(الصفحة 10)
ومن العجب: أنّ بعض من لا يطّلع على حقيقة الأمر ، ويتخيّل أنّ البحث في هذه المباحث إنّما يجري مجرى المباحث العلميّة ، التي لا تتجاوز عن البحث العلمي ، قد وافقهم في هذه العقيدة الفاسدة ، غفلة عن أنّ الأيادي الخفيّة ناشرة لهذه الفكرة الخبيثة ، وباعثة على رواجها بين العوام والجهلة ، وهدفها سلب الاعتصام بحبل الله المتين ، وترك الاقتداء بكلام الله المبين ، ونفي وصف الإعجاز والحجّية عن القرآن العظيم .
فمثل هذه الجهات أوجب البحث حول الكتاب المجيد بالبحوث التي أشرت إليها ، وأظنّ أنّه لا يبقى موقع للشبهة ـ مع المراجعة إلى هذه الرسالة ـ لمن يريد استكشاف الحقيقة ، ويترك طريق الغيّ والجهالة ، فقد بالغت على أن أجمع فيها ما يكون دليلاً على المقصود ، وأجبت عن الشبهات الواردة بما هو مقبول العقول ، ومع ذلك فالنقص والخطأ فيه لو كان ، فمنشؤه قصور الباع ، وعدم سعة الاطّلاع ، وأرجو من القارئ الكريم أن ينظر إليها بعين الإنصاف ، وأن يذكّرني إذا أشرف على نقص أو اشتباه .
وأبتهل إليه تعالى أن يمدّني بالتوفيق ، ويلحظ عملي بعين القبول ; فإنّه الوليّ الحميد المجيد .
قم ، الحوزة العلميّة ، جمادى الاُولى 1396هـ
محمّد الفاضل اللنكراني
(الصفحة 11)
حقيقة المعجزة
* المعجزة اصطلاحاً وشروطها .
* إنكار المعجزة .
* عدم لزوم المعجزة .
* وجه دلالة الإعجاز على الصدق .
(الصفحة 12)
(الصفحة 13)حقيقة المعجزة
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّ جِئْنَـكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيرًا
(سورة الفرقان 25:33)
المعجزة اصطلاحاً وشروطها
المعجزة بحسب الاصطلاح هو ما يأتي به المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة ; من الاُمور الخارقة للعادة النوعيّة ، والنواميس الطبيعيّة ، والخارجة عن حدود القدرة البشريّة ، والقواعد والقوانين العلميّة وإن كانت دقيقة نظريّة ، والرياضات العلميّة وإن كانت نتيجة مؤثِّرة ، بشرط أن يكون سالماً عن المعارضة عقيب التحدّي به ، ففي الحقيقة تعتبر في تحقّق الإعجاز الاصطلاحي الاُمور التالية:
الأوّل : أن يكون الإتيان بذلك الأمر المعجز مقروناً بالدعوى ، بحيث كانت الدعوى باعثةً على الإتيان به ليكون دليلاً على صدقها ، وحجّةً على ثبوتها .
الثاني: أن تكون الدعوى عبارة عن منصب من المناصب الإلهيّة ، كالنبوّة والسفارة ; لأنّه حيث لا يمكن تصديقها من طريق السماع عن الإله ، لاستحالة ذلك ، فلابدّ من المعجزة الدالّة على صدق المدّعي ، وثبوت المنصب الإلهي ، كما يأتي بيان ذلك في وجه دلالة المعجزة على صدق الآتي بها . وأمّا لو لم تكن الدعوى منصباً إلهيّاً ، بل كانت أمراً آخر كالتخصّص في علم مخصوص مثلاً ، فالدليل الذي يأتي به مدّعيه لإثبات صدقه لا يسمّى معجزة ; لعدم توقّف إثباته على الإتيان
(الصفحة 14)
بأمر خارق للعادة ، بل يمكن التوسّل بدليل آخر كالامتحان ونحوه .
ففي الحقيقة ، المعجزة عبارة عن الدليل الخارق للعادة ، الذي ينحصر طريق إثبات الدعوى به، ولا سبيل لإثباتها غيره .
الثالث :أن تكون الدعوى في نفسها ممّا يجري فيه احتمال الصدق والكذب ، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى المعجزة ، بل لا يتحقّق الإعجاز بوجه ; ضرورة أنّه مع العلم بصدق الدعوى لا حاجة إلى إثباتها ، ومع العلم بكذبها لا معنى لدلالتها على صدق مدّعيها ، وإن كان البشر عاجزاً عن الإتيان بمثلها فرضاً . وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الكذب معلوماً من طريق العقل ، أو من سبيل النقل ، فإذا ادّعى أحد أنّه هو الله الخالق الواجب الوجود ، وأتى بما يعجز عنه البشر فرضاً ، فذلك لا يسمّى معجزةً ; لأنّ الدعوى في نفسها باطلة بحكم العقل ; للبراهين القطعيّة العقليّة الدالّة على استحالة ذلك .
كما أنّه إذا ادّعى أحد النبوّة بعد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله) وأتى ـ فرضاً ـ بما يخرق نواميس الطبيعة والقوانين الجارية ، فذلك لا يسمّى معجزة بالإضافة إلى المسلم الذي لا يرتاب في صحّة اعتقاده ونبوّة نبيّه (صلى الله عليه وآله) ; لأنّه كما ثبتت نبوّته كذلك ثبتت خاتميّته بالأدلّة القاطعة النقليّة ، فالمعتبر في تحقّق المعجزة اصطلاحاً كون الدعوى محتملةً لكلّ من الصدق والكذب .
ومن ذلك يظهر أ نّ المعجزات المتعدّدة لمدّع واحد إنّما يكون اتّصافها بالإعجاز بلحاظ الأفراد المتعدّدة ، فكلّ معجزة إنّما يكون إعجازها بالإضافة إلى من كانت تلك المعجزة دليلاً عنده على صدق المدّعى ، وإلاّ فلو كان صدق دعواه عنده ثابتاً بالمعجزة السابقة بحيث لا يكون هذا الشخص في ريب وشكّ أصلاً ، فلا تكون المعجزة اللاّحقة معجزةً بالإضافة إليه بوجه ، فاتّصاف اللاّحقة بهذا الوصف إنّما هو لأجل تأثيرها في هداية غيره ، وخروج ذلك الغير من الشكّ إلى اليقين لأجلها ،