(الصفحة 302)
4 ـ ما رواه فيه أيضاً بإسناده عن جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما ادّعى أحد من الناس أ نّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله ـ تعالى ـ إلاّ عليّ بن أبي طالب والأ ئـمّة من بعده (عليهم السلام) (1) .
5 ـ قوله ـ أي قول عليّ (عليه السلام) ـ في خبر عبد خير قال: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقسمت ـ أو حلفت ـ أن لا أضع ردائي عن ظهري حتّى أجمع ما بين اللّوحين ، فما وضعت ردائي عن ظهري حتّى جمعت القرآن (2) .
6 ـ قوله (عليه السلام) في خبر ابن الضُّرَيس في «فضائله» : رأيت كتاب الله يُزاد فيه ، فحدّثت نفسي ألاّ ألبس ردائي إلاّ لصلاة جمعة حتّى أجمعه (3) .
7 ـ قوله (عليه السلام) في رواية ابن شهرآشوب بعدما جمع القرآن وجاء إليهم ، ووضع الكتاب بينهم : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وأنا العترة (4) .
8 ـ غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب ، الدالّة على اختصاصه (عليه السلام) بمصحف مخصوص كان مغايراً للمصاحف الاُخرى ، وحيث إنّ
- (1) الكافي: 1 / 228 ، كتاب الحجّة ب 35 ح 1 ، وعنه الوافي: 3 / 560 ، كتاب الحجّة ب 76 ح 1108 ، ومرآة العقول 3: 30 ح1 .
(2) حلية الأولياء: 1 / 67 ، وعنه مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 2: 41 . وأخرجه في كشف الغمّة 1: 118 عن المناقب للخوارزمي: 94 ح93 . وفي بحار الأنوار: 40 / 155 و 180 ب 93 و ج 92 / 52 كتاب القرآن ب 7 ، عن مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) وكشف الغمّة .
(3) فضائل القرآن لابن الضريس: 36 ح22 ، وعنه الإتقان في علوم القرآن: 1 / 204 ، النوع الثامن عشر ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 7: 197 ب53 ح2 وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6: 40 باختلاف .
(4) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ، لابن شهر آشوب: 2 / 51 ، في المسابقة بالعلم ، وعنه بحار الأنوار: 40 / 155 ـ 156 وج92 / 52 .
(الصفحة 303)
عليّاً (عليه السلام) مع الحقّ والحقّ معه (1) ، فاللاّزم الالتزام بوقوع التحريف في القرآن الموجود لا محالة ، وهو المدّعى (2) .
والجواب: أنّ مغايرة مصحفه (عليه السلام) لتلك المصاحف من حيث ترتيب السور ، فالظاهر أ نّها مورد للاطمئنان ، لو لم تكن مقطوعاً بها .
وقد ذكر السيوطي في «الإتقان» : أ نّ ترتيبه على نحو النزول كان أوّله إقرأ ، ثمّ المدّثر ، ثمّ ن ، ثمّ المزّمل ، ثمّ تبّت ، ثمّ التكوير ، وهكذا إلى آخر المكّي والمدنيّ (3) .
وحكي عن ابن سيرين في جمعه (عليه السلام) أ نّه قال : بلغني أ نّه كتبه على تنزيله ، ولو اُصيب ذلك الكتاب لكان فيه العلم ، أو كان فيه علم (4) .
والمحكيّ عن فهرست ابن النديم ترتيب آخر غير ترتيب النزول (5) .
وبالجملة: فالمغايرة من حيث ترتيب السور ممّا لا يقدح أصلاً ; لعدم ثبوت كون ترتيب السور توقيفيّاً أوّلاً ، وعدم كون المخالفة في الترتيب ـ على فرض التوقيفيّة ـ بقادحة ثانياً .
أمّا عدم ثبوت كون ترتيب السور توقيفيّاً ، فهو الذي ذهب إليه جمهورهم ، وزعموا أنّ الموجود إنّما هو باجتهاد من الصحابة ، وإن خالف فيه بعضهم; كالزركشي والكرماني وبعض آخر (6) .
- (1) تاريخ بغداد 16: 470 رقم الترجمة 7595 ، تاريخ مدينة دمشق 49: 449 ، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 3: 60ـ 62 ، كشف الغمّة 1: 143ـ 147 ، مجمع الزوائد 7: 235 ، بحار الأنوار: 38 / 26 ـ 40 ب 57 .
(2) اُنظر فصل الخطاب: 97 ـ 112، الدليل الرابع .
(3) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 216 . النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه .
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد: 2 / 338 ، التمهيد 3: 644 ، تاريخ مدينة دمشق 42: 399 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 185 ، كنز العمال: 2 / 588 ح 4792 .
(5) الفهرست: 29 ـ 30 .
(6) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 216ـ 217 ، النوع الثامن عشر .
(الصفحة 304)
قال البغوي في شرح السنّة ـ على ما حكى عنه في الإتقان ـ : إنّ الصحابة جمعوا بين الدّفتين القرآن الذي أنزله الله ـ سبحانه وتعالى ـ على رسوله (صلى الله عليه وآله) من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً . . . فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته . . . فكتبوه كما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير أن قدّموا شيئاً أو أخّروا ، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلقّن أصحابه ويعلّمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل صلوات الله عليه إيّاه على ذلك ، وإعلامه عند نزول كلّ آية أ نّ هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السور التي يذكر فيها كذا .
فثبت أ نّ سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد ، لا في ترتيبه ; فإنّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا أنزله الله ـ تعالى ـ جملةً واحدةً في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدُّنيا . . . ثمّ كان ينزّله مفرّقاً على رسوله (صلى الله عليه وآله) مدّة حياته عند الحاجة . . . فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة (1) .
وعن ابن الحصّار أ نّه قال: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي ، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «ضعوا آية كذا في موضع كذا»(2) ، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وممّا أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف (3) .
وبالجملة فهذه مسألة خلافيّة وإن كان التعبير بـ «الكتاب» الظاهر في النظم والترتيب من جميع الجهات ، في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعهده ، وانقسام السور بالأقسام
- (1) شرح السنّة للبغوي 4 : 521 ـ 523 ، الإتقان في علوم القرآن: 1 / 215 ـ 216 ، النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه .
(2) البرهان في علوم القرآن 1: 256 عن جبريل (عليه السلام) .
(3) الإتقان في علوم القرآن: 1 / 216 ، النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه .
(الصفحة 305)
الأربعة: الطوال ، والمئون ، والمثاني ، والمفصّل في عصره أيضاً، كما عرفت(1) سابقاً ، وبعض الاُمور الاُخر، كالتعبير عن السورة الاُولى بـ «فاتحة الكتاب» ربما يؤيّد كون الترتيب أيضاً بتوقيف من الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وبأمر من جبرئيل (عليه السلام) ، ولعلّه لذلك لم يكتب ابن مسعود ـ على ما نسب إليه ـ في مصحفه المعوّذتين ، وكان يقول: «إنّهما ليستا من القرآن، وإنّما نزل بهما جبريل تعويذاً للحسنين (عليهما السلام) (2).
وذلك لما رآه من وقوعهما في آخر القرآن، فزعم أنّهما لاتكونان منه، وإن كان بطلان هذاالزعم لايحتاج إلى إقامة الدليل بعد افتقار ثبوت القرآن إلى التواتر ، ووجوده في السورتين أيضاً ، كما مرّ سابقاً(3).
وأمّا عدم كون المخالفة في الترتيب بقادحة فواضح ; ضرورة أنّ النزاع ليس في الاختلاف في ترتيب السور بوجه ، بل في كون القرآن الموجود ناقصاً عن مصحف عليّ (عليه السلام) في مقدار ممّا نزل بعنوان القرآن .
وأ مّا ترتيب الآيات، فقد عرفت أ نّه كان بتوقيف من الرسول (صلى الله عليه وآله) وبأمر من جبريل (عليه السلام) ، ويؤيّده التعبير بـ «السورة» ، التي معناها مجموعة آيات متعدّدة مترتّبة مشتملة على غرض واحد أو أغراض متعدّدة مرتبطة ، في نفس الكتاب العزيز في مواضع متكثّرة ، سيّما الآيات الواقعة في مقام التحدّي ، وكذا في لسان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، والأحكام المترتّبة على السورة ; كوجوب قراءتها في الصلاة الفريضة
- (1) في ص 283 ـ 290.
(2) كذا في الميزان في تفسير القران 12: 132، ولكن لم نعثر عليه، وإنّما الموجود في المسند لابن حنبل 8 : 36 ح21244ـ 21247 ، والمعجم الكبير للطبراني 9: 234ـ 235 ح9148ـ 9152 ، والإتقان في علوم القرآن: 1 / 271ـ 272 النوع 22 ـ 27 ، تنبيهات ، الأوّل ، وفتح الباري لابن حجر 9: 5828 ، والدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 8 : 624 ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 20 : 251 تفسير سورة الفلق ، هكذا: إنّهما ليستا من كتاب الله، إنّما أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يتعوّذ بهما.
(3) في ص 146.
(الصفحة 306)
بعد حكاية الفاتحة أو استحبابها ، ومثل ذلك لا يتلاءم مع تفرّق الآيات ، وعدم وضوح كون كلّ واحدة منها جزءاً من أجزاء السورة التي هي جزء لها ، كما لا يخفى .
نعم ، ذكر بعض الأعلام في تفسيره المعروف بـ «الميزان» أ نّ وقوع بعض الآيات القرآنية التي نزلت متفرّقة موقعها الذي هي فيه الآن ، لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد ، وأنّ رواية عثمان بن أبي العاص ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : أتاني جبريل (عليه السلام) فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الاِْحْسَـنِ . . .) (1) لا تدلّ على أزيد من فعله (صلى الله عليه وآله) في بعض الآيات في الجملة لا بالجملة .
واستدلّ على ذلك بالروايات المستفيضة الواردة من طرق الشيعة وأهل السنّة: أ نّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين إنّما كانوا يعلمون تمام السورة بنزول البسملة ، كما رواه أبو داود(2) والحاكم(3) والبيهقي(4) والبزّار(5) من طريق سعيد بن جبير ـ على ما في «الإتقان» ـ عن ابن عبّاس قال: كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يعرف فصل السورة حتّى تنزل عليه ( بسم الله الرحمن الرحيم) .
وزاد البزّار : فإذا نزلت عرف أنّ السورة قد خُتمت واستقبلت ، أو ابتُدئت سورة اُخرى (6) .
وغير ذلك من الروايات الواردة من طرقهم وطرقنا عن الباقر (عليه السلام) ، وهي
- (1) المسند لابن حنبل 6: 272 ح17940 ، الإتقان في علوم القرآن 1 : 212 ، النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه ، والآية في سورة النحل 16: 90 .
(2) سنن أبي داود: 128 ح788 .
(3) المستدرك على الصحيحين 1: 355 ـ 356 ح845 و 846 .
(4) السنن الكبرى للبيهقي 2: 337 ح2428 و 2429 .
(5) كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 40 ح2187 .
(6) انظر الإتقان في علوم القرآن: 1 / 268 ، النوع 22 ـ 27 ، تنبيهات، الأوّل .