(صفحه298)
إلى المعروض ـ أي الماهيّة ـ فضلاً عن لوازم العرض، فلا يعقل تبادر الماهيّةالمجهولة بالذات وبالآثار من لفظ الصلاة ـ مثلاً ـ .
ومن هنا يعرف حال صحّة السلب عن الفاسد أيضاً؛ إذ القول بأنّ الصلاةالفاسدة ليست بماهيّة الصلاة متوقّف على العلم بالماهيّة بوجه من الوجوه،وإذا كانت الماهيّة مجهولة بالذات وبالآثار لتأخّرها بمرتبتين عن الماهيّة ـ كممرّ آنفاً ـ فلا يعقل سلب المجهول بما هو مجهول عن شيء، بل هو مستحيلكما لا يخفى.
ثمّ قال: يمكن تصحيح دعوى التبادر وصحّة السلب إمكاناً لا وقوعاً؛ إذليس كلّ ممكن بواقع، وهو متوقّف على بيان مقدّمتين:
إحداهما: أنّ الغرض من الوضع ـ كما مرّ ـ عبارة عن التفهيم والتفهّمبسهولة، فإنّ الإنسان بعد لحاظه أنّ إيفاء المقاصد من طريق الإشارةبالأعضاء مشكل بل مستحيل في بعض الموارد جعل الألفاظ علامة للمعانيلسهولة التفهيم والتفهّم بها، وهذا أمر جعلي اعتباري.
ثانيهما: أنّ الواضع في مقام وضع اللفظ لمعنى كلّي لا ضرورة له أن يكونعالماً بالموضوع له بجنسه وفصله وسائر الجهات، كما أنّ الواضع للأعلامالشخصيّة ـ مثل الأب ـ لا يكون عالماً بخصوصيّات جنس المولود وفصلهوخُلقه وحتّى خلقه أحياناً مع ذلك يضع لفظ «عليّ» ـ مثلاً ـ لمولوده.
وكذلك في وضع أسماء الأجناس، بلا فرق بينهما من هذه الحيثيّة؛ إذ لإشكال في قول الواضع ـ مثل يعرب بن قحطان ـ في مقام وضع كلمة الإنسانلوجود كذا: وضعت لفظ «الإنسان» لنفسي وأمثالي، مع أنّه لا دليل لنا علىعلمه بجنسه وفصله، إلاّ أنّ واضع ألفاظ العبادات على تقدير ثبوت الحقيقة
(صفحه 299)
الشرعيّة هو الشارع، ولاشكّ في أنّه عالم بماهيّة الموضوع له بتمامها وكمالها،ولكن لا دخل لعلمه بالوضع أصلاً.
ثمّ استفاد من هاتين المقدّمتين في ما نحن فيه، وقال: كما أنّ في الوضع ليلزم أن يكون الواضع واقفاً وعالماً بالموضوع له كذلك في التبادر لا يلزم أنيكون المعنى المتبادر معلوماً بجنسه وفصله حتّى يتبادر إلى الأذهان؛ إذ لا شكّفي أنّ العوام ينسبق إلى أذهانهم من كلمة «الإنسان» معنى مخصوص، مع أنّهملم يفهموا من الجنس أو الفصل شيئاً، فيمكن أن يكون الموضوع له لكلمةالصلاة ـ مثلاً ـ أيضاً غير معلوم بتمام جهاته للمتشرّعة، ولكن يتبادر منها إلىأذهانهم معنى مخصوص ينافي معنى الصوم والزكاة وأمثال ذلك، فلا يضرّ كونمعنى الصلاة مبهماً في ظرف التَبادر، وبذلك تندفع الاستحالة المذكورةويُصحّح دعوى تبادر الصحيح بحسب الإمكان العقلي، إلاّ أنّه لا دليل علىوقوعه في الخارج كذلك؛ لأنّ الصحيحي يدّعي تبادر معنى الصحيح من اللفظوصحّة السلب عن الفاسد، والأعمّي يدّعي تبادر الأعمّ منه، وعدم صحّةالسلب عن الفاسد، ولكنّ الإنصاف والوجدان يحكم بخلافهما، فكلّ منهميحتاج إلى دليل آخر. انتهى.
الكلام في أدلّة القول بالصحيح
ومن الأدلّة التي استدلّ بها على كون ألفاظ العبادات أسام للصحيحطائفتان من الروايات:في أدلّة القول بالصحيح
الاُولى: الأخبار المثبتة لبعض الآثار والخواصّ للمسمّيات، مثل كون«الصلاة معراج المؤمن»، و«الصوم جنّة من النار» إلى غير ذلك.
الثانية: الأخبار النافية للماهيّة والحقيقة في صورة فقدان بعض الأجزاء
(صفحه300)
الغير الركنيّة وبعض الشرائط، مثل: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(1) و«لا صلاةإلاّ بطهور»(2)، ونحوهما.
وأمّا تقريب الاستدلال بالطائفة الاُولى حسب ما يستفاد من كلام صاحبالكفاية: أنّه جعل ماهيّة الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعاً، وآثار وجودها الخارجيـ كالمعراجيّة ـ محمولاً في القضيّة، مع أنّا نرى ترتّب أمثال هذا العنوان علىخصوص الصلاة الصحيحة فقط لا الأعمّ، فلابدّ إمّا من الالتزام بإضمار كلمة«صحيحة» فيها والقول بأنّ حقيقة القضيّة أنّ الصلاة الصحيحة معراج المؤمن،وإمّا من الالتزام بأنّ ماهيّة الصلاة ومسمّـاها مساوق للصلاة الصحيحة،فالموضوع في الواقع هو الصلاة الصحيحة، والمحمول لوازمها، والأوّل خلافالظاهر، والثاني هو الحقّ، فيستفاد منها أنّ الموضوع له لكلمة «الصلاة» هيالصلاة الصحيحة.
ولكنّ هذا الاستدلال ليس بتامّ؛ لأنّ المعراجيّة وأمثال ذلك وإن كان مناللوازم والآثار للأفراد الصحيحة ـ والمراد من الصلاة في القضيّة المذكورة هوخصوص الصلاة الصحيحة ـ إلاّ أنّ استعمالها فيها بنحو الحقيقة غير معلومهنا، بل لقائل أن يقول: إنّها استعملت فيها بنحو المجاز بقرينة العلم بكونالمحمول في هذه الموارد من لوازم الوجود الخارجي، فإنّ الاستعمال أعمّ منالحقيقة على المشهور.
نعم، لو قلنا بأنّ الأصل في الاستعمال هي الحقيقة في مورد الشكّ ـ كما قالبه السيّد المرتضى قدسسره ـ فيتمّ الاستدلال، ولم يقل به المحقّق الخراساني قدسسره . هذا هو
- (1) المستدرك 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
- (2) الوسائل 1: 365، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
(صفحه 301)
التقريب الأوّل للاستدلال بهذه الأخبار.
التقريب الثاني للاستدلال بهذه الطائفة من الروايات: تظهر من نفس هذهالتعبيرات قاعدة كلّيّة، وهي أنّ كلّ ما هو مسمّى باسم الصلاة يكون معراجللمؤمن، ويكون قرباناً لكلّ تقي ونحوهما، ويضاف إليها ما هو المسلّم عندالصحيحي والأعمّي من أنّ الصلاة الفاسدة ليست موضوعة لشيء من هذهالآثار.
ثمّ نشكّ في أنّ خروج الصلاة الفاسدة عن عموم «الصلاة معراج المؤمن»هل يكون بنحو التخصّص أو بنحو التخصيص؟ ومن المعلوم أنّ الصحيحييقول: إنّ خروجها عنها يكون بنحو التخصّص؛ لأنّ الصلاة الفاسدة ليستبصلاة عنده، والأعمّي يقول: إنّ خروجها عنها يكون بنحو التخصيص؛ إذالصلاة الفاسدة عنده تكون من مصاديق الصلاة.
فيستدلّ الصحيحي على مدّعاه بأنّه إذا دار الأمر بين التخصّصوالتخصيص فلاشكّ في أنّ التخصّص مقدّم على التخصيص، فإنّ لازمه بقاءالعامّ على عموميّته، بخلاف التخصيص فإنّه يوجب تضييق العامّ، فإذا كانالتخصّص أولى يتمّ الاستدلال حسبما استفدنا من قوله صلىاللهعليهوآله : «الصلاة معراجالمؤمن»(1) فإنّ كلّ ما هو مسمّى بهذا الاسم يكون معراجاً للمؤمن، فيكونالمسمّى والموضوع له لكلمة الصلاة عبارة عن الصلاة الصحيحة لا الأعمّ.
ولكنّ هذا الاستدلال أيضاً ليس بتامّ؛ لأنّ مسألة تقدّم التخصّص علىالتخصيص ممّا لا شبهة فيه ولكنّه في مورده، فلابدّ لنا من توضيح ذلك بذكرمثالين هنا، فلو قال المولى: «أكرم كلّ عالم»، ثمّ قال في دليل منفصل آخر:
- (1) الاعتقادات للمجلسي: 29.
(صفحه302)
«لا تكرم زيداً» وكان في الخارج زيدان أحدهما عالم والآخر ليس بعالم، فلوشكّ في أنّ المراد من زيد منهيّ الإكرام هو زيد العالم أو غير العالم؟ فإن كانمراد المولى هو الأوّل فهذا يوجب تخصيص العامّ، وإن كان مراده هو الثانيفهذا حكم مستقلّ لا يوجب التخصيص في العامّ، بل كان خروج «زيد» عنالعامّ بنحو التخصّص، وفي هذا المورد يحكم العقلاء بتقدّم التخصّص علىالتخصيص وأنّ مراد المولى هو «زيد» الجاهل، والخصوصيّة الموجودة في هذالمورد هو وقوع ترجيح التخصّص في طريق استكشاف مراد المولى.
وأمّا لو قال المولى: «أكرم كلّ عالم» ثمّ قال في دليل منفصل آخر: «لا تكرمزيداً» وكان في الخارج زيدٌ واحدٌ، ولا نعلم أنّه عالم أو غير عالم، وحينئذٍ لترديد في مراد المولى، بل الترديد في أنّه هل يكون عالماً حتّى يكون خروجهعن «أكرم كلّ عالم» على نحو التخصيص أم يكون جاهلاً حتّى يكون خروجهعنه بنحو التخصّص؟ فهذا الأمر أيضاً دائر بين التخصّص والتخصيص، ولكنلا وجه لتقدّم التخصّص على التخصيص في هذا المورد؛ إذ لا ترديد في مرادالمولى حتّى يكون المخاطب في صدر استكشافه، بل الغرض من تقديمه ارتفاعالجهل عن نفسِهِ، ولا يحكم العقلاء في هذا المورد بتقدّمه، ولا أقلّ من الشكّ فيعدم تقدّمه، وليست هناك قاعدة كلّيّة تنصّ على أنّه إذا دار الأمر بينالتخصّص والتخصيص فالترجيح مع التخصّص، بل مورده وقوعه في طريقاستكشاف مراد المولى فقط.
والظاهر أنّ ما نحن فيه يكون من قبيل المثال الثاني؛ إذ لا نشكّ في مرادالمولى من قوله: «الصلاة» هو: «الصلاة معراج المؤمن» سيّما بعد إضافة القاعدةالكلّيّة المذكورة إليه، ولا شكّ في أنّ الصلاة الفاسدة ليست معراجاً للمؤمن،