(صفحه 371)
يجري في كلّ عنوان يتّحد مع الذات وينطبق عليها.
وقال صاحب الفصول قدسسره (1) باختصاص محلّ النزاع باسم الفاعل ومبمعناه، كالمصادر المستعملة بمعنى اسم الفاعل، وكالأسماء المنسوبة مثل: القميوالطهراني والبغدادي وغير ذلك، كما يدل على هذا المعنى تمثيلهم بذلك، وكميدلّ عليه احتجاج الأعمّي بإطلاق اسم الفاعل على الأعمّ دون بقية الأسماء.
والإنصاف أنّ هذين الدليلين في كمال الضعف، فهما غير قابلين للتمسّكبهما، فإنّ التمثيل به والإطلاق في مقام الاستدلال لايدلّ على الانحصار قطعاً.
ولكنّه قدسسره استدلّ لخروج بقية الأسماء بأنّ من أسماء المفعول ما يطلق علىالأعمّ كقولك: هذا مقتول زيد أو مصنوعه أو مكتوبه، ومنها: ما يطلق علىخصوص المتلبّس، نحو: هذا مملوك زيد أو مسكونه أو مقدوره، ولم نقف فيهعلى ضابطة كلّيّة، والمرجع فيه إلى العرف، واسم الزمان حقيقة في الأعمّ، وكذاسم المكان، واسم الآلة حقيقة فيما اُعدّ للآليّة أو اختصّ بها، حصل المبدأ أو لميحصل بعد، وصيغة المبالغة فيما كثر اتّصافه بالمبدأ عرفاً. انتهى كلامه قدسسره .
ومحصّل كلامه أنّه لابدّ من كون المشتقّ في هذه الموارد موضوعاً للأعمّ،فاختلاف مبادئ المشتقّات الموجب لاختلاف أنحاء التلبّسات يوجب خروجماعدا اسم الفاعل وما يلحق به عن حريم النزاع.
وأجاب عنه في الكفاية(2): أوّلاً: بأنّ منشأ زعم بعض الأجلّة توهمّ كونما ذكره لكلّ منها من المعنى ممّا اتّفق عليه الكلّ، مع أنّه ليس في محلّه؛ لعدمتبيّن مفهوم سائر المشتقّات كاسم الفاعل؛ لكونها محلاًّ للخلاف أيضاً.
- (1) الفصول الغرويّة: 59 ـ 60.
- (2) كفاية الاُصول 1: 58 ـ 59.
(صفحه372)
وثانياً: بأنّ اختلاف أنحاء التلبّسات بحسب اختلاف المبادئ لا يوجبتفاوتاً في وضع هيئة المشتقّ، وإن كان يوجب اختلافاً في كيفيّة التلبّس، فإنّالمبدأ إن كان فعليّاً يزول التلبّس به بسرعة كالشرب ـ مثلاً ـ فالتلبّس به هوالاشتغال بالشرب وبانتهائه ينقضي عنه المبدأ، وإن كان ملكة كالاجتهادفالتلبّس به هو بقاء ملكته وإن لم يكن له استنباط فعلي، وإن كان الشأنيّةفالتلبّس به هو بقاء شأنيّته كالمفتاح، فإنّ التلبّس بالمفتاحيّة بقاؤه على الهيئةالمفتاحيّة، وإن كان الصناعة كالخياطة والنجارة ونحوهما فإنّ التلبّس بميتحقّق بالممارسة، ولا تنقضي إلاّ بالإعراض، فيصدق الخيّاط والنجّار والبقّالعلى تاركي هذه المبادئ لا بقصد الإعراض، فاختلاف هذه المبادئ من حيثالفعليّة والشأنيّة، وغيرهما لا يوجب اختلافاً فيما هو المبحوث عنه في المقامـ أعني وضع هيئة المشتقّ ـ فإن قلنا بوضع هيئة المشتقّ لخصوص المتلبّسبالمبدأ، فيكون إطلاق المشتقّ على الذات بعد انقضاء المبدأ الفعلي عنها علىنحو المجازيّة، وإن قلنا بوضعها للأعمّ، فيكون إطلاقه عليها بعد انقضائه علىنحو الحقيقة.
وأمّا قولك: «هذا مقتول زيد» إن كان المراد منه مَن وقع عليه القتل فهوحقيقة على القول بالأخصّ، ومجاز على القول بالأعمّ، وإن كان المراد منه منزهقت روحه بواسطة «زيد» فهو حقيقة على كلا القولين.
والحقّ في المقام بعد الدقّة والتأمّل مع المحقّق الخراساني قدسسره كما لا يخفى،ويدخل أيضاً في محلّ النزاع باب النسبة كالقمي والخراساني والحمّامي وأمثالذلك، فإنّ ملاك البحث ـ أي الاتّحاد والانطباق على الذات ـ موجود فيه،ويدخل أيضاً فيه ما كان جارياً على الذات ومنتزعاً عنها بواسطة أمر خارج
(صفحه 373)
عنها ولو كان جامداً كعنوان الزوج والزوجة والرقّ والحرّ، كما يشهد بهماذكره العلاّمة في القواعد(1) وفخر المحقّقين في الإيضاح(2) في باب الرضاع فيمسألة مَن كانت له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة وقد أرضعت الكبيرتانالصغيرة. قال صاحب الإيضاح: «تحرم المرضعة الاُولى والصغيرة مع الدخولبالكبيرتين، وأمّا المرضعة الاُخرى ففي تحريمها خلاف، فاختار والديالمصنف رحمهالله وابن إدريس تحريمها؛ لأنّه يصدق عليها اُمّ زوجته؛ لأنّه لا يشترطفي المشتقّ بقاء المشتقّ منه هكذا ههنا»، انتهى.
مع أنّ تقيّد الدخول بالكبيرتين في كلامه لايخلو من مسامحة؛ لأنّملاك الحكم في المسألة هو الدخول بالكبيرة الاُولى كما سنبيّنهإن شاء اللّه تعالى.
ولكنّ التحقيق: أنّ حرمة المرضعة الاُولى والصغيرة ممّا اتّفق عليه الكلّ كميدلّ عليه الإجماع المصرّح به في كلام صاحب الإيضاح والروايات(3) العديدةوالصحيحة، إلاّ أنّه ينبغي ملاحظة المسألة على مقتضى القاعدة الأوليّةوالعناوين الكلّيّة مع قطع النظر عن الإجماع والروايات.
وأمّا الصغيرة فتحرم على الزوج، فإنّ اللبن إذا كان منه فهي بنت له، وإذكان من غيره فهي بنت الزوجة المدخول بها، وكلا العنوانين قد ثبتت حرمتهمفي الكتاب والسنّة، كقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَ تُكُمْوَعَمَّـتُكُمْ وَخَــلَـتُكُمْ وَبَنَاتُ الاْءَخِ وَبَنَاتُ الاْءُخْتِ وَأُمَّهَـتُكُمُ الَّـتِىآ أَرْضَعْنَكُمْوَأَخَوَ تُكُم مِّنَ الرَّضَـعَةِ وَأُمَّهَـتُ نِسَآلـءِكُمْ وَرَبَـآلـءِبُكُمُ الَّـتِى فِى حُجُورِكُم
- (3) الوسائل 20: 402، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(صفحه374)
مِّن نِّسَآلـءِكُمُ الَّـتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ»(1).
ومثله الروايات(2) المعتبرة التي تدلّ على حرمة بنت الزوجة ولو كانت منالزوجة المنفصلة عنه بطلاق أو نحوه، فالصغيرة محرّمة عليه مؤبّداً.
وأمّا الكبيرة الاُولى فقد استدلّ على حرمتها بأنّه يصدق عليها عنوان اُمّالزوجة الفعليّة، وهي محرّمة بلا إشكال، وتقريب الاستدلال على وجهين:
أحدهما: ما قال به بعض الأعاظم وهو: أنّ انتفاء الزوجيّة مسبّب عنالاُميّة والبنتيّة، ومعلوم أنّ المسبّب متأخّر رتبته عن السبب، ومعناه أنّالمسبّب لا يتحقّق في رتبة السبب، فلا محالة يتحقّق نقيضه ـ يعني الزوجيّة وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين، فيتحقّق في رتبة السبب عنوان الزوجيّة، فيصدقعنوان اُمّ الزوجة الفعليّة الحقيقيّة في هذه الرتبة.
وفيه: أنّ الواقع وإن كان كذلك بحسب الدقّة العقليّة إلاّ أنّ العرف لا يرىكذلك، فإنّه يقول: هي اُمّ من كانت زوجة، لا اُمّ الزوجة، والمتّبع هنا نظرالعرف ـ كما في مسألة بقاء الدم وعدمه بعد بقاء لونه في الثوب ـ وإن كان مخالفلما حكم به العقل.
وثانيهما: ما قاله صاحب الجواهر قدسسره (3): وهو: أنّ الاُمّيّة والبنتيّة وانتفاءالزوجيّة كلتاهما معلولتان لعلّة واحدة في عرض واحد بلا تقدّم وتأخّر، وهيتحقّق الارتضاع، ولذا لا يكون بين المعلولين فاصلة قطعاً، فهذه المرأة حقيقة اُمّالزوجة؛ لعدم الفصل الزماني بين الاُمّيّة، والزوجيّة، فلا يحتاج إلى النزاع فيباب المشتقّ أصلاً.
- (2) الوسائل 20: 457، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
- (3) جواهر الكلام 29: 329 ـ 330.
(صفحه 375)
وفيه: مع ما اُورد على بعض الأعاظم ـ أنّ مجرّد عدم الفصل زماناً ليقتضي التقارن ـ فإنّ زوجيّة الصغيرة قد انقضت بتحقّق الرضاع المحرّم، فزمانتحقّق الرضاع هو زمان ارتفاع الزوجيّة عنها، وذلك الزمان بعينه هو زمانتحقّق عنوان الاُمّيّة للكبيرة، فصدق عنوان الاُمّيّة للكبيرة والزوجيّة للصغيرةفي زمان واحد غير معقول، فكيف تكون اُمّ الزوجة حقيقة؟! فالحرمة فيالكبيرة الاُولى مثل الكبيرة الثانية مبتنٍ على النزاع في باب المشتقّ، إلاّ أنّالإجماع والروايات الصحيحة حاكمة على حرمة المرضعة الاُولى قبل النزاعفي باب المشتقّ، وأمّا المرضعة الثانية فحكمه مبتنٍ على النزاع في هذا الباب.