ولكنّه أيضاً يرجع إلى التبادر؛ إذ المتبادر من القائم هو خصوص المتلبّسبالمبدأ، ولذا يكون بينه وبين القاعد مضادة، ولو لم يكن التبادر يمكن القولبعدم المضادّة بين القائم والقاعد، وهكذا بين الأسود والأبيض، فالعمدة منالأدلّة ـ وهو التبادر وغيره ـ إمّا لا أساس له، وإمّا أن يرجع إلى التبادر كما هوالمعلوم.
وأمّا القائل بالأعمّ فلابدّ لنا من البحث معه في مقام الثبوت قبل مقامالإثبات، وهو أنّ الاشتراك قد يكون معنويّاً وقد يكون لفظيّاً، والمشتركاللفظي قد يتحقّق بتعدّد الوضع ـ مثل وضع لفظ «عين» لمعانٍ متعدّدة ـ وقديتحقّق بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، وهو أن يلاحظ معنى كليّاً، ثمّوضع اللفظ لمصاديقه بحيث يكون كلّ مصداق معنى مستقلاًّ له، فيكونالموضوع له متعدّداً بوضع واحد، والاشتراك المعنوي ما يتحقّق بوضع واحدللموضوع له الواحد الجامع بين المعنيين أو المعاني.
جامع بين المتلبّس والمنقضي حتّى يكون الموضوع له اللفظ المشتقّ، وحينئذٍ لشكّ في أنّه لا يتحقّق جامعٌ ذاتي بينهما، فإنّ المتلبّس واجد ومرتبط بالمبدفعلاً، والمنقضي فاقد وغير مرتبط بالمبدأ فعلاً، ولا اشتراك بين الواجديّةالفعليّة والفاقديّة الفعليّة من حيث الماهيّة والذات.
وأمّا الجامع الانتزاعي فلابدّ له من ثلاث خصوصيّات: الاُولى: أن ليكون للزمان دخل في معنى المشتقّ.
الثانية: أن لا يكون معنى المشتقّ معنى مركبّاً؛ لأنّه بسيط على ما حقّقهالمحقّقون.
الثالثة: أن ينسبق إلى الذهن من سماع هيئة المشتقّ.
ولاريب في أنّ الجامع الانتزاعي مع حفظ هذه الخصوصيّات لا يكونقابلاً للتصوّر أصلاً، وعلى هذا لا محلّ للبحث مع الأعمّي في مقام الإثبات،ولكنّ الإشارة إلى أدلّته لاتخلو من فائدة.
أدلّة القول بالأعمّ
احتجّ القائل بالأعمّ بعدّة وجوهٌ:
الأوّل ـ التبادر: بأنّ المنسبق عن المشتقّ هو المعنى العامّ الشامل للمتلبّسبالمبدأ والمنقضي عنه. وقد عرفت أنّ المتبادر منه خصوص المتلبّس بالمبددون الأعمّ مع ملاحظة دليل التضادّ.
الثاني: عدم صحّة سلب المقتول والمضروب بملاحظة المعنى المرتكز فيالذهن عمّن انقضى عنه المبدأ، فيصحّ أن يقال: «بكر مضروب زيد» أو«مقتوله»، بدون رعاية علاقة، وعدم صحّة السلب علامة الحقيقة.
وفيه: أوّلاً: أنّ اسم المفعول خارج عن محلّ النزاع عند بعض الأجلّة
(صفحه410)
كالمحقّق النائيني(1) وصاحب الفصول (2).
وثانياً: أنّ إطلاق المشتقّ إن كان بلحاظ حال التلبّس فيكون حقيقةً بلإشكال ولو كان الجري بعد الانقضاء، مثل قولك: «زيدٌ كان مضروب بكر أومقتوله»، وأمّا إن كان الإطلاق بعد الانقضاء بلحاظ حال النسبة والجريـ مثل قولك: «زيدٌ مضروب بكر في هذا اليوم» ـ فلا يكون حقيقة ولا يخلوعن مسامحة.
وثالثاً: أنّه لا يصحّ التفكيك بين اسم الفاعل والمفعول مع أنّهما متضايفان،فإن كان إطلاق المضروب بعد الانقضاء بنحو الحقيقة يكون إطلاق الضارببعد الانقضاء أيضاً كذلك. فهذا الدليل باطلٌ.
الثالث: دلالة آية حدّ السارق والسارقة والزاني والزانية على الأعمّ؛ بأنتصدق عليهم هذه العناوين بنحو الحقيقة حين إجراء الحدّ؛ لأنّ الحدّ منوطبصدق هذه العناوين، وإن قلنا بعدم صدقها بعد الانقضاء بنحو الحقيقة فهومخالفٌ لصريح الآية الشريفة، فيستفاد منها أنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ، كماستدلّ بها أيضاً المفصّل بين المحكوم عليه والمحكوم به.
وفيه: أوّلاً: أنّا نعلم خارجاً أنّ آيات الحدود منوطة بأصل تحقّق المبادئ لبصدق العناوين بنحو الحقيقة، فالموجب للحدّ هو تحقّق الزنا والسرقة، سواءصدقت عليه العناوين بنحو الحقيقة أو المجاز.
وثانياً: أنّ إطلاق هذه العناوين بعد الانقضاء يكون بلحاظ حال التلبّس،مثلاً: السارق يعني من كان متلبّساً بالسرقة في ظرف تحقّق السرقة، والزاني
- (1) فوائد الاُصول 1: 124 ـ 127.