(صفحه 539)
معنى قضيّة «إذا زالت الشمس تجب صلاتا الظهر والعصر» أنّ للزوال دخلاً فيترتّب الجزاء ـ أي الوجوب ـ فإذا لم يكن الزوال فلم يكن الوجوب، وهذالمعنى لا يجري في قصد الأمر؛ إذ لا دخل لقصد الأمر في تحقّق وجوب الصلاة،ولا يعقل قولنا: إذا قصدت الأمر يجب عليك الصلاة.
وأمّا قوله قدسسره : إنّ القيود التي تؤخذ في القضايا بصورة الشرط فلا محالةتكون في مقام جعل الحكم مفروض الوجود إن كان مراده الوجود الذهني،أي إن كان للوجود الذهني للقيود دخل في تحقّق الوجوب، فلا فرق في ذلكبين المقدور وغير المقدور فإنّ تصور غير المقدور ـ بل المحال أيضاً ـ مقدورٌ،وإن كان مراده من مفروض الوجود الوجود الخارجي فلا فرق بين الطهارةوقصد الأمر فإنّ كليهما مقدور لنا، إلاّ أنّ الطهارة مقدورة مع قطع النظر عنالأمر، بخلاف قصد الأمر كما مرّ تفصيله، فجميع أدلّة القول بالاستحالة الذاتيّةليست في محلّه.
ويستفاد من أدلّة بعض العلماء القول بالاستحالة الغيريّة، كما تستفاد هذهمن كلام صاحب الكفاية قدسسره (1).
وتوضيح كلامه: أنّه يدّعي في صدر كلامه الاستحالة الذاتيّة، فإنّه يقول«الاستحالة أخذ مالا يكاد يتأتّى إلاّ من قبل الأمر بشيء في متعلّق ذاكالأمر»، وهذا ظاهر في مسألة الدور، وتقدّم الشيء على نفسه التي تساوقالاستحالة الذاتيّة.
ولكنّه في مقام الاستدلال قال: «فما لم تكن نفس الصلاة متعلّقة للأمرلايكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها» يعني: لو اُخذ قصد الأمر في المتعلّق
- (1) كفاية الاُصول 1: 112.
(صفحه540)
فلا يكون المكلّف قادراً على الامتثال.
وهذا ظاهر في الاستحالة الغيريّة؛ إذ من المعلوم أنّ التكليف بغير المقدورـ مثل تحقّق المعلول بدون العلّة ـ مستحيل بالغير.
ثمّ قال في مقام إثبات هذه الدعوى ودليل عدم قدرة المكلّف على الامتثال،وتوهّم إمكان تعلّق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر، وإمكان الإتيان بها بهذالداعي؛ ضرورة إمكان تصوّر الآمر لها مقيّدة والتمكّن من إتيانها كذلك بعدتعلّق الأمر بها، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحّة الأمر إنّما هو فيحال الامتثال لا حال الأمر واضح الفساد؛ ضرورة أنّه وإن كان تصوّرهكذلك بمكان من الإمكان إلاّ أنّه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها؛ لعدمالأمر بها ـ أي الأمر بالصلاة مجرّدة ـ فإنّ الأمر حسب الفرض تعلّق بها مقيّدةبداعي الأمر، ولا يكاد يدعو الأمر إلاّ إلى ما تعلّق به لا إلى غيره.
إن قلت: نعم، ولكنّ نفس الصلاة أيضاً صارت مأموراً بها بالأمر بهمقيّدة.
قلت: كلاّ؛ لأنّ الذات المقيّدة لا تكون مأموراً بها، فإنّ الجزء التحليليالعقلي لا يتّصف بالوجوب أصلاً، فإنّها ليست إلاّ وجوداً واحداً وواجببالوجوب النفسي، كما ربّما يأتي في باب المقدّمة، أي الصلاة جزء تحليلي،وتقيّد بقصد الأمر جزء تحليلي آخر، وهذا الشيء الواحد تعلّق به الأمر.
إن قلت: نعم، لكنّه إذا اُخذ قصد الامتثال شرطاً، وأمّا إذا اُخذ شطراً فلمحالة نفس الفعل الذي تعلّق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلّقللوجوب؛ إذ المركّب ليس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر، ويكون تعلّقه بكلّ جزءبعين تعلّقه بالكلّ، ويصحّ أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب؛ ضرورة صحّة
(صفحه 541)
الإتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت: مع امتناع اعتباره كذلك ـ أي امتناع اعتبار قصد الامتثال كذلك؛ إذالقصد يكون بمعنى الإرادة، وهي ليست باختياريّة ـ فإنّه يوجب تعلّقالوجوب بأمر غير اختياري، فإنّ الفعل وإن كان بالإرادة اختياريّاً إلاّ أنّإرادته حيث لا تكون بإرادة اُخرى، وإلاّ لتسلسلت ليست باختياريّة كما ليخفى، إنّما يصحّ الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذالداعي، ولايكاد يمكن الإتيان بالمركّب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره،وإلاّ لزم اتّحاد المحرّك والمحرّك إليه، ولا يعقل إتيان داعي الأمر بداعي الآمر،فلا يمكن إتيان متعلّق الأمر، أي المجموع المركّب من الأجزاء والشرائط وقصدالأمر بقصد الآمر، وأمّا الصلاة المجرّدة عنه فلا تكون مأموراً بها.
والحاصل: أنّ قصد الأمر إن اُخذ في الصلاة بنحو الشرطيّة فلا يكونالمكلّف قادراً على إتيان الصلاة بداعي الأمر المتعلّق بها؛ إذ الصلاة المجردّةـ أي ذات المقيّدة ـ ليست متعلّقاً للأمر، وإن اُخذ قصد الأمر بنحو الجزئيّة،فكما أنّ الأمر يكون داعياً إلى الصلاة كذلك يكون داعيّاً إلى الجزء الآخرمنها، والمفروض أنّه عبارة عن نفس داعي الأمر، ويلزم من ذلك أن يكونداعي الأمر محرّكاً ومحرّكاً إليه في آنٍ واحد.
وأجاب عنه أعاظم أهل الفن بأجوبة متعدّدة:
منها: ما قال به المرحوم البروجردي(1) والإمام(2) وهو الحقّ عندنا،ويتوقّف على بيان مقدّمات:
- (1) نهاية الاُصول 1: 115 ـ 123.
- (2) تهذيب الاُصول 1: 153 ـ 163.
(صفحه542)
الاُولى: أنّ متعلّق الأمر والوجوب أو الموضوع في قضيّة «الصلاة واجبةٌ»يحتمل أن تكون عبارة عن نفس ماهيّة الصلاة من دون التقيّد بوجودهالذهني أو الخارجي.
ويحتمل أن تكون عبارة عن ماهيّة الصلاة مقيّدة بوجودها الذهني، يعنيالصلاة الموجودة في ذهن المولى بما أنّها موجودة في ذهنه تكون معروضةللوجوب.
ويحتمل أن تكون عبارة عن ماهيّة الصلاة مقيّدة بوجودها الخارجي،يعني الصلاة المتّصفة بالوجود الخارجي معروضة للوجوب، مع أنّ التعبيربكلمة «معروضة عنها» تسامح، ولكن بعد الدقّة نتوجّه إلى أنّ الماهيّة المقيّدةبوجودها الخارجي لا يعقل أن تكون متعلّقة للصلاة، فإنّ غرض المولىيحصل بعد تحقّق الصلاة في الخارج ويسقط التكليف، ولذا قالوا: الخارج ظرفسقوط التكليف لا ظرف ثبوته.
وهكذا لايمكن أن يكون متعلّق الأمر عبارة عن الماهيّة المقيّدة بوجودهالذهني، فإنّها ليست قابلة للامتثال.
ولو قلنا بحصول الامتثال بإيجادها في ذهن العبد فهو مخدوش: أوّلاً بأنّ ماُوجد في ذهن العبد مباين لما كان متعلّقاً للأمر ـ أي الصلاة المقيّدة بوجودذهن المولى ـ إذ ما تصوّره المولى غير ما تصوّره العبد.
وثانياً: أنّ الامتثال الواقعي يحتاج إلى إيجاد المكلّف به في الخارج، وإذا كانكذلك لا شبهة في أنّ وجود خارجي الصلاة ووجودها الذهني نوعان منالوجود كالإنسان والبقر، ولا يمكن أن يكون فرد من نوع فرداً من نوع آخر،فالموجود في الذهن بما أنّه موجود في الذهن لا يعقل أن يتحقّق في الخارج،
(صفحه 543)
وهكذا عكسه.
ويمكن أن يتوهّم أنّ الموجود الخارجي بسبب التصوّر يصير موجودذهنيّاً، وبهذا يتّحد الوجودان.
وجوابه: أنّ الموجود الخارجي بوصف الخارجيّة لا يعقل أن يتحقّق فيالذهن، وما يتحقّق في الذهن عبارة عن الصورة الحاصلة من الخارج فيالذهن، كما مرّ نظيره في مسألة العلم والمعلوم.
وبالنتيجة بعد بطلان الاحتمالين المذكورين يتعيّن الاحتمال الأوّل، يعنيماهيّة الصلاة مع قطع النظر عن التقيّد بشيء من الوجودين الذهنيوالخارجي تكون معروضة للوجوب.
ولا يخفى أنّ جميع المقدّمات يدور مدار جملتين عند صاحب الكفاية:الاُولى منها قوله: «الأمر يكون داعياً إلى متعلّقه»، الثانية منها قوله: «ولا يكاديكون داعياً إلى غير متعلّقه»، وجعلنا البحث في المقدّمة الاُولى حول المتعلّقوقلنا فيها: إنّ المتعلّق عبارة عن ماهيّة المأمور بها بلا دخل للوجود الذهنيوالخارجي فيها.
المقدّمة الثانية: في المراد من قوله: الأمر يكون داعياً إلى متعلّقه؟ فإن كانمراده البعث والتحريك للمكلّف إلى تحقّق المتعلّق بالبعث التكويني والحقيقيفهو ليس بصحيح، فإنّا نرى عدم الانبعاث في العُصاة والكفّار، مع أنّ البعثالحقيقي لاينفكّ عن الانبعاث. وإن كان مراده أنّ الأمر يكون محقّقاً لموضوعالطاعة والانبعاث ـ كما هو الحقّ على ما سنبينّه ـ فهو مخالف لظاهر العبارة.
فالداعي عبارة عن الأمر القلبي الراسخ في نفس العبد، ويختلف بحسبتفاوت درجات العباد واختلاف حالاتهم وملكاتهم، فمنهم من وجد في قلبه