(صفحه574)
الاشتغال عقلاً هو الاعتبار؛ لوضوح أنّه لابدّ في عمومها من شيء كان قابلللرفع والوضع شرعا، وليس ههنا، فإنّ دخل قصد القربة في الغرض ليسبشرعي بل واقعي، ودخل الجزء والشرط فيه وإن كان كذلك إلاّ أنّهما يكونانقابلين للوضع والرفع شرعا».
ولكنّه مخدوش بأنّه قد مرّ تصريحه بإمكان التمسّك بالإطلاق المقامي فيالشكّ في التعبّديّة والتوصّليّة؛ بأنّ المولى إذا كان في مقام بيان جميع ما له دخلفي تحقّق الغرض بعنوان المخبر العادل لا بعنوان المنشئ والآمر، ولم يتعرّضلدخالة قصد القربة فيه، فنستكشف عدم دخالته في المأمور به. وهذا القول ليكون قابلاً للجمع مع عدم ارتباط وضع قصد القربة ورفعه بالشارع، بل كانأقوى دليل على أنّ وضعه ورفعه بيد الشارع، فلا مانع من التمسّك بأصالةالبراءة الشرعيّة على هذا المبنى أيضا. هذا تمام الكلام في مبحث التعبّديوالتوصّلي.
(صفحه 575)
(صفحه576)
في دلالة الصيغة على الوجوب النفسي
المبحث الخامس
في دلالة الصيغة على الوجوب النفسي
ومن المسائل المعنونة في الكفاية أنّه إذا دار الأمر بين الواجب النفسيوالغيري أو بين الواجب التعييني والتخييري أو بين الواجب العيني والكفائيفهل يوجد طريق لإحراز أحد الطرفين أم لا؟ قال المحقّق الخراساني قدسسره (1):قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّا تعيينا عينيّا.
ثمّ استدلّ بأنّ وجوب الواجب الغيري مقيّد بوجوب الغير ـ أي ذيالمقدّمة ـ بخلاف وجوب الواجب النفسي كالقول بأنّه يجب الوضوء إذا وجبتالصلاة، وهكذا في الواجب التخييري والكفائي، فإذا كان المولى في مقام البيانولم ينصب قرينة على التقييد فالحكمة كونه مطلقا، سواء وجب هناك شيءآخر أو لا، أتى بشيء آخر أو لا، أتى به آخر أولا.
ولكن يرد عليه إشكال ذكرناه في المباحث السابقة، وهو أنّ الواجبالنفسي إن كان عبارة عن الواجب المطلق بلا قيد يلزم اتّحاد القسم والمقسم،مع أنّه من لازم تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري أن يكون الواجب النفسي
- (1) كفاية الاُصول 1: 116.
(صفحه 577)
عبارة عن المقسم مع إضافة قيد وخصوصيّة له، وهكذا في الواجب التعيينيوالعيني.
ولكن قال المحقّق الأصفهاني قدسسره (1) في مقام الدفاع عن اُستاذه: إنّ مرادصاحب الكفاية من الواجب النفسي لا يكون الإطلاق من حيث وجوبشيء آخر في مقابل الواجب الغيري، بل مراده أنّ الواجب النفسي أيضا مقيّدكالواجب الغيري، إلاّ أنّه مقيّد بالقيد العدمي، وهو عبارة عن عدم كونالوجوب للغير، وعدم نصب القرينة على القيد الوجودي دليل على عدمه،فمقتضى الحكمة تعيين المقيّد بالقيد العدمي لا المطلق، كما هو ظاهر المتن. هذمحصّل كلامه قدسسره .
وجوابه: أنّ القضيّة السالبة المتصوّرة ههنا على قسمين: الأوّل: ما يعبّر عنهبالسالبة المحصّلة، وهي كما تصدق مع وجود الموضوع كذلك تصدق مع انتفاءالموضوع كقولنا: «ليس زيد بقائم».
والثاني: ما يعبّر عنه بالسالبة المعدولة، وهي تحتاج إلى تحقّق الموضوعكاحتياج القضيّة الموجبة إليه كقولنا: «زيد لا قائم» وأمّا القيد العدمي الذيقال بتحقّقه في الواجب النفسي فلا يكون من القسم الأوّل؛ إذ المفروض فيالمقام أنّ أصل الوجوب مسلّم، والشكّ في نفسيّته وغيريّته، فلابدّ من كونه منقبيل القسم الثاني، فيكون له عنوان الوصفيّة للموضوع الموجود ـ أيالوجوب المسلّم ـ إمّا أن يكون مع قيد عدمي، وإمّا أن يكون مع قيدوجودي، ومن المعلوم أنّ من شرائط التمسّك بالإطلاق لإثبات النفسيّة بعدكون المولى في مقام البيان، وعدم القدر المتيقّن في مقام التخاطب وأن لاينصب
- (1) نهاية الدراية 1: 353.
(صفحه578)
قرينة على التقييد، فنسأل حينئذٍ أنّ المراد من التقييد ههنا التقييد بقيدوجودي أو عدمي؟ فهل يمكننا إثبات الكفريّة من إطلاق «اعتق رقبة» لكونالكفر عبارة عن عدم الإيمان ونفي قيد الإيمان؟ ولا شكّ في أنّ المراد من عدمنصب القرينة على التقييد في هذه المقدّمة من مقدّمات الحكمة أعمّ من القيدالوجودي والعدمي، ونتيجة الإطلاق مطلق الوجوب وإثبات المقسم ونفي أيّنوع من القيود، سواء كان القيد وجوديّا أم عدميّا، ولا يستفاد منه النفسيّة كملا تستفاد الغيريّة.
وأمّا احتياج القيد الوجودي إلى مؤونة زائدة وعدم احتياج العدمي إليهفلا يعقل أن يكون دليلاً لإثبات أحد القيدين ونفي الآخر بسبب الإطلاق،وهكذا في الواجب التعييني والعيني في مقابل الواجب التخييري والكفائي.
نعم، يمكننا إثبات النفسيّة من الإطلاق بطريق آخر، وهو أنّه لابدّ فيدوران الأمر بين النفسيّة والغيريّة من دليلين؛ أحدهما مشكوك فيه من هذهالجهة، مثلاً: نعلم أنّ الوضوء واجب غيري ـ أي يرتبط وجوبه بوجوبالصلاة ـ أو نفسي لا يرتبط به، فإن كان غيريّا يكون الوضوء شرطا للصلاة،وحينئذٍ يكون الارتباط من الطرفين، فكما أنّ وجوب الوضوء متوقّف علىوجوب الصلاة كذلك صحّة الصلاة متوقّفة على تحقّق الوضوء.
وبالنتيجة يرجع الشكّ في نفسيّة وجوب الوضوء وغيريّته إلى أنّ الوضوءشرط للصلاة أم لا يكون شرطا لها، فتجري أصالة الإطلاق المربوطة بمادّةالصلاة وتنفى الشرطيّة كما في سائر الشرائط، وإذا لم يكن شرطا فلم يكنوجوبا غيريّا، فوجوبه نفسي. وهذا الطريق لا يجري في إثبات العينيّةوالتعيينيّة؛ إذ ليس فيهما من الدليلين أثر ولا خبر.