(الصفحة 368)
وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَاَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِْمْتِنانِ ، يا مَنْ اَذاقَ اَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ الْمُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ ، وَيامَنْ اَلْبَسَ أَوْليآءَهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرينَ ، اَنْتَ الذّاكِرُ قَبْلَ الذّاكِرينَ ، وَاَنْتَ الْبادِئُ بِالاِْحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعابِدينَ ، وَاَنْتَ الْجَوادُ بِالْعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطّالِبينَ ، وَاَنْتَ الْوَهّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ
اِلهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتّى اَصِلَ اِلَيْكَ ، وَاجْذِبْنِي بِمَنِّكَ حَتّى اُقْبِلَ عَلَيْكَ ، اِلهِي اِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَاِنْ عَصَيْتُكَ ، كَما اَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَاِنْ اَطَعْتُكَ ، فَقَدْ دَفَعَتْنِي الْعَوالِمُ اِلَيْكَ ، وَقَدْ اَوْقَعَنِي عِلْمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ ، اِلهِي كَيْفَ اَخيبُ وَاَنْتَ اَمَلِي ، اَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي ، اِلهِي كَيْفَ اَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَةِ اَرْكَزْتَنِي ، اَمْ كَيْفَ لا اَسْتَعِزُّ وَاِلَيْكَ نَسَبْتَنِي ، اِلهِي كَيْفَ لا اَفْتَقِرُ وَاَنْتَ الَّذِي فِي الْفُقَراءِ اَقَمْتَنِي ، اَمْ كَيْفَ اَفْتَقِرُ
(الصفحة 369)
وَاَنْتَ الّذِي بِجُودِكَ اَغْنَيْتَنِي ، وَاَنْتَ الَّذِي لا اِلهَ غَيْرُكَ ، تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيء فَما جَهِلَكَ شَيءٌ ، وَاَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ اِلَيَّ فِي كُلِّ شَيء فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَيء ، وَأَنْتَ الظاهِرُ لِكُلِّ شَيء .
يا مَنِ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ الْعَرْشُ غَيْباً فِي ذاتِهِ ، مَحَقْتَ الاْثارَ بِالاْثارِ وَمَحَوْتَ الاَْغْيارِ بِمُحيطاتِ اَفْلاكِ الاَْنْوارِ ، يا مَنِ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ اَنْ تُدْرِكَهُ الاَْبْصارُ ، يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ ]مِنَ[الاِْسْتِوآءِ ، كَيْفَ تَخْفى وَاَنْتَ الظّاهِرُ ، اَمْ كَيْفَ تَغيبُ وَاَنْتَ الرَّقيبُ الْحاضِرُ ، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَحْدَهُ .
(الصفحة 370)
(الصفحة 371)
دعاء الموقف لعليّ بن الحسين (عليهما السلام)
اَللّهُمَّ أَنْتَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَ أَنْتَ اللّهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، وَ أَنْتَ اللّهُ الدّائِبُ فِي غَيْرِ وَصَب وَلا نَصَب ، وَلا تَشْغَلُكَ رَحْمَتُكَ عَنْ عَذابِكَ ، وَلا عَذابُكَ عَنْ رَحْمَتِكَ .
خَفَيْتَ مِنْ غَيْرِ مَوْت ، وَ ظَهَرْتَ فَلا شَيءَ فَوْقَكَ ، وَتَقَدَّسْتَ فِي عُلُوِّكَ ، وَتَرَدَّيْتَ بِالْكِبْرِياءِ فِي الاَْرْضِ وَفِي السَّماءِ ، وَقَويتَ فِي سُلْطانِكَ ، وَدَنَوْتَ مِنْ كُلِّ شَيء فِي ارْتِفاعِكَ ، وَخَلَقْتَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِكَ ، وَقَدَّرْتَ الاُمُورَ بِعِلْمِكَ ، وَقَسَمْتَ الاَْرْزاقَ بِعَدْلِكَ .
وَنَفَذَ فِي كُلِّ شَيء عِلْمُكَ ، وَحارَتِ الاَْبْصارُ
(الصفحة 372)
دُونَكَ ، وَقَصُرَ دُونَكَ طَرْفُ كُلِّ طارِف ، وَكَلَّتِ الاَْلْسُنُ عَنْ صِفاتِكَ ، وَغَشِيَ بَصَرَ كُلِّ ناظِر نُورُكَ ، وَمَلاَْتَ بِعَظَمَتِكَ أَرْكانَ عَرْشِكَ .
وَابْتَدَأْتَ الْخَلْقَ عَلى غَيْرِ مِثال نَظَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ أَحَد سَبَقَكَ إِلى صَنْعَةِ شَيء مِنْهُ ، وَلَمْ تُشارَكْ فِي خَلْقِكَ ، وَلَمْ تَسْتَعِنْ بِأَحَد فِي شَيء مِنْ أَمْرِكَ ، وَلَطُفْتَ فِي عَظَمَتِكَ ، وَانْقادَ لِعَظَمَتِكَ كُلُّ شَيء ، وَذَلَّ لِعِزِّكَ كُلُّ شَيء .
اُثْنِي عَلَيْكَ يا سَيِّدِي وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ فِي مِدْحَتِكَ ثَنائِي مَعَ قِلَّةِ عَمَلِي وَقِصَرِ رَأْيِي ، وَأَنْتَ يا رَبِّ الْخالِقُ وَأَنَا الْمَخْلُوقُ ، وَأَنْتَ الْمالِكُ وَأَنَا الْمَمْلُوكُ ، وَأَنْتَ الرَّبُّ وَأَنَا الْعَبْدُ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ ، وَأَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ وَأَنَا الْخاطِئُ ، وَأَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وَأَنَا خَلْقٌ أَمُوتُ .
|