(صفحه 19)
وذلك أوّلاً: أنّها معنى حرفي وهو متأخّرٌ عن الموضوع.
وثانياً: أنّها متأخّرة عن المحمول أيضاً، وعنوان النسبة عنوان تبعي، فلابدأن يكون الجامع المؤثّر هو الجامع بين الموضوعات، فالجامع بين الفاعلوالمفعول والمضاف إليه هي الكلمة والكلام بناء على كونهما شيئاً واحداً.
والحاصل: أنّه لابدّ لنا من جامع بين الموضوعات حتّى يعبّر عنه بموضوعالعلم، ولابدّ أيضاً أن يكون الجامع شيئاً واحداً.
ولكن اُشكل عليه:
أوّلاً: بأنّه لا دليل لترتّب غرض واحد على علم واحد، بل يمكن أن يترتّبعلى علم واحد غرضان وفائدتان، بحيث يكون بينهما تلازم.
فإن قلت: إنّه يترتّب خارجاً على علم واحد غرض واحد، أي ليس فيالخارج علم يترتّب عليه غرضان.
قلنا: هذا أمر غير معلوم فلعلّه يترتّب على علم واحد غرضان أو أغراضمتعدّدة.
أمّا هذا الإشكال فليس من الإشكالات المهمّة. والمناسب في ذيل هذالإشكال ذكر ما تعرّض له صاحب الكفاية قدسسره (1) ههنا، وهو قوله: قد يتداخلبعض العلوم في بعض المسائل ممّا كان له دخل في مهمّتين؛ لأجل كلّ منهمدوّن علم على حدة، فيصير من مسائل العلمين.
لا يقال: على هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كان هناك مهمّانمتلازمان...
فإنّه يقال: ـ مضافاً إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة ـ لا يكاد يصحّ لذلك
(صفحه20)
تدوين علمين وتسميتهما باسمين...
هذا، ولكن الحقّ أنّه لا دليل على امتناعه عادة. هذا أوّلاً.
وثانياً: بأنّ الغرض الواحد الذي يترتّب على مسائل العلوم إمّا أن يكونواحداً شخصيّاً وحقيقيّاً، مثل قولك: «زيدٌ واحدٌ» فـ «زيد» واحد شخصيوحقيقي لا يقبل التعدّد والتكثّر. وإمّا أن يكون واحداً نوعيّاً، مثل قولك:«الإنسان واحدٌ» فـ «الإنسان» واحد نوعي؛ لأنّه نوع له مصاديق وأفرادمتعدّدة مشتركة جميعاً في الإنسانيّة. وإمّا أن يكون واحداً عنوانيّاً، وهو قديتحقّق في اُمور اعتباريّة شرعيّة، مثل قولك: «الصلاة واحدةٌ» ففيها اجتمعتالمقولات المختلفة المتباينة التي جعلها اعتبار الشرع شيئاً واحداً، وقد يتحقّقفي اُمور اعتباريّة عرفيّة، مثل قولك: «السكنجبين واحدٌ». ومنه عنوان أهلالبيت عليهمالسلام الذي يكون مصداقاً لآية التطهير، وهم: «عليّ وفاطمة وبنيها»، كمتحقّق في محلّه.
وعلى أيُّ تقدير لا تكشف وحدة الغرض عن وجود جامع ماهويوحداني بين تلك المسائل، فإنّ الواحد في القاعدة التي ذكرناها في المقدّمةالثانية ـ أي الواحد لايصدر إلاّ من الواحد ـ واحدٌ شخصي وحقيقي بلا شبهةوإشكال، بمعنى أنّ المعلول الذي يكون له وحدة حقيقيّة شخصيّة لا معنى بأنيكون معلولاً لعلّتين أو علل متعدّدة.
إن قلت: إنّ الواحد في المقدّمة الاُولى أيضاً واحد شخصي تبعاً للمقدمةالثانية، بل لابدُّ منه؛ لأنّها قضيّة منطقيّة، ولابدّ فيها من وحدة حدّ الوسطللاستنتاج، فإن كان الواحد في المقدّمة الاُولى نوعيّاً أو عنوانيّاً فلا يناسبالواحد الشخصي الذي يكون في الثانيّة، فلا يستفاد من القضيّة نتيجة،
(صفحه 21)
كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه.
قلنا: إنّ الغرض الواحد يترتّب على مجموع المسائل من حيث المجموع، لعلى كلّ مسألة مسألة بحيالها واستقلالها، كما أنّ الغرض المترتّب على علمالنحو ـ أي صون اللسان عن الخطأ في المقال ـ متّصفٌ بوحدة شخصيّة،ومعلوم أنّ المؤثّر في تحقّق هذا الغرض ليس قاعدةً من قواعد النحو، بل المؤثّرفيه المجموع من حيث هو مجموع، فتكون كلّ مسألة منها جزء السبب لتمامه، نظير ما يترتّب من الغرض الواحد على المركّبات الاعتباريّة الشرعيّة،كترتّب المعراجيّة على الصلاة ـ مثلاً ـ فإنّ المؤثّر فيها مجموع الأجزاء المركّبةبما هو مجموع، لا كلُّ جزء جزء منها، ولذا لو انتفى أحد أجزائها انتفى الغرض،فوحدة الغرض بهذا النحو لا تكشف عن وجود جامع وحداني بين المسائلبقاعدة عدم صدور الواحد إلاّ من الواحد، فإنّ استناد الغرض إلى المجموع بمهو هو لا يكون مخالفاً لتلك القاعدة حتّى نستكشف عن وجود الجامع؛ لأنّسببيّة المجموع من حيث هو سببيّة واحدة شخصيّة، فالاستناد إليه استنادمعلول واحد شخصي إلى علّة واحدة شخصيّة لا إلى علل كثيرة.
ومقامنا من هذا القبيل، فإنّ المؤثّر في الغرض الذي يترتّب على مجموعالقضايا والقواعد هو المجموع من حيث المجموع، لا كلّ واحدة واحدة منها،فحينئذٍ لا سبيل لنا إلى استكشاف وجود جامع ذاتي بين المسائل، فإنّ نسبةالغرض إلى المسائل نسبة الكلّ إلى الجزء، لا نسبة الكلّي إلى مصاديقهوأفراده، يعني نسبة الغرض إلى المسائل نسبة «زيد» إلى أجزائه، لا نسبةإنسان إلى مصاديقه، وهذا هو الفرق بين الجامع والمجموع.
وبالجملة، إن كان الواحد في المقدّمة الاُولى واحداً شخصيّاً فلا ربط له
(صفحه22)
بالجامع الذاتي أصلاً، وإن كان الواحد فيها واحداً نوعيّاً ـ بأن يكون الغرضكُليّاً ذا أفراد متعدّدة، ويترتّب كلُّ فرد منها على كلّ مسألة من المسائلبالاستقلال كما هو الصحيح ـ فالأمر واضح؛ إذ لو فرض أنّ لعلم النحوـ مثلاً ـ ثلاثة مسائل نحو: الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمضاف إليهمجرور، والغرض منه صون اللسان عن الخطأ في المقال، فحينئذٍ لو كانالمجموع من حيث المجموع مؤثّراً في الغرض فلازم ذلك أنّه لو علم شخص كُلَّمسائل علم النحو ماعدى مسألة واحدة لا يحصل الغرض المذكور، كالصلاةالتي لا تصحّ في صورة عدم صحّة جزء من أجزائها، مع أنّه لو علم شخصمسألة واحدة من علم النحو لحصل له الغرض بالنسبة إليها وتحقّق مصداقمن مصاديقه، فيكون الغرض المترتّب على علم النحو واحداً نوعيّاً.
ومن هنا يعلم أنّ لكلّ مصداق من الغرض ربطاً بمسألة من مسائل علمالنحو، فصون اللسان عن الخطأ في المقال في باب الفاعل مربوط بـ «الفاعلمرفوع»، وفي باب المفعول مربوط بمسألة «المفعول منصوب»، وهكذا،فيترتّب على كلّ مسألة غرض خاصّ غير الغرض المترتّب على مسألةاُخرى، ويتعدّد الغرض بتعدّد المسائل والقواعد، وإذا كان الأمر كذلك فلطريق لنا إلى إثبات جامع ذاتي وحداني بين موضوعات هذه المسائل؛ إذالبُرهان المذكور لو تمّ إنّما يتمّ في الواحد الشخصي البسيط لا فيما كان الواحدالشخصي ذا جهتين أو ذا جهات متعدّدة، فضلاً عن كونه واحداً نوعيّاً، فإذفرضنا الغرض واحداً نوعيّاً لا يكشف إلاّ عن جامع واحد نوعي.
وأمّا صون اللسان عن الخطأ في المقال وإن كان جامعاً بين الأغراض إلأنّه لا يكون جامعاً ذاتيّاً وحدانيّاً، فلا يناسب المقدّمة الثانية التي كان الواحد
(صفحه 23)
فيها واحداً شخصيّاً بسيطاً من جميع الجهات.
وإن كان الواحد في المقدّمة الاُولى واحداً عنوانيّاً فالحال فيه أوضح منالواحد النوعي، فإنّ القاعدة المذكورة لو تمّت إنّما تتمّ في الواحد الحقيقي لا فيالواحد العنواني، والمفروض أنّ الغرض في كثير من العلوم واحد عنواني لواحد حقيقي، فإنّ الاقتدار على الاستنباط في علم الاُصول وصون اللسانعن الخطأ في المقال في علم النحو،... ليس واحداً بالذات، بل واحد بالعنوانالذي انتزع من مجموع الأغراض المتباينة المتعدّدة بتعدد القواعد المبحوثعنها في العلوم ليشار به إلى هذه الأغراض، فكلّ قاعدة منها منوطة بغرضمن الأغراض المتباينة، فحينئذٍ كيف يكشف مثل هذا الواحد عن جامعذاتي؟! فلا يكشف الواحد العنواني إلاّ عن واحد عنواني. فالدليل الذي أقامهالمشهور لأصل احتياج العلوم إلى الموضوع ليس بتامّ.
وأقاموا أيضاً دليلاً آخر لاحتياج العلم إلى الموضوع وهو: أنّ من المسائلالتي تبحث في المقدّمة مسألة تمايز العلوم.
وقال بعض المحقّقين ـ كالمحقّق الخراساني(1) والمحقّق العراقي(2) وآخرين ـ : إنّتمايز العلوم يكون بتمايز الأغراض، فإذا كان الغرض واحداً فيكون العلم أيضواحداً، وإذا كان الغرض متعدّداً فيكون العلم أيضاً متعدّداً.
ولكنّ المشهور بين العلماء أنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، والظاهر منهذا القول أنّ العلوم تحتاج إلى الموضوع، وإلاّ كيف يكون تمايز العلوم بتمايزالموضوعات؟! وهذا دليل على أنّ أصل الاحتياج عندهم كان من المسلّمات.