(صفحه364)
في المشتقّ
الأمر الثالث عشر
في المشتقّ
يتصوّر لإطلاق لفظ المشتقّ وحمله على الذات حالات ثلاث: فإنّه قديطلق على المتلبّس بالمبدأ فعلاً، كقولك: «زيد اليوم ضارب»، ولا إشكال فيأنّ هذا الإطلاق إطلاق حقيقي، وقد يطلق على الذات بلحاظ تلبّسها بالمبدفي المستقبل، كقولك: «زيد ضارب»، ولا خلاف في أنّه إطلاق مجازي، وقديطلق على مَن انقضى وانصرم عنه المبدأ بلحاظ تلبّسه به في الماضي، كقولك:«زيد ضارب»، وإنّما الكلام والإشكال في أنّه إطلاق مجازي أو حقيقي؟ وقبلتحقيق البحث وتدقيقه ينبغي التنبيه على اُمور؛ لتوضيح محلّ النزاع في المقام،وهي:
(صفحه 365)
(صفحه366)
الأمر الأوّل
في أنّ النزاع في باب المشتقّ عقلي أو لغوي؟
فإنّه إذا كان عقليّاً فيدور النزاع مدار حكم العقل، مثل: النزاع في مقدّمةالواجب بأنّه هل يلازم عقلاً وجوب ذي المقدّمة وجوب المقدّمة أم لا؟ وإذكان لغويّاً يدور النزاع مدار حكم الوضع والواضع بأنّه حين وضع هيئةالفاعل ـ مثلاً ـ لاحظ معنى مشتركاً بحيث يعمّ حال النسبة وحال انقضاءالمبدأ عن الذات ثمّ وضعها له، أم لاحظ خصوص حال التلبّس ووضعها له؟
والحقّ أنّ النزاع لغويٌ، ولكن يستفاد من كلمات المحقّق النائيني قدسسره (1) أنّهعقليّ على ما في تقريراته، حيث إنّه قال: والسرّ في اتّفاقهم على المجازيّة فيالمستقبل والاختلاف فيما انقضى هو: أنّ المشتقّ لمّا كان عنواناً من قيام العرضبموضوعه، من دون أن يكون الزمان مأخوذاً في حقيقته وقع الاختلافبالنسبة إلى ما انقضى عنه المبدأ، حيث إنّه قد تولّد عنوان المشتقّ لمكانقيام العرض بمحلّه في زمان الماضي، وهذا بخلاف مالم يتلبّس بالمبدأ بعد،فإنّه لم يتولّد عنوان المشتقّ؛ لعدم قيام العرض بمحلّه، فكان للنزاع في ذلك
- (1) فوائد الاُصول 1: 82 .
(صفحه 367)
مجال دون هذا.
فيستفاد من تعليله أنّه قائل بعقليّة النزاع في المقام، وإلاّ لابدّ أن يقيمالدليل على أنّ الواضع وضع لفظ المشتقّ للمعنى الأعمّ من المتلبّس ومانقضى عنه المبدأ، ولكنّ أصل كلامه ليس بتامّ، فإنّ العقل ناظر إلىالحقائق والواقعيّات ولا يكون من أهل المسامحة، فحينئذٍ بعد القولبأنّ المشتقّ عنوان يتحقّق من قيام العرض بالمعروض يحكم العقل بأنّ«زيداً» اليوم لا يكون متلبّساً بالعرض حقيقة؛ إذ لا فرق عقلاً بين المتلبّسبالمبدأ في ما مضى والتلبّس به في المستقبل، ويصدق الفاقديّة للعرض علىالذات في كلتا الصورتين بلا فرق بينهما أصلاً، وهذا بعينه دليل على أنّ المسألةلغويّة لا عقليّة، وحينئذٍ لابدّ لنا من تبعيّة الوضع متعبّداً وملاحظة أنّالموضوع عنده عبارة عن خصوص المتلبّس بالمبدأ أو الأعمّ من المتلبّسبالفعل ومن قضى.
ويستفاد أيضاً عقليّة المسألة عنده من تعليله لخروج العناوين الذاتيّة عنمحلّ النزاع بأنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته، وإنسانيّة الإنسان ليستبالصورة الترابيّة، بل إنّما تكون بالصورة النوعيّة التي بها يمتاز الإنسان عنغيره. وإقامة هذا الدليل الفلسفي دليل على أنّه قائل بأنّ المسألة عقليّة، مع أنّالمسألة لغويّة ولا ربط لها بالعقل أصلاً، كما لا يخفى على المتأمّل.
الأمر الثاني: في أنّ أيّ العناوين داخلة في محلّ الكلام، وأيّ العناوينخارجة عنه، ولا يخفى أنّ هنا حيثيّتين، ولابدّ من انفكاك كلّ منهما عنالاُخرى وإن اخلطتا في تقريرات(1) الإمام قدسسره على المقرّر، وهكذا خلط بينهم
(صفحه368)
في كتاب المحاضرات(1):
الاُولى: في كيفيّة ارتباط العنوان مع الذات، بأنّ ارتباطه معها بأيّ نحو كانحتّى يدخل في محلّ النزاع؟
الثانية: في جهة المعنى الاشتقاقي للعناوين، فإنّه إذا تحقّق الضرب ـ مثلاً من «زيد»، فإن لاحظنا هذا الارتباط بصورة «زيد ضرب» فهو خارج عنمحلّ النزاع، وإن لاحظناه بصورة «زيد ضارب» فهو داخل في محلّ النزاع.
الحيثيّة الاُولى: لا إشكال ولا خلاف في أنّ العناوين المنتزعة عن الذاتبلا واسطة أمر خارج عنها ـ كالإنسانيّة والحيوانيّة والناطقيّة للإنسان خارجة عن محلّ النزاع في باب المشتقّ، فلا يقال للتراب: إنّه إنسان حقيقةولا مجازاً باعتبار أنّه كان إنساناً في ما مضى.
إنّما الكلام في دليله، فالمحقّق النائيني قدسسره (2) وصاحب المحاضرات(3) ذكرا دليلله؛ بأنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته، فإذا فرضنا تبدّل الإنسان بالتراب فمهو ملاك الإنسانيّة ـ وهي الصورة النوعيّة ـ قد انعدم وزال ووجدت حقيقةاُخرى وصورة نوعيّة ثانية، ولا يصدق الإنسان على التراب بوجه منالوجوه، ولا معنى لأن يقال: إنّ إطلاق الإنسان على التراب حقيقة أو مجاز.
وفيه: أوّلاً: أنّه قد مرّ آنفاً أنّ المسألة لا تكون عقليّة حتّى يحتاج إلى دليلعقلي، بل هي مسألة لغويّة ومنوطة بوضع الواضع.
وثانياً: أنّ هذا الدليل منقوض بأمثال الخلّ والخمر، فإنّ الخلّ إذا صار
- (1) محاضرات في اُصول الفقه 1: 218.
- (2) فوائد الاُصول 1: 84 .