(صفحه288)
لغرض السكونة فيها من دون تقييده بمادّة خاصة وهيئة مخصوصة، وحينئذٍإذا شكّ في جزئيّة شيء للمأمور به أو شرطيّته فلا مانع من جريان أصالةالبراءة فيه عقلاً، ولا يرجع الشكّ هنا إلى الشكّ في محصّل المسمّى؛ إذ ليس لهوجود سوى وجود الأجزاء المحقّق في الخارج.
وبعبارة اُخرى: كان المأمور به متّحداً مع المأتي به من حيث الوجود،فيكون متعلّق الأمر تسعة أجزاء منه متيقّنة ـ مثلاً ـ وأمّا الجزء العاشر منهفمشكوك، وهو مورد جريان أصل البراءة.
ولكنّ الظاهر ـ على ما ذكره المحقّق الخراساني في مقام تصوير الجامع ـ عدمإمكان جريان البراءة وإن قلنا باتّحاد الجامع مع الأجزاء الخارجيّة من حيثالوجود وإمكان الإشارة إليه من طريق العلل والمصالح؛ إذ المبنى للقائلينبالبراءة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر هو عبارة عن انحلال العلم إلىالمعلوم بالتفصيل والمشكوك، بأنّ تعلّق الأمر بتسعة أجزاء ـ مثلاً ـ مقطوع،وتعلّقه بالسورة مشكوك، فيجري في معلوم الجزئيّة حكم العلم وفي المشكوكحكم الشكّ، وحكم الشكّ في التكليف هو جريان أصالة البراءة فيه.
ولكنّ المحقّق الخراساني بعد قوله بأنّ الجامع أمر بسيط ملازم للمطلوب ليمكنه القول بالانحلال؛ إذ لا معنى للانحلال في أمر بسيط، بل مورده هو الأمرالمركّب، فالانحلال لا يناسب بساطة الجامع؛ إذ هو فرع التركّب والتعدّد،فلابدّ له من الرجوع إلى الاشتغال.
والحاصل: أنّ جريان الاشتغال لا ينحصر بالشكّ في المحصِّل والمحصَّلوتعدّد الوجود بينهما، بل لابدّ له قدسسره أيضاً من القول بالاشتغال بعد قوله بأنّالمأمور به أمر بسيط؛ إذ المبنى للبراءة هو الانحلال، ولا معنى له هنا كما قال به
(صفحه 289)
أيضاً المحقّق النائيني قدسسره . هذا تمام كلامه دام ظلّه.
ولكن الصحيح أنّ المحقّق الخراساني قدسسره قائل بكون المأمور به أمراً بسيطلازماً مساوياً للمطلوب، وأنّه متّحد مع المأتي به الذي تركّب من مقولاتمتباينة، فقد مرّ منه قدسسره : أنّ وجود الجامع ليس إلاّ الوجود المركّب الخارجي،بل كان تحقّقهما بوجود واحد، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بعدم معقوليّة هذا المعنىبين المأمور به والمأتي به، ولكنّ الظاهر أنّ هذا المعنى مسلّم عند المحقّق النائينيوالإمام ـ دام ظلّه ـ ولذا لم يعترضا عليه من هذه الجهة. وإذا كان الأمر كذلكفلا مانع من تحقّق الانحلال ههنا أيضاً؛ إذ لا فرق بين كون المسمّى أمراً مركّباً،أو أمراً بسيطاً متّحداً مع المركّب، فيجري الانحلال فيهما معاً كما هو المعلوم.
فالحقّ مع المحقّق الخراساني، وترتّب هذه الثمرة على النزاع ليس بصحيح،فلا يكون جريان البراءة أو الاشتغال في صورة الشكّ في الجزئيّة متفرّعاً علىالقول بالصحيح أو الأعمّ هنا.
ومنها ـ أي الثمرة ـ : ما ذكره جماعة ـ منهم المحقّق الخراساني قدسسره ـ وهو: أنّه ليجوز التمسّك بالإطلاق أو العموم على القول بوضع ألفاظ العبادات للصحيح؛لنفي جزئيّة شيء مشكوك أو شرطيّته؛ لعدم إحراز المسمّى مع الشكّ فيالجزئيّة أو الشرطيّة، ويجوز التمسُّك به على القول بالأعمّ إذا لم يكن المشكوكمحتمل الركنيّة، فإنّ موضوع الخطاب عليه بعد تماميّة مقدّمات الحكمة محرزٌ.
وتوضيح ذلك: أنّ التمسُّك بالإطلاق يتوقّف على مقدّمات:
الاُولى: كون المتكلّم في مقام البيان.
الثانية: عدم قدر متيقّن في مقام التخاطب مع تعلّق الحكم بالجامع القابلللانقسام إلى قسمين أو أقسام.
(صفحه290)
الثالثة: عدم نصب قرينة على التعيين.
فإذا تحقّقت هذه المقدّمات يجوز للأعمّي التمسّك بالإطلاق لدفع كلّ ماحتمل دخله في المأمور به جزءً أو شرطاً، فإنّه قائل بأنّ المأمور به عبارةعن الجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة، فإذا اُحرز جزئيّة عدّة من الاُموروشرطيّة عدّة اُخرى وشكّ في جزئيّة السورة ـ مثلاً ـ فلا مانع من التمسّكبالإطلاق؛ لإثبات عدم جزئيتها؛ لأنّه شكّ في اعتبار أمر زائد على صدقاللفظ.
نعم، لو شكّ في كون الشيء ركناً للصلاة أم لم يكن فلا يجوز التمسّكبالإطلاق؛ لأنّ الشكّ فيه يرجع حينئذٍ إلى الشكّ في صدق اللفظ، ومعه ليمكن التمسّك بالإطلاق كما لا يخفى.
وأمّا للصحيحي فلا يجوز التمسّك بالإطلاق في صورة الشكّ في جزئيّةشيء من الأشياء، أو شرطيّة شيء بعنوان الدخل في المسمّى؛ لأنّ المقدّمةالثانية على هذا القول مفقودة؛ إذ الأمر عليه لم يرد إلاّ على الواجد لتمامالأجزاء والشرائط، فلو شكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته فلا محالة يرجعالشكّ إلى الشكّ في صدق اللفظ على الفاقد المشكوك فيه؛ لاحتمال دخله فيالمسمّى، فكيف يمكن التمسّك بالإطلاق، مع أنّه كان التمسّك بالإطلاق متفرّععلى إحراز عنوان المطلق؟! فإذا شكّ في رقّيّة «زيد» وحرّيته لا يجوز التمسّكبإطلاق «اعتق رقبة».
نعم، إذا شكّ في أخذ قيد الإيمان فيها بعد إحراز رقيّة «زيد» يجوز التمسّكبه، كما أنّه إذا شكّ في عالميّة «زيد» لا يجوز التمسّك بعموم «أكرم العلماء»، بليجوز التمسّك به في صورة الشكّ في إكرامه بعد إحراز عالميّته، وإلاّ يوجب
(صفحه 291)
التمسّك به في الصورة الاُولى التمسّك بالعام، أو المطلق في الشبهة المصداقيّة،وهو كما ترى. وهكذا في ما نحن فيه لو تمسّك الصحيحي في صورة الشكّ فيجزئيّة السورة ـ مثلاً ـ بإطلاق «أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ» لنفي جزئيّتها كان هذا منالتمسّك بالدليل العامّ في الشبهة المصداقيّة، فإنّه قائل بدخالة جميع الأجزاءوأكثر الشرائط في المسمّى، ولا يصدق عنوان الصلاة على فاقد بعضها أصلاً.
واُورد على هذه الثمرة بأنّه لا فرق في جواز التمسّك بالإطلاق بين القولبالصحيح أو الأعمّ، فإنّا نرى أنّ الصحيحي كالأعمّي يتمسّك به فيما إذاحتمل جزئيّة شيء أو شرطيّته زائداً على القدر المتيقّن، ولذا يتمسّكالفقهاء قدسسرهم بإطلاق صحيحة حمّاد(1) ـ التي وردت في مقام بيان الأجزاءوالشرائط، حيث إنّ الإمام عليهالسلام بيّن فيها جميع أجزاء الصلاة وشرائطها ماعدالاستعاذة ـ على عدم وجوبها، بلا فرق في ذلك بين الصحيحي والأعمّي.
وهو مدفوع بما ذكرنا بعنوان الملاك؛ لعدم جواز التمسّك بالإطلاق علىالقول بالصحيح، أعني كونه من التمسّك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة الذي لميقل به أحد؛ إذ لا يمكن التمسّك بالإطلاق قبل إحراز عنوان المطلق، فكيفيمكن للصحيحي التمسّك به إذا شكّ في جزئيّة الاستعاذة ـ مثلاً ـ مع أنّ هذالشكّ يرجع إلى الشكّ في صدق اللّفظ؟! وحينئذٍ لو رأينا في مورد تمسّكهم بهفلابدّ من توجيهه بنسيانهم مبناهم هنا، وأمثال ذلك.
وأمّا الاستشهاد عليه بتمسّك الفقهاء ـ رضي اللّه عنهم ـ بإطلاق صحيحةحماد فهو خلط بين الإطلاق المقامي والإطلاق اللفظي، مع أنّ الأوّل متقوّمبسكوت المتكلّم عن البيان حينما يورد الحكم على نفس الأجزاء والشرائط
- (1) الوسائل 5: 459، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 1.
(صفحه292)
أو الأفراد، والثاني متقوّم بإحراز صدق المطلق على المورد المشكوك، وكلّ منالإطلاقين أجنبيٌّ عن الآخر، وجواز التمسّك بأحدهما لا يستلزم جواز التمسّكبالآخر.
والإطلاق في الصحيحة من قبيل الأوّل، فإنّ الإمام عليهالسلام كان في مقام بيانالأجزاء والشرائط، فكلّ ما لم نبيّنه يستكشف منه عدم دخله في المأمور به،والتمسّك به مشترك بين القائل بالصحيح والقائل بالأعمّ.
وأمّا الإطلاق اللّفظي الذي هو محلّ البحث فلا يجوز التمسّك به على القولبالصحيح دون الأعمّ.
هذا، واُورد عليها أيضاً بأنّا سلّمنا إمكان التمسّك بالإطلاق للأعمّي دونالصحيحي، ولكن إذا كان الإطلاق جامعاً لشرائط التمسّك به ـ أي تماميّةمقدّمات الحكمة ـ ولا يخفى أنّ أدلّة العبادات جميعاً في الكتاب والسنّة كانتمجملة ولم يرد شيء منها في مقام البيان، فلا يجوز التمسّك بإطلاقها على كلالقولين، فإنّها جميعاً في مقام الجعل والتشريع ولم تنظر لها إلى خصوصيّاتها منالكمّيّة والكيفيّة.
واُجيب عنه بأنّ ألفاظ العبادات وإن لم يرد شيء منها في مقام البيانوجميعها مجملة، إلاّ أنّ إمكان ترتّب هذه الثمرة يكفينا لكون المسألة اُصوليّة،فإنّ الملاك فيها إمكان وقوعها في طريق استنباط حكم فرعي كلّي لا فعليّته.
ولكنّ الظاهر أنّه ليس بتامّ؛ إذ كيف يمكن أن تكون الكبرى الكلّيّة بعنوانالثمرة ولم تكن له الصغرى والمصداق أصلاً؟! فلا فائدة في البحث بطولها معكون ثمرتها بدون المصداق.
والحقّ في الجواب: أوّلاً: بأنّ ألفاظ العبادات لا تنحصر بلفظ الصلاة، بلجميعها حتّى ألفاظ العبادات التي كان وجوبها غيريّاً داخلة في محلّ النزاع،