(الصفحة 205)
منهم عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل (عليه السلام) إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية (1) .
وروى محمد بن نصر، عنه أنّه قال: كان في ( لَمْ يَكُنِ) اسم(2) سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (3) .
وروى عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وأنا أسمعه(4) ـ حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : كفّ عن هذه القرءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم (عليه السلام) ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ على حدّه(5) .
وروى عن محمّد بن جهم الهلالي وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : ( أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة) (6) ليس كلام الله ، بل محرّف عن موضعه ، والمنزل : «أئمـّة هي أزكى من أئمّتكم»(7) .
وذكر ابن شهر آشوب المازندراني في كتاب «المثالب» له : أ نّ سورة الولاية اُسقطت بتمامها ، وكذا أكثر سورة الأحزاب ; فإنّها كانت مثل سورة الأنعام ، فأسقطوا منها فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ، وكذا أسقطوا لفظ «ويلك» من قبل ( لاَ تَحْزَنْ
- (1) الكافي: 2 / 634 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 28 .
(2) في الكافي هكذا: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال: دفع إليّ أبو الحسن (عليه السلام) مصحفاً وقال: لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه: ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ سورة البيّنة 98: 1] فوجدت فيها اسم سبعين إلخ ، فوقع سهو من الآلوسي .
(3) الكافي: 2 / 631 ، كتاب فضل القرآن باب النوادر ح 16 .
(4) في الكافي: وأنا أستمع ، وفيه: كفّ بدل «مه» .
(5) الكافي: 2 / 633 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح 23 .
(6) سورة النحل 16: 92 .
(7) الكافي : 1 / 292 ، كتاب الحجّة ب 65 ح 1 ، وفيه زيد بن الجهم الهلالي ، والحديث هنا نقل بالمعنى .
(الصفحة 206)
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (1) ، و«عن ولاية عليّ» من بعد ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْـُولُونَ) (2) .
و«بعليّ بن أبي طالب» من بعد ( وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) (3) ، و«آل محمّد» من بعد ( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُوا) (4)(5) إلى غير ذلك .
فالقرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم شرقاً وغرباً ، وهو لكرة الإسلام ودائرة الأحكام مركزاً وقطباً أشدّ تحريفاً عند هؤلاء من التوراة والإنجيل ، وأضعف تأليفاً منهما وأجمع للأباطيل ، وأنت تعلم أنّ هذا القول أوهى من بيت العنكبوت ، وأ نّه لأوهن البيوت ، ولا أراك في مرية من حماقة مدّعيه وسفاهة مفتريه ، ولما تفطّن بعض علمائهم لما به جعله قولاً لبعض أصحابه .
ثمّ نقل كلام الطبرسي في مقدّمة مجمع البيان ، المشتمل على نقل كلام السيِّد المرتضى المتقدّم ، ونسبة ذلك إلى قوم من حشوية(6) العامّة .
ثمّ قال : وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتّى للأطفال .
ثمّ أنكر نسبة ذلك إلى قوم من الحشويّة ، نظراً إلى إجماع العامّة على عدم وقوع
- (1) سورة التوبة 9 : 40 .
(2) سورة الصافات 37 : 24 .
(3) سورة الأحزاب 33 : 25 .
(4) سورة الشعراء 26 : 227 .
(5) كتاب مثالب النواصب ، مخطوط .
(6) الحشوية: بسكون الشين وفتحها ، قوم من أهل الحديث ، همّهم نقل الأحاديث والالتزام بها حتّى وإن خالفت أصلاً من اُصول الدين وعارضت مبنىً من مبانيه ، لم يأبهوا عمّن يأخذون رواياتهم التي ينقلونها بلا دراية . . . ولا ممّن يستفيدونها . يقول عنهم العلاّمة التهانوي في موسوعته: وهم قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا الى التجسّم وغيره ، وهم من الفرق الضالّة . وراح ينقل ما قاله فيهم السُّبكي: الحشوية طائفة ضلّوا عن سواء السبيل ، يُجرون آيات الله على ظاهرها ويعتقدون أنّه المراد . . . ثمّ ذكر أسباب تسميتهم بالحشوية . . . (موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم 1 : 678 ـ 679) .
(الصفحة 207)
النقص فيما تواتر قرآناً ، كما هو موجود بين الدفّتين اليوم .
ثمّ قال : «نعم ، أسقط زمن الصديق ما لم تتواتر وما نسخت تلاوته ، وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ ، وما لم يكن في العرضة الأخيرة ، ولم يألُ جُهداً في تحقيق ذلك ، إلاّ أ نّه لم ينتشر نوره في الآفاق إلاّ زمن ذي النورين ، فلهذا نسب إليه .
كما روي عن حميدة بنت يونس أنّ في مصحف عائشة : « إنَّ الله و مَلـئـِكَته يصلُّون على النَّبىّ يَـأيُّهَا الَّذين ءامنُوا صَلُّوا عليْه وسَلّموا تسْلِيماً ـ وعلى الّذين يصلون الصفوف الأوّل» وأ نّ ذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف (1) .
فما أخرج أحمد ، عن اُبيّ قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أمرني أن أقرأ عليك قال : فقرأ عليّ ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَ مَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) (2)إنّ الدين عند الله الحنيفيّة غير المشركة ، ولا اليهوديّة ، ولا النصرانيّة ، ومن يفعل خيراً فلن يكفر (3) .
وفي رواية : ومن يعمل صالحاً فلن يكفره ، وما اختلف الذين اُوتوا الكتاب إلاّ من بعدما جاءتهم البيّنة ، إنّ الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لمّا جاءهم أولئك عند الله شرّ البريّة ، ما كان الناس إلاّ اُمّة واحدة ، ثمّ أرسل الله
- (1) المصاحف لابن أبي داود السجستاني : 211 ، الرقم 236 ، وفيه: والّذين يصلون الصفوف الأوّل ، الإتقان في علوم القرآن: 3 / 82 ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 5: 580 ، الآية 56 من سورة الأحزاب، وفيه : والذين يصفون الصفوف الأوّل .
(2) سورة البيّنة 98 : 1 ـ 4 .
(3) المسند لابن حنبل : 8 / 40 ح 21261 .
(الصفحة 208)
النبيّين مبشِّرين ومنذرين يأمرون الناس ، يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويعبدون الله وحده ، أولئك عند الله خير البريّة ، جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربّه(1) .
وفي رواية الحاكم: فقرأ فيها : «لو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطاه يسأل ثانياً ، ولو سأل ثانياً فأعطاه يسأل ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على من تاب . . .»(2) .
وما روي عنه أيضاً أنّه كتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد : «اللّهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ، ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ، اللّهمّ إيّاك نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكفّار ملحق»(3) فهو من ذلك القبيل ، ومثله كثير .
وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد ، عن ابن عمر ، قال : لا يقولنَّ أحدكم : قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه ؟! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر (4) .
والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى ، إلاّ أنّها محمولة على ما ذكرناه ، وأين ذلك ممّا يقوله الشيعي الجسور: ( وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور) (5) (6) .
- (1) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: 8 / 536 ـ 537 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(2) المستدرك على الصحيحين: 2 / 244 ح2889 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(3) كتاب الدعاء للطبراني: 238 ح750 ، الإتقان في علوم القرآن : 1 / 226، النوع التاسع عشر .
(4) الإتقان في علوم القرآن : 3 / 81 ـ 82 ، النوع السابع والأربعون .
(5) سورة النور 24 : 40 .
(6) روح المعاني: 1 / 32 ـ 35 .
(الصفحة 209)
انتهى ما أردنا نقله من كلامه حشره الله لا مع أجداده ، بل مع من يحبّه ويتولاّه .
وأنت خبير بما فيه :
أ مّا أوّلاً : فلأنّك عرفت(1) أنّ المشهور عند أصحابنا الإماميّة ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ، بل قد عرفت(2) أنّ الصدوق(قدس سره) جعله من عقائد الإماميّة ، وادّعى كاشف الغطاء فيه الضرورة والبداهة ، ومعه لا وجه للافتراء عليهم ، ونسبة هذا القول السخيف إلى الطائفة المحقّة ـ الظاهرة في الشهرة بينهم ـ وذهاب الكليني وبعض آخر من المحدّثين; كشيخه علي بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير إلى القول بالتحريف ـ لا يسوغ النسبة إلى الجميع أو المشهور ، مع أنّ منشأ النسبة إليه وإلى شيخه هو ذكر الأخبار الظاهرة فيه .
ومن الواضح أ نّ نقل الخبر لا يدلّ على اختيار الناقل لما يفهم منه ظاهراً ; لأ نّه فرع اعتباره أوّلاً ، وظهوره عنده في ذلك ثانياً ، وخلوّه عن المعارض ثالثاً ، وحجّيته في مثل هذه المسألة رابعاً ، وتحقّق ذلك عند الناقل غير واضح .
وأ مّا ثانياً : فلأنّ إنكار ذهاب الحشويّة من العامّة إلى ذلك .
وهم الفرقة القائلة بحجّية ظواهر القرآن واعتبارها ، ولو كان على خلاف العقل الصريح ; ولذا التزموا بالتجسيم نظراً إلى ذلك ، ولعلّه لأجله سمّيت بالحشويّة ـ في غير محلّه; لشيوع هذا القول منهم من الأزمنة المتقدّمة (3) .
وأمّا ثالثاً : فلأنّه أنكر التحريف غاية الإنكار ، والتزم بما يرجع إليه من نسخ
- (1 ، 2) في ص200 ـ 204 .
(3) موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم: 1 / 678 .