(الصفحة 191)
والاحتياج المنافي لوجوب الوجود ; لأنّ المتّصف به غنيّ بالذات ـ يوجب عدم انعقاد ظهور له في هذا المعنى ، وهو اتّصاف الرّبّ بالمجيء .
وهكذا قوله ـ تعالى ـ : (الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (1) ومثله الآيات الظاهرة على خلاف حكم العقل .
فانقدح أنّ حكم العقل ـ مع كونه من الاُمور التي هي اُصول التفسير ، ولا مجال للإغماض عنه في استكشاف مراد الله ـ تعالى ـ من كتابه العزيز ـ يكون مقدّماً على الأمرين الآخرين ، ولا موقع لهما معه . أ مّا تقدّمه على الظهور فلِما عرفت من عدم انعقاده مع حكم العقل على الخلاف ; لأنّه بمنزلة قرينة متّصلة . وأ مّا تقدّمه على الأمر الآخر; فلأنّ حجّية قوله إنّما تنتهي إلى حكم العقل وتستند إليه ، فكيف يمكن أن يكون مخالفاً له ؟ فالمخالفة تكشف عن عدم صدوره عن المعصوم (عليه السلام) ، أو عدم كون ظاهر كلامه مراداً له ، فكما أنّه يصير صارفاً لظاهر الكتاب ، يوجب التصرّف في ظاهر الرواية بطريق أولى ، كما لا يخفى .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الذي يبتني عليه التفسير إنّما هو خصوص الاُمور الثلاثة المتقدّمة : الظاهر ، وقول المعصوم ، وحكم العقل ، ولا يسوغ الاستناد في باب التفسير إلى شيء آخر .
نعم ، في باب الظواهر لابدّ من إحراز الصغرى ; وهي الظهور الذي مرجعه إلى الإرادة الاستعماليّة ; ضرورة أنّ التطابق بين الإرادتين لا يتحقّق بدون تشخيص الإرادة الاستعماليّة ، وإحراز مدلول اللفظ . ويقع الكلام حينئذ في طريق هذا التشخيص لمن لا يكون عارفاً بلغة العرب ، ولا يكون من أهل اللّسان ، ولا يجوز الاتّكال في ذلك على قول المفسّر ، أو اللّغوي ، مع عدم إفادة قولهما اليقين ،
(الصفحة 192)
أو الاطمئنان الذي هو علم عرفيّ ; وذلك لعدم الدليل على حجّية قولهما أصلاً ، فالرجوع إلى التفسير لا يكاد يترتّب عليه فائدة إلاّ إذا حصل منه اليقين ، أو ما يقوم مقامه بظهور اللفظ في المعنى الفلاني ، وكونه مراداً بالإرادة الاستعماليّة ، كما هو غير خفيّ .
(الصفحة 193)
عدم تحريف الكتاب
* عرض لمعاني التحريف والردّ عليه .
* مذهب الإماميّة في عدم التحريف المتسالم عليه .
* أدلّة عدم التحريف ، ومناقشة القائلين به .
(الصفحة 194)
(الصفحة 195)عدم تحريف الكتاب
تمهيد
حيث إنّ مسألة التحريف من المسائل المهمّة المتعلّقة بالكتاب ، لابدّ من التعرّض لها والورود فيها مفصّلاً ليزول الشكّ والارتياب فيها إن شاء الله تعالى ، وتنقدح صيانة الكتاب في أنّه المعجزة الخالدة الوحيدة للنبوّة والرسالة ، والبرنامج الفذّ لهداية الناس إلى صلاح اُمورهم الدنيويّة والدينيّة ، وخروجهم من الظلمات إلى النور إلى يوم القيامة ، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم ، والشريعة السمحة السهلة ، وإراءتهم لما يتضمّن سعادة الدارين التي هي السعادة المطلوبة والغاية المنشودة لكلّ عاقل .
ويظهر بطلان ما زعمه القائل بالتحريف ، جهلاً منه بما يترتّب على هذا القول السخيف من التوالي الفاسدة ، والآثار السيّئة ، ونقض الغرض ، وتطاول المخالفين المعاندين للإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى ، وغيرهما من الذين لا يطيقون عظمة هذا الدين القويم ، وشوكة المسلمين ، ويتشبّثون بكلّ ما يمكن أن ينتهي إلى خذلانهم وضعف عقيدتهم .
ومن العجب إصرار بعض من ينتحل العلم ، ويظهر التعصّب في الدين ، ويرى لنفسه الفضيلة والمزيّة على غيره ، على القول بالتحريف الذي يتبرّأ منه من له أدنى