جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر مدخل التفسير
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 50)

ومن الآيات التي يمكن أن يستدلّ بها على التحدّي بالعلم ، قوله ـ تعالى ـ : (وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِى كِتَـب مُّبِين) (1) بناءً على كون المراد بالكتاب المبين هو القرآن المجيد ، وكون المراد بالرطب واليابس المنفيّين هو علم كلّ شيء بحيث تكون الآية كناية عن الإحاطة العلميّة ، والبيان الكامل الجامع ، فيرجع المراد إلى ما في الآية المتقدّمة من كون الكتاب جامعاً لعلم الأشياء ، وحاوياً لبيان كلّ شيء .

لكنّ الظاهر أ نّه ليس المراد بالكتاب المبين هو القرآن ، بل شيئاً آخر يكون فيه جميع الموجودات والأشياء بأنفسها ، ويؤيّده صدر الآية ; وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ) (2) وكذا تعلّق النفي بنفس الرطب واليابس الظاهرين في أنفسهما ، لا في العلم بهما ، وكذا عدم اختصاص النفي بهما ، بل تعلّقه بالحبّة التي في ظلمات الأرض ; لأنّ الاستثناء يتعلّق به أيضاً ، فلابدّ من الالتزام بكون المراد بها هو العلم بالحبّة أيضاً ، وهو خلاف الظاهر جدّاً .

وعليه: يكون مفاد الآية أجنبيّاً عمّا نحن بصدده ; لأنّ مرجعه إلى ثبوت الأشياء الموجودة بأنفسها في الكتاب الذي هو بمنزلة الخزينة لها .

نعم ، يبقى الكلام في المراد من ذلك الكتاب ، وأ نّه هل هو عبارة عن صفحة الوجود المشتملة على أعيان جميع الموجودات ، أو أمر آخر يغاير هذا الكون ، ثابتة فيه الأشياء نوعاً من الثبوت ، كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ : (وَ إِن مِّن شَىْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَّعْلُوم ) ؟(3) .

وعلى أيٍّ لا يرتبط بالمقام الذي يدور البحث فيه حول الكتاب بمعنى القرآن المجيد الذي يكون معجزة .

  • (1) سورة الأنعام 6 : 59 .
    (2) سورة الأنعام 6 : 59 .
    (3) سورة الحجر 15: 21 .

(الصفحة 51)

التحدّي بالإخبار عن الغيب

قد وقع في الكتاب التحدّي بالإخبار عن الغيب في آيات متعدّدة ، ونفس الإخبار بالغيب في آيات كثيرة ، ففي الحقيقة الآيات الواردة في هذا المجال على قسمين:

قسم وقع فيها التحدّي بنفس هذا العنوان ، وهو الإخبار والإنباء بالغيب .

وقسم وقع فيها مصاديق هذا بعنوان من دون الاقتران بالتحدّي .

وقبل الورود في ذكر القسمين والتعرّض لمدلول النوعين لابدّ من التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل : أ نّ المراد بالغيب في هذا المقام هو ما لايدركه الإنسان ولا يناله من دون الاستعانة من الخارج ، ولو أعمل في طريق الوصول إليه جميع ما أعطاه الله ـ تعالى ـ من القوى الظاهرة والباطنة ، فهو شيء بينه وبين الإنسان بنفسه حجاب ، ولابدّ من الاستمداد من الغير في رفع ذلك الحجاب ، وكشف ذلك الستار . وعليه: فالحادثة الواقعة الماضية ، والقضيّة الثابتة المتصرّمة تعدّ غيباً بالإضافة إلى الإنسان ; لأ نّه لا يمكن له أن يطّلع عليها ، ويصل إليها من طريق شيء من الحواسّ والقوى ، حتّى القوّة العاقلة المدركة ; فإنّ وجود تلك الحادثة وعدمها بنظر العقل سواء; لعدم كون حدوثها موجباً لانخرام شيء من القواعد العقليّة ، كما هو المفروض ، ولا كون عدمها مستلزماً لذلك كذلك ، وإلاّ لا يكاد يمكن أن تتحقّق على الأوّل ، أو لا تتحقّق على الثاني .

كما أنّه بناءً على ما ذكر في معنى الغيب في المقام لا يكون ما يدركه العقل السليم والفطرة الصحيحة من الحقائق من الغيب بهذا المعنى الذي هو المقصود في المقام ، فوجود الصانع ـ جلّ وعلا ـ لا يعدّ من المغيبات هنا ; لأنّ للعقل إليه طريقاً بل طرقاً كثيرة ، ولا حاجة له في الوصول إليه تعالى، والاعتقاد بوجوده إلى الاستمداد

(الصفحة 52)

من الغير ، والاستعانة من الخارج .

وبالجملة: فالغيب في المقام ليس المراد به هو الغيب في مثل قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (1) ، بل المراد به هو الغيب في مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَعِندَهُو مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ) (2) .

لا أقول: إنّ للغيب معان مختلفة ; فإنّه من الواضح الذي لا يرتاب فيه عدم كون لفظ الغيب مشتركاً بين معان متعدّدة ; فإنّه في مقابل الشهود الذي لا يكون له معنى واحد ، غاية الأمر اختلاف موارد الاستعمال باختلاف الأغراض والمقاصد بحسب المصاديق والأفراد ، كما لا يخفى .

الأمر الثاني: أنّ دلالة الإخبار بالغيب على الإعجاز تظهر ممّا ذكرناه في معنى الغيب ; فإنّه بعدما لم يكن للإنسان سبيل إلى الاطّلاع على المغيبات من قبل نفسه; لعدم الملاءمة بينه بقواه الظاهرة والباطنة ، وبين الاطّلاع عليها بدون الاستعانة والاستمداد ، فإذا فرضنا إنساناً أتى بكتاب مشتمل على الإخبار بالغيب ، وعلمنا عدم اطّلاعه عليها من قبل نفسه ، والجماعة التي هو فيهم ومعهم; نعلم جزماً بانحصار طريق الوصول إليه في مبدإ الوحي ، ومخزن الغيب ، ومن عنده مفاتيحه ولا يعلمها إلاّ هو ، وبه يتحقّق التحدّي الموجب للإعجاز .

إذا عرفت ما ذكرنا من الأمرين ، فنقول:
من القسم الأوّل من الآيات:
قوله ـ تعالى في قصّة مريم ـ : (ذَ لِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَـمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (3)، وقوله ـ تعالى ـ : (تِلْكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا

  • (1) سورة البقرة 2 : 3 .
    (2) سورة الأنعام 6 : 59 .
    (3) سورة آل عمران 3 : 44 .

(الصفحة 53)

كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَ لاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا) (1) ، وقوله ـ تعالى ـ بعد ذكر قصة يوسف : (ذَ لِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ مَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ ) (2) .

ومن القسم الثاني : آيات كثيرة متعدّدة واقعة في موارد مختلفة:

منها: قوله ـ تعالى ـ : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَـكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ *الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـهًا ءَاخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (3) .

فإنّ هذه الآيات نزلت بمكّة في ابتداء ظهور الإسلام ، وبدء دعوة النبيّ  (صلى الله عليه وآله)  ، والسبب في نزولها ـ على ما حكي ـ أنّه مرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) على اُناس بمكّة فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون: هذا الذي يزعم أنّه نبيّ ، ومعه جبرئيل . . .(4)، فأخبرت الآية عن نصرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) في دعوته ، وكفاية الله المستهزئين والمشركين في زمان كان من الممتنع بحسب العادة انحطاط شوكة قريش ، وانكسار سلطانهم ، وغلبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمسلمين وعلوّهم ، وقد كفاه الله أشرف كفاية ، وبان للمستهزئين ، وعلموا ما في قوله ـ تعالى في آخر الآية ـ: ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)  .

ومن هذا القبيل قوله ـ تعالى ـ في سورة الصفّ المكّية ـ الواردة في مثل الحال المذكور ، والشأن الذي وصفناه من طغيان الشرك ، وسلطان المشركين في بدء الدعوة الإسلامية ـ : (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُو بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِوَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (5) .

  • (1) سورة هود 11 : 49 .
    (2) سورة يوسف 12 : 102 .
    (3) سورة الحجر 15 : 94 ـ 96 .
    (4) جامع البيان في تفسير القرآن: 14 / 88 ـ 92 ح21418ـ 21431 ، الكشّاف: 2 / 591 ، مجمع البيان في تفسير القرآن: 6 / 124ـ 125 ، أنوار التنزيل وأسرار التأويل: 1 / 547 .
    (5) سورة التوبة 9 : 33 ، وسورة الصف 61 : 9 .

(الصفحة 54)

ومنها : قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (1) .

وقد نزل في يوم بدر حين ضرب أبو جهل فرسه وتقدّم نحو الصفّ الأوّل قائلاً: «نحن ننتصر اليوم من محمّد وأصحابه»(2) فأخبر الله بانهزام جمع الكفّار وتفرّقهم ، مع أنّه لم يكن يتوهّم أحد نصرة المسلمين وانهزام الكافرين مع قلّة عدد الأوّلين ، بحيث لم يتجاوز عن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً (3) ، وضعف عدّتهم ; لأنّ الفارس فيهم كان واحداً أو اثنين ، وكثرة عدد الآخرين ، وشدّة قوّتهم بحيث وصفهم الله ـ تعالى ـ بأنّهم ذات شوكة (4) ، وكيف يحتمل انهزامهم ، وقمع شوكتهم وانكسار سلطانهم; وقد أخبر الله ـ تعالى ـ بذلك ، ولم يمضِ إلاّ زمان قليل بأن  صدق النبي (صلى الله عليه وآله) فيما حكاه وأخبره؟!

ومنها : ما ورد في رجوع النبيّ ، ودخول المسلمين إلى معاده والمسجد الحرام من قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَاد) (5) ، وقوله ـ تعالى ـ : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ) (6) .

ومنها : قوله ـ تعالى ـ : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الاَْرْضِ وَ هُم مِّن

  • (1) سورة القمر 54 : 44 ـ 45 .
    (2) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي: 17 / 146 .
    (3) السيرة النبويّة لابن هشام: 2/363 ـ 364 ، فقد أحصاهم جميعاً تحت عنوان من حضر بدراً من المسلمين ، فمن المهاجرين: 83 ومن الأنصار ـ (الأوس: 61) (الخزرج: 170)فالمجموع314 بما فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، وغيرها من كتب التأريخ والتفسير .
    (4) سورة الأنفال 8 : 7 .
    (5) سورة القصص 28 : 85 .
    (6) سورة الفتح 48 : 27 .