالإعادة من الفروض والمباني ههنا أيضاً، وبناءً على هذا فإن قلنا بوحدة الأمركما هو الحقّ لا يجب عليه القضاء؛ لأنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم في الوقتوفرض صحّته ومشروعيّته يتحقّق الامتثال ويسقط الأمر، فلا يبقى أمر حتّىيجب امتثاله ثانيا بعنوان القضاء.
وإن قلنا بتعدّد الأمر وتحقّق الإجماع على عدم وجوب صلاة بعنوان الأداءوالقضاء معا، فلا تجب الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد تحقّق الصلاة مع التيمّمأداء؛ إذ بعد مشروعيّة الثانية وصحّتها يسقط الأمر، ولا يجب الجمع بين الأداءوالقضاء بحكم الإجماع.
(صفحه642)
وهكذا في صورة عدم الإجماع وكون تعدّد الأمر منوطا بالاضطرارالمذكور، فالحكم في هذه الصور الثلاثة الإجزاء.
وأمّا إن كان تعدّد الأمر ناشئا من اختلاف متعلّقهما بحسب الماهيّة والحقيقةفيجب القضاء في خارج الوقت بشرط عدم الإجماع المذكور وتحقّق الإطلاقلدليل القضاء، أي «اقض ما فات» بدون الفرق بين من أقام الصلاة مع التيمّمفي الوقت أم لا، فتكون النتيجة من حيث الإجزاء وعدمه في الإعادة والقضاءمتساوية.
وإذا فرغنا من ذلك فتصل النوبة إلى الاُصول العمليّة؛ لعدم الدليل اللفظيالمقتضي للإجزاء وعدمه، أي لا يكون لدليل الصلاة مع التيمّم إطلاق حتّىيستفاد منه المشروعيّة لها في صورة وجدان الماء في الوقت أيضا، كما أنّه ليكون لدليل الصلاة مع الوضوء إطلاق حتّى يستفاد منه عدم الإجزاء فيصورة إتيان الصلاة مع التيمّم أيضا، وإن كان القدر المتيقّن من الدليل الأوّلهو استيعاب العذر لتمام الوقت، والقدر المتيقّن من الدليل الثاني هي صورةترك الصلاة رأسا، ولكن مع ذلك يبقى الشكّ في بقية الصور، مثلاً: أقام الصلاةمع التيمّم رجاءً بداعي احتمال المشروعيّة والمحبوبيّة وصار في آخر الوقتواجدا للماء، ومقتضى الأصل العملي هو عدم الإجزاء، فإنّ ذمّته في أوّلالوقت مشغولة بتكليف وجوبي قطعا، وبراءة ذمّته بإتيان ما هو مشكوكالمشروعيّة مشكوك بداهة، فاشتغال الذمّة اليقينيّة تقتضي البراءة اليقينيّة، ولتجري أصالة البراءة عن وجوب الإعادة ههنا؛ إذ لا يتعلّق من الشارع حكمتكليفي مولوي لا نفيا ولا إثباتا على مسألة الإعادة، بل العقل يحكم بالإعادةإن لم يتحقّق الامتثال، ويحكم بعدم الإعادة إن تحقّق الامتثال.
(صفحه 643)
وما ورد في مثل صحيحة زرارة في جواب السائل من قوله عليهالسلام : «يغسلهويعيد» أمر إرشادي لا مولوي، فالعقل يحكم في ما نحن فيه بالإعادة؛ إذالإمام عليهالسلام كأنّه قال: كانت الصلاة المأتي بها فاقدة للشرط، وحينئذٍ يحكمالعقل بعدم الإجزاء.
وهكذا في حديث(1) «لا تعاد» كأنّه قال عليهالسلام : إن كان الإخلال بالأجزاءالركنيّة تكون الصلاة فاقدة لخصوصيّة معتبرة فيها، وإن كان بالأجزاء الغيرالركنيّة كفاتحة الكتاب ـ مثلاً ـ لم تكن فاقدة لها، فإنّ جزئيّتها في صورةالتوجّه والالتفات فقط، فالعقل يحكم بالإجزاء في الثانية بخلاف الاُولى، فليكون وجوب الإعادة حكماً شرعيّاً مولويّاً حتّى تجري أصالة البراءة بالنسبةإليه، فمقتضى الأصل العملي عدم الإجزاء على القول بوحدة الأمر.
وأمّا على القول بتعدّد الأمر فالحاكم أصالة البراءة؛ إذ بعد فرض صحّةالصلاة مع التيمّم، ومشروعيّتها قطعا أو احتمالاً، وإتيانها في أوّل الوقت يتحقّقالامتثال بالنسبة إلى أمرها ويسقط.
وأمّا توجّه التكليف بالصلاة مع الوضوء بعد وجدان الماء في آخر الوقتإليه فمشكوك؛ إذ المفروض أنّه تكليف مستقلّ وليس له الإطلاق، فيرجعالشكّ إلى توجّه التكليف الثاني إليه وعدمه، والحاكم في مثل ذلك أصالةالبراءة، فما يستفاد من الأدلّة اللفظيّة من الإجزاء أو عدمه مغاير لما يستفاد منالاُصول العمليّة.
وأمّا إن كان المكلّف فاقدا للماء في جميع الوقت وكان العذر مستوعبوصلّى مع التيمّم ثمّ صار واجدا للماء في خارج الوقت، فهل القضاء واجب
- (1) الوسائل 4: 312، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 1.
(صفحه644)
بمقتضى الأصل العملي أم لا؟ لا يخفى أنّ مشروعيّة الصلاة مع التيمّم لا يكونقابلاً للشكّ في هذه الصورة بعد أهميّة الوقت وتقدّمه على جميع الخصوصيّاتوالشرائط المعتبرة في الصلاة، إلاّ في صورة فقدان الطهورين عند بعض، ولكنّهفي عين المشروعيّة لا تنافي مع وجوب القضاء بعد الوقت كعدم منافاتها معالإعادة في الوقت.
ومن المعلوم أنّه على القول بوحدة الأمر لا يبقى مورد لدليل وجوبالقضاء؛ لأنّه كما مرّ يدور مدار الفوت، ولم يفت من المكلّف المأمور بالصلاة معالتيمّم شيء بعد إتيانها كذلك حتّى يتحقّق موضوع لـ «اقض ما فات».
وهكذا على القول بتعدّد الأمر، فإنّ الوظيفة الفعليّة المتنجّزة على المكلّف فيالوقت عبارة عن الصلاة مع التيمّم، ويسقط أمرها بعد الإتيان قطعاً، ولميتوجّه الأمر بالصلاة مع الوضوء إليه في الوقت بلحاظ الفاقديّة، وشمول دليلالقضاء لهذه الصورة مجرّد تخيّل، والفرض كما قال به صاحب الكفاية قدسسره ، بل هويشمل لما فات من الفريضة المتنجّزة الفعليّة في الوقت فقط. هذا تمام الكلام فيالأمر الاضطراري.
في الأوامر الظاهريّة
وأمّا البحث في الأوامر الظاهريّة ـ وهذا التعبير كان تبعا لصاحب الكفاية فقد يقع في الأمارات الشرعيّة، وقد يقع في الاُصول العمليّة، ولكن لابدّ لنا فيبادئ الأمر من تحرير محلّ النزاع ههنا، وهو يتصوّر على ثلاثة أنحاء:
الأوّل: أن يكون المأمور به مركّبا من الأجزاء والشرائط، ومفاد الأصل أوالأمارة عبارة عن الحكم بتحقّق ما اُخذ في لسان دليل المأمور به بعنوانالجزء أو الشرط بعد الشكّ في تحقّقه، مثلاً: إن شككنا في بقاء الطهارة حين
(صفحه 645)
الزوال فالاستصحاب يحكم بعدم نقض اليقين بالشكّ، كأنّه يقول: أنت علىطهارتك فيجوز لك الدخول في الصلاة، وهكذا إذا قامت البيّنة على طهارةالثوب المسبوق بالنجاسة، ولكن انكشف خلاف ما حكم به الاستصحاب أوالبيّنة، فبعد إتيان الصلاة مطابقا لحكمهما هل يجب الإعادة في الوقت أو القضاءفي خارج الوقت أم لا؟
الثاني: أن يكون المأمور به أيضا مركّبا من الأجزاء ومقيّدا بالشرائطوكان الشكّ في تعداد الأجزاء والشرائط كالشكّ في جزئيّة السورة أو شرطيّةشيء آخر للصلاة، ودلّت رواية صحيحة معتبرة على عدم جزئيّة السورة أوحكم الاستصحاب على ذلك، أو تدلّ الرواية على عدم شرطيّة ما شكّ فيشرطيّته، والمكلّف أقام الصلاة مدّة مديدة بدون السورة مستندا إلى الأمارةأو الاستصحاب ثمّ انكشف الخلاف، هل يجب الإعادة في الوقت أو القضاء فيخارج الوقت أم لا؟ ولا يخفى أنّ التمثيل بالصلاة ههنا يكون مع قطع النظر عنالحديث المسمّى بحديث «لا تعاد» الذي يقتضي عدم الإعادة في مثل ذلكالموارد.
الثالث: أن تدلّ الأمارة أو الأصل على تحقّق تكليف معيّن للمكلّف فيوقت معيّن ثمّ انكشف الخلاف بعد إتيان المكلّف بالتكليف المذكور مثل دلالةحديث صحيح على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة، أو جريانالاستصحاب عليه، وبعد إتيان المكلّف بها مدّة مديدة انكشف عدم وجوبهأصلاً حتّى على سبيل التخيير، وأنّ الواجب التعييني في هذا اليوم عبارة عنصلاة الظهر.
ولا يخفى أنّ هذا الفرض على القول بوحدة الأمر خارج عن محلّ النزاع،