(الصفحة 9)
تطابق العقل والنقل على أنّ أفضل الأعمال أحمزها(1) ، وأنّ الأجر على قدر المشقّة(2) .
ويدلّ على أهمّية الحجّ وأفضليّته من الصلاة ـ مضافاً إلى اشتمال الحجّ عليها وعدم اشتمالها عليه ـ أنّ الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقّق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسمّـاة بها لأجله والفراغ عنه بالتسليم ،
ولا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من أنّها عمود الدين ، إن قُبلت قُبِلَ ما سواها وإن ردّت رُدَّ ما سواها(3); لعدم دلالته
على الحصر ، فتدبّر .
- (1) نهاية ابن الأثير في مادّة «حمز» . وفي الكافي 4 /199 في خطبة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) قال : وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل .
(2) جواهر الكلام 17: 214 ـ 216 .(3) راجع الوسائل 4: 27 و 33 و 34 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب6 ح7 وب8 ح6 و10 و13 .
(الصفحة 10)
وعمدة ما يختصّ الحجّ به ممّا لا يوجد في غيره أصلاً هو الجهة الاجتماعيّة السياسيّة المتحقّقة فيه ، فإنّه يتضمّن اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وعاداتهم ورسومهم واختلاف مذاهبهم ، وهذا الاجتماع العظيم الذي ليس في الإسلام مثله ممهّد لحصول الوحدة والاتّحاد بين المسلمين ، وتحقّق القدرة الكاملة التي لا تعادلها أيّة قدرة في العالم .
وهذا يتوقّف على الارتباط ومعاشرة المسلمين بعضهم لبعض ، والبحث عمّا هم عليه من النقائص والمشكلات ، وعن طريق رفعها وحلّها ، وعمدة المشاكل التي لحقتهم
وقلّدتهم هي مشكلة الحكومات التي تدّعي الإسلام ظاهراً وتتظاهر به ، وفي الباطن ليس فيها من الإسلام عين ولا أثر ، وقد استظهرت بالحكومات القويّة المستعمرة المسيطرة على العالم وتطيعها بكلّ طاعة بل تعبدها كعبد ذليل ، ولا تتخلّف عن أوامرها ونواهيها بوجه أصلاً .
(الصفحة 11)
وكيف كان ، فهذه الجهة في الحجّ جهة مهمّة لا توجد في غيره; لاقتضائها حصول القدرة الكاملة للإسلام وتحقّق الوحدة والاتّحاد بين المسلمين .
كما أنّه ينبغي التفقّه في الحجّ ، فإنّه كثير الأجزاء ، جمّ المطالب ، وافر المقاصد ، وهو مع ذلك غير مأنوس وغير متكرّر ، وأكثر الناس يأتونه على ضجر وملالة سفر ، وضيق وقت واشتغال قلب ، مع أنّ الناس لا يحسنون العبادات المتكرّرة اليوميّة مثل الطهارة والصلاة مع الفهم لها ومداومتهم عليها وكثرة العارفين بها ، حتّى أنّ الرجل منهم يمضي عليه خمسون سنة وأكثر ولا يُحسن الوضوء فضلاً عن الصلاة ، فكيف بالحجّ الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة ، لا عهدَ للمكلَّف بها مع كثرة مسائلها وتشعّب أحكامها وأطولها ذيلاً ، وخصوصاً مع انضمام الطهارة والصلاة إليها; لشرطية الأُولى وجزئية الثانية ، فإنّ الخطب بذلك يعظم .
(الصفحة 12)
قال زرارة : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلني الله فداك أسألك في الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني ، فقال : «يا زرارة بيتٌ حُجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(1) ، إلاّ أنّه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء مسائله ، بل هو غير مقدور ، ولكن لابدّ من معرفة فروض المناسك .
- (1) وسائل الشيعة : 11 / 12 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب1 ح12 .
(الصفحة 13)وجوب الحج
مسألة :
حجّة الإسلام ، هي الحج الواجب على الفرد المستطيع ، وتجب في طول العمر مرّة واحدة .
مسألة :
وجوب الحج على الفرد المستطيع فوريّ ، أي يجب عليه أن يحج في السنة الاُولى من الاستطاعة ولايجوز له التأخير ، فإن أخّر وجب عليه أن يحجّ في السنة التالية ، وهكذا .
مسألة :
إذا توقّف إدراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات كالسفر وإعداد ما يحتاجه من الوسائل اللازمة ، فإنّه يجب عليه توفير تلك المقدّمات بحيث يمكنه إدراك الحج في تلك السنة ، ولو قصّر في