(صفحه380)
العامّ فلابدّ من انسباق الذهن إلى مفهوم الظرف بمجرّد سماع هيئة «مفعل» فإنّهمعناها، وهو خلاف المتبادر عند العرف، وإن فرض بصورة الوضع العامّوالموضوع له الخاصّ؛ بأنّ الواضع لاحظ مفهوم الظرف ووضع هيئة «مفعل»لمصاديقه وكان له في الخارج مصداقان، أي الزمان والمكان.
وفيه: أوّلاً: أنّ لازم ذلك كون الوضع في جميع المشتقّات كذلك، وهوكماترى.
وثانياً: أنّ أصل الإشكال يعود بحاله، فإنّ الوضع العامّ والموضوع لهالخاصّ نوع من الاشتراك اللفظي كما مرّ ـ وإن كان أصل إمكان هذا القسممن الوضع مخدوشاً عندنا ـ إذ يتحقّق عنوان الاشتراك اللفظي بلحاظ تعدّدموضوع له وإن لم يكن الوضع متعدّداً، وكأنّه تحقّق هنا وضع مستقلّ لاسمالزمان ووضع مستقلّ آخر لاسم المكان، فلابدّ من خروج اسم الزمان عنمحلّ النزاع؛ إذ لا يتصوّر له من قضى عنه المبدأ.
وثالثاً: أنّه إذا قلنا بأنّ يوم عاشوراء مقتل الإمام الحسين عليهالسلام كانالعاشوراء معنى كلّيّاً، وهو عبارة عن يوم العاشر من المحرّم الحرام، وهوعنوان ثابت يتحقّق في كلّ سنة، فاليوم العاشر من المحرّم سنة «61» تلبّسبالمبدأ، واليوم العاشر من المحرّم في السنوات الاُخر انقضى عنه المبدأ، فيدخلاسم الزمان في محلّ النزاع.
وفيه: أنّ البحث هنا لا يكون في مفاد يوم العاشر، بل البحث في معنى هيئة«مفعل» والقول بأنّ قتل الحسين عليهالسلام وقع في يوم عاشوراء، وعاشوراء كلّيقابل للدوام لا يوجب حلّ الإشكال، فإنّ هذا نظير تلبّس الفرد بالمبدأ،وانتساب بقائه إلى فرد آخر من ماهيّته، وهو كما ترى.
(صفحه 381)
ورابعاً: أنّ الاتّصال مساوق مع الوحدة، ولذا لا تعدّد في الزمان.
وفيه: أنّ هذا بحث فلسفي، ولكنّ العرف يرى الزمان ممّا يوجد وينقضي.
فالحقّ أنّ الإشكال لايكون قابلاً للجواب، فلابدّ من الالتزام بخروج اسمالزمان عن محلّ النزاع.
(صفحه382)
الأمر الثالث
في خروج الأفعال والمصادر من النزاع
لا شكّ في أنّ للمشتقّات تحقّق مادّة الاشتقاقي، ويعبّر عنه بمشتقّ منه،ولكنّ الاختلاف في أنّها عبارة عن المصدر أو الفعل، وهكذا في كيفيّة وضعها،وحكي عن الكوفيّين أنّها عبارة عن المصدر، وعن البصريّين أنّها عبارة عنالفعل، وكلا القولين واضح البطلان؛ إذ لابدّ في المادّة من كونها محفوظة بلفظهومعناها في جميع المشتقّات، ولا تتحقّق هذه الخصوصيّة فيهما؛ إذ الظاهر منالفعل ههنا هو الفعل الماضي، وكان له معنىً خاصّاً وهيئة خاصّة، وليسأحدهما موجوداً في أحد المشتقّات، فإنّ هيئته آبيةٌ عن ورود هيئة اُخرىعليه، ومعناه مباين لمعنى سائر المشتقّات كما لا يخفى.
وأمّا المصدر فإن كان معناه مشتملاً على النسبة ـ مثل الضرب الذي يعبّرعنه بالفارسي بـ «كتك زدن» ـ فهو أيضاً لايحفظ لفظه ولا معناه في سائرالمشتقّات، وأمّا إن كان معناه خالياً عن النسبة ـ مثل أن يعبّر عن الضرببالفارسي بـ «كتك» ـ فهو وإن كان معناه محفوظاً في سائر المشتقّات إلاّ أنّهيئته ليست بمحفوظة.
فالتحقيق كما قال المحقّقون من المتأخّرين: إنّ مادّة المشتقّات عارية
(صفحه 383)
عن جميع الهيئات وليست لها هيئة خاصّة، ولا تكون فيها خصوصيّة سوىترتيب حروفها وعدم الزيادة والنقيصة فيها، فوضع الواضع حروف «ض» و«ر» و «ب» لمعنى خالياً عن النسبة، وحينئذٍ كان لفظ المادّة ومعناها محفوظينفي جميع المشتقّات.
واُورد على هذا الكلام إشكالات متعدّدة، ولكنّ جميعها قابل للدفع.
منها: أنّ اللفظ عبارة عن المادّة والهيئة، ولا يقال للمادّة بدون الهيئة: لفظاً؛لأنّ المادّة الخالية عن التحصّل لا تكون قابلة للتلفّظ، مع أنّ اللفظ الموضوعلابدّ من كونه قابلاً للتلفّظ به.
وجوابه: أنّ اللفظ لا يستعمل بدون الهيئة أبداً، ولكن الغرض من وضعالمادّة ليست الإفادة الفعليّة، بل هي موضوعة بالوضع التهيّئي لاستعمالاتاشتقاقيّة، فلا يكون وضعها وضعاً مستقلاًّ في قبال وضع المشتقّات؛ إذ لنحتاج إلى إفادة نفس المادّة إلاّ قليلاً، وتهيّؤ الواضع لهذا الاستعمال النادر هيئةمخصوصة كما سيأتي في الجواب عن الإشكال الثاني.
ومنها: أنّ اسم المصدر وكذا المصدر موضوع لنفس الحدث الخالية عنالنسبة، كما هو المشهور بين النحويّين، وعلى هذا لا فائدة في وضعه للحدثالعارية عن النسبة بعد وضع المادّة له أيضاً.
وجوابه: أنّ هيئة اسم المصدر لا تفيد معنى وراء ما تفيد مادّتها؛ لأنّ المادّةوضعت لنفس الحدث، لكن لا يمكن التلفّظ بها، وربّما نحتاج إلى إظهار ذلك،فوضعت هيئته لا لإفادة معنى من المعاني، بل لكونها آلة للتلفّظ والتنطقبالمادّة.
ومنها: أنّ لازم ذلك هو دلالة المادّة على معناها وإن تحقّقت في ضمن هيئة
(صفحه384)
غير الموضوعة ـ مثل «ضرب» بكسر وضم الضاد وسكون الراء ـ مع أنّهليس كذلك.
وجوابه: أنّ للمادّة ثلاث خصوصيّات وهي عبارة عن الحروف الثلاثة«ض، ر، ب» ليس إلاّ الترتيب، والانحصار في الهيئات الموضوعة، والمشتقّاتالمحدودة.
ومنها: أنّه يلزم على القول باستقلال كلّ من المادّة والهيئة في الوضع دلالتهمعلى المعنيين المستقلّين بتعدّد الدال والمدلول، فيكون لفظ الضارب ـ مثلاً حين الاستعمال بمنزلة اللفظين الدالّين على المعنيين، مع أنّه لا فرق بينه وبينلفظ «زيد» في وحدة الدال والمدلول.
وجوابه: أوّلاً: أنّ هذا الإشكال مشترك الورود؛ إذ لا تخلّص منه ولو قلنبما قال به الكوفيّون أو البصريّون، فإنّ كلّ لفظ كانت له حيثيّتان مستقلّتانيرد عليه هذا الإشكال، وأمّا لفظ «زيد» فكان وضعه شخصيّاً؛ إذ الواضعلاحظ مادّة وهيئة مخصوصة ثمّ وضعها لهيكل مخصوص.
وثانياً: أنّ الإشكال مردود من أصله، فإنّه وإن كان للمشتقّات حيثيّتانمن جهة الوضع ولكن مع ذلك لا تكون لها دلالتان؛ لأنّ المادّة متحصّلةبتحصّل الهيئة، ولا تحقّق لها بدون الهيئة فهي متّحدة معها، ودلالتها على المعنىمندكّة في دلالة الهيئة، فيكون بين المادّة والهيئة نحو اتّحاد في الدلالة، مثل اتّحادالهيولى مع الصورة في عالم التكوين، فالمادّة وإن كانت مستقلّة في قبال الهيئةحين الوضع، إلاّ أنّها ليست كذلك حين التحصّل والاستعمال.
والحاصل: أنّ ما قال به المتأخّرون في مادّة الاشتقاق، وكيفيّة وضعهيناسب حقيقة الاشتقاق.