(صفحه654)
القول بطهارته، مع أنّه لم يلتزم به أحد، أي القول بأنّ الشكّ في الملاقي يوجبالحكم بعدم نجاسة الملاقي بحسب الواقع.
وجوابه: أوّلاً: أنّه لو سلّمنا تحقّق ملاك الحكومة في قوله: «كلّ ما يلاقيالنجس فهو متنجّس»، كتحقّقه في قوله: «صلّ مع الطهارة»، ولكنّه ما يرتبطمنهما في مبحث الإجزاء هو الثاني، وحكومة القاعدة وعدمها على مثل دليلالأوّل أجنبيّة عمّا نحن فيه، أو أنّ ملاك حكومة القاعدة على مثله متحقّق، إلأنّه يمنع مانع ـ مثل الإجماع أو ضرورة الفقه وأمثال ذلك ـ عنها، وهو ليتحقّق في مثل «صلّ مع الطهارة»، فلا دليل لرفع اليد عن مقتضى الحكومةوالحكم بالإجزاء في ما نحن فيه، فتحقّق المانع الأوّل وعدمه في الثاني يوجبالقول بالتفصيل بينهما، وإن تحقّق الملاك في كليهما.
وثانيا: أنّه لا شكّ في أنّ الحكومة مسألة عقلائيّة، ولكنّه لابدّ من الارتباطوالسنخيّة بين الدليل الحاكم والمحكوم، ومن البديهي تحقّقه بين قاعدة الطهارةوالأدلّة التي تترتّب الآثار على الطهارة الواقعيّة ظاهرا، مثل: قوله: «صلّ معالطهارة»، ويشترط في المأكول والمشروب أن يكون طاهرا، وأمثال ذلك،ولذا تتحقّق حكومة القاعدة عليها.
وأمّا الأدلّة التي يكون الحكم فيها عبارة عن النجاسة كقوله: كلّ ما يلاقيالنجاسة فهو متنجّس ـ مثلاً ـ فلا ارتباط بينها وبين القاعدة أصلاً، بل يكونبينهما التخالف والتضادّ؛ إذ تكون إحداهما في مقام جعل النجاسة، والاُخرىفي مقام جعل الطهارة الظاهريّة، وطريق الجمع بينهما طريق الجمع بين الحكمالظاهري والواقعي لا الحكومة، فالإشكالات غير واردة على المبنى،وبالنتيجة يكون الحكم الإجزاء ههنا.
(صفحه 655)
ولا يخفى أنّ التعبير بكشف الخلاف ههنا مسامحة، وليس بصحيح؛ إذ ليحصل لنا بعد جريان قاعدة الطهارة العلم بالواقع، وليس لنا طريق إليه حتّىنعبّر بكشف الخلاف بعد وضوح حقيقة الحال، بل القاعدة توجب توسعةدائرة الطهارة التي تترتّب عليها الآثار تسهيلاً وامتنانا على الاُمّة. ويجريجميع ما ذكرناه في قاعدة الطهارة من النزاع والنتيجة في قاعدة الحلّيّة أيضا.
بيان ذلك: أنّ قوله: «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» معناه علىالقول المشهور أنّه كلّ شيء شكّ في حلّيّته وحرمته فهو لك حلال ظاهرا،والغاية تبيّن خصوصيّة الموضوع، فإن لاحظنا هذه القاعدة مع قوله: لا تصلّفيما لا يؤكل لحمه ـ الظاهر في أنّ ما يكون مانعا عن الصلاة عبارة عمّا كانمحرّم الأكل بحسب الواقع ـ تكون القاعدة حاكمة عليه وتوجب التضييق فيدائرة المانعيّة، فإن صلّينا في جزء حيوان المشكوك الحلّيّة والحرمة بعد جريانقاعدة الحلّيّة فيه، ثمّ انكشف حرمته لا يجب القضاء ولا الإعادة؛ إذ الصلاةتتحقّق مع الطهارة الظاهريّة، فلا مانع من صحّتها، فيستلزم الحكومة في هذهالقاعدة تضييق دليل المحكوم وفي قاعدة الطهارة توسعته، وكلاهما مناسب معالتسهيل والامتنان. إلى هنا تمّ بحث الأصلين من الاُصول العمليّة.
والبحث في أصل البراءة قد يقع في البراءة العقليّة، وقد يقع في البراءةالشرعيّة، ولا شكّ في أنّ البراءة العقليّة أجنبيّة عن مسألة الإجزاء وعدمه،فإنّ دليلها عبارة عن قبح العقاب بلا بيان، ولا يكون مفاده نفي التكليفبحسب الواقع، بل يكون مفاده نفي استحقاق العقوبة فيما خالفه المكلّف؛ لعدمتحقّق البيان من المولى، فإن صلّينا بدون السورة استنادا إلى هذا الأصل، ثمّانكشف الخلاف يجب القضاء في الوقت والإعادة في خارج الوقت، وغاية ما
(صفحه656)
تدلّ عليه البراءة العقليّة هو نفي المؤاخذة فقط، وهو لا يستلزم الإجزاء قطعا.
إنّما المهمّ البراءة الشرعيّة، ومستندها حديث الرفع مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «رُفع عناُمّتي تسع... ومنها ما لا يعلمون»(1)، والموصول فيه عامّ يشمل جميع ما يكونرفعه ووضعه بيد الشارع من الأحكام التكليفيّة ـ كالوجوب والحرمة والوضعيّة، كالحجّيّة والجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة وأمثال ذلك، فإن شككنا فيجزئيّة السورة ـ مثلاً ـ فلا شكّ في عدم وصول النوبة إلى البراءة الشرعيّة إلبعد الفحص واليأس عن الدليل اللفظي في جانب النفي أو الإثبات حتّى فيصورة الإطلاق، والقول بأنّ مثل «أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ» يكون في مقام بيان أصلالمشروعيّة لا في مقام بيان كيفيّة الصلاة، ولذا لا يمكن التمسّك بإطلاقه لنفيالجزئيّة؛ لفقدانه شرائط التمسّك به. والحكم ههنا كما في قاعدة الطهارة عبارةعن الإجزاء، ولكنّه يحتاج إلى الدقّة والتأمّل.
بيان ذلك: أنّ مفاد حديث الرفع ليس نفي المؤاخذة فقط، بل مفاده عبارةعن نفي جزئيّة السورة المشكوك في جزئيّتها، ولا يكون مفاده نفي الجزئيّة لغيرالعالم بالجزئيّة، فإنّه يوجب التقدّم والتأخّر الدوري المحال، ولا أقلّ منالتصويب الباطل؛ إذ القول باختصاص الحكم الواقعي بالعالم بالواقع لللجاهل تصويب مجمع على بطلانه.
على أنّ الروايات الكثيرة تدلّ على أنّ للّه تعالى في كلّ واقعة حكما يشتركفيه الجاهل والعالم، ومعلوم أنّ الظاهر من الحكم أعمّ من الحكم التكليفيوالوضعي، فكيف رفعت جزئيّة المشكوكة بعد اشتراكهما في أصل الجزئيّة؟!
ولابدّ لنا من حلّ المسألة بأنّ المستفاد من ضمّ «أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ» إلى م
- (1) الوسائل 15: 369، الباب 65 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، الحديث 1.
(صفحه 657)
يدلّ على جزئيّة السورة بحسب الواقع أنّ طريق امتثال هذا الأمر في الخارجمنحصر بإتيان الصلاة مع السورة، ولكنّ المجتهد بعد الفحص وعدم الظفر علىالدليل المذكور التمسّك بحديث الرفع، فمفاده لا محالة يكون في هذه الحالة عبارةمن تجويز الشارع إتيان الصلاة للجاهل بالجزئيّة بدون السورة امتنانا، وإذأجاز له بإتيانها بهذه الكيفيّة فهو لا يكون قابلاً للجمع مع لزوم الإعادة أوالقضاء بعد علمه بحقيقة الحال، فالحكم في البراءة الشرعيّة أيضا عبارة عنالإجزاء.
وأمّا أصالة الاشتغال فلا شكّ في خروجها عن موضوع البحث، فإنّا نبحثفيما تحقّق عبادة مع فقدان بعض الأجزاء أو الشرائط، ومورد جريان هذالأصل عبارة عمّا اُتي بمحتمل الشرطيّة والجزئيّة وترك ما يحتمل المانعيّة، ولذلا يصحّ التعبير بأنّ أصالة الاشتغال مقتضية للإجزاء، فإنّ بعد إتيان الصلاةـ مثلاً ـ مع السورة وكشف عدم جزئيّتها وكونها بعنوان المستحبّ، أو شيءغير قادح في صحّة الصلاة، فلا نقص فيها حتّى نبحث ونعبّر بالإجزاء.
وأمّا أصالة التخيير التي تجري في دوران الأمر بين المحذورين بعنوان أصلعقلي فموردها قد يكون عبارة عن عمل يدور أمره بين الوجوب والحرمة فلمعنى للإجزاء ههنا؛ إذ المكلّف إمّا يأتي به أو يتركه، وعلى التقديرين إمّيكشف عن الخلاف وإمّا لا يكشف، وإن أتى به ثمّ انكشف أنّه كان محرّما فليعقل التعبير بالإجزاء، وهكذا إن تركه ثمّ انكشف أنّه كان واجبا بحسبالواقع، فإنّه كان تاركا للمأمور به رأسا، فلابدّ من إتيانه ولو قضاءً؛ لأنّه لميأت بشيء أصلاً.
وقد يكون موردها عبارة عن أجزاء المأمور به كالشكّ في أنّ للسورة
(صفحه658)
ـ مثلاً ـ جزئيّة أو مانعيّة، فحينئذٍ إن كان المأمور به قابلاً للتكرار فلا موردلأصالة التخيير أصلاً، والحاكم عبارة عن أصالة الاشتغال، ومفادها تكرارالمأمور به تارة مع وجود الشيء المشكوك مانعيّته أو جزئيّته، واُخرى بدونهلحصول العلم بتحقّق المأمور به في الخارج.
وأمّا إن كان الأمر دائرا بين المانعيّة والجزئيّة والمأمور به غير قابلللتكرار، فهو يرتبط ببحث الإجزاء، فإنّ بعد حكم العقل بالتخيير ورعايةالمكلّف جانب الجزئيّة حين العمل وانكشاف المانعيّة يجري البحث بأنّ أصالةالتخيير تقتضي الإجزاء أم لا؟ ويجري هنا ما مرّ في البراءة العقليّة من أنّالعقل بعد دوران الأمر بين المحذورين وعدم الترجيح يحكم بالتخيير، فإنتركه المكلّف أو أتى به في مقام العمل لا يستحقّ المؤاخذة في صورة كشفالخلاف، ولا حكم للعقل بالإجزاء وعدمه، بل هو ينفي المؤاخذة فقط،والقاعدة تقتضي عدم الإجزاء، فإنّه إن كان جزءً تُرك، وإن كان مانعا اُتي به.
وأمّا الاستصحاب فالتحقيق أنّه أصل شرعي كما عليه المحقّقون، ومستندهعبارة عن عدّة روايات متضمّنة لجملة: «لا تنقض اليقين بالشكّ»، فإن شكّالمكلّف في طهارة ثوبه أو بدنه واستصحب الطهارة وصلّى، ثمّ انكشف أنّالصلاة وقعت في الثوب المتنجّس، هل هي مجزية أم لا؟ فإذا لاحظنا أدلّةشرطيّة الطهارة في الصلاة، مثل: «لا صلاة إلاّ بطهور» و «صلّ مع طهارةالثوب والبدن»، فلا شكّ في أنّ الظاهر منها الطهارة الواقعيّة، بحيث إنانكشف فاقديّة الصلاة لها كانت فاقدة للشرط فهي لا تكون مأمورا بهولا تُجزي عنه.
وأمّا إذا لاحظنا دليل الاستصحاب فهو في مورد الشكّ يقول: إذا شككت