(صفحه 593)
بالفرد الواحد أو المتعدّد أو لا يقتضي شيئا منهما، ولم يحتج إلى إفراد كلّ منهمبالبحث كما فعلوه.
وأمّا لو اُريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين، ويجري البحث على كلالقولين في تلك المسألة؛ بأن يقال: بناءً على تعلّق الأمر بالطبيعة هل تقتضيالصيغة مطلوبيّة الطبيعة دفعة أو دفعات؟ وعلى القول بتعلّقه بالفرد هلتقتضي الصيغة اعتبار الدفعة في مطلوبيّة الفرد أو الدفعات أو لا تقتضي شيئمنهما؟ ونستكشف من استقلال المسألتين أنّ المراد منهما هي الدفعة والدفعات.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (1) في مقام جوابه: إنّ هذا توهّم فاسد، وجوابهمبتنٍ على توضيح كلتا المسألتين، أمّا توضيح المسألة الآتية فهو أنّ مرادالقائل بتعلّق الأمر بالطبيعة ليس تعلّقه بنفس الطبيعة والماهيّة؛ إذ الطبيعة منحيث هي ليست إلاّ هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، لا موجودة ولا معدومة،لا محبوبة ولا مبغوضة، بل المراد تعلّقه بها باعتبار وجودها في الخارج،والفرق بين هذا القول والقول بتعلّقه بالفرد بأنّ الفرد عبارة عن وجود الطبيعةمع الخصوصيّات الفرديّة، فيرجع النزاع إلى أنّ مطلوب المولى عبارة عنوجود الماهيّة فقط، وأمّا العوارض المشخّصة بلحاظ الملازمة مع الوجودالخارجي فهي خارجة عن دائرة المطلوبيّة، أو المطلوب عبارة عن وجودالطبيعة مع الخصوصيّات الفرديّة، مع اشتراكهما في أصل تعلّق الطلب بوجودالطبيعة.
وتوضيح هذه المسألة: أنّ المراد بالمرّة والتكرار بمعنى الفرد والأفراد هو أنّالقائل بالمرّة يقول بدلالة الأمر على وجود واحد من وجودات المأمور به،
- (1) كفاية الاُصول 1: 119 ـ 121.
(صفحه594)
والقائل بالتكرار يقول بدلالته على وجودات متعدّدة منها، والقائل بعدمالدلالة عليهما يقول بدلالته على أصل الوجود، وعنوان الوحدة والتكثّرخارج عنه.
فيجري نزاع المرّة والتكرار بمعنى الفرد والأفراد على كلّ من القول بتعلّقالأمر بالطبيعة أو الأفراد بأنّ المطلوب إن كان هو الطبيعة يقع النزاع في أنّالصيغة هل تدلّ على مطلوبيّة وجود واحد أو وجودات متعدّدة أو لا تدلّعليها؟ كما أنّ المطلوب إن كان هو الفرد المتميّز عن سائر الأفرادبالخصوصيّات المشخّصة يقع النزاع في أنّ الصيغة هل تدلّ على أنّ متعلّقالأمر وجود واحد أو وجودات متعدّدة؟ فجعل هذا النزاع من تتمّة مسألةتعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد ليس في محلّه.
والتحقيق: أنّ أصل مدّعاه ـ من أنّ المراد من الطبيعة وجود الطبيعة فيالمسألة الآتية، والمراد من الفرد والأفراد في هذه المسألة هو وجود واحدووجودات متعدّدة ـ كلام متين ولا يكون قابلاً للمناقشة، ولكنّ الدليل الذيأقامه لهذا الدعوى ليس بصحيح، فلابدّ لنا من إقامة الدليل الصحيح بعدموافقة أصل هذا الكلام.
وأمّا الاستدلال على كون المراد من الطبيعة ليس نفس الطبيعة؛ بأنّ الماهيّةمن حيث هي ليست إلاّ هي، فهو مخدوش: أوّلاً بأنّ المتناقضات بأجمعهمسلوبة عن مرحلة الماهيّة، فكما أنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي، لمطلوبة ولا غير مطلوبة، كذلك لا موجودة ولا غير موجودة، وإذا لم تكنإضافة الطلب إلى الماهيّة صحيحة فكيف تصحّ إضافة الوجود إليها؟! مع أنّكلاهما مسلوب عن ذات الماهيّة، فلا يمكن حلّ المشكل بأنّ الأمر طلب
(صفحه 595)
وجود الطبيعة.
وثانيا: أنّ قول الفلاسفة بأنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي أجنبيعن المقام، بل هو مربوط بالحمل الأوّلي الذاتي، وملاكه اتّحاد الموضوعوالمحمول في الوجود والماهيّة، وفي المفهوم أيضا على قول، فالماهيّة في هذالمقام ليست إلاّ ذات الماهيّة وأجزائها ـ أي الجنس والفصل ـ وكلّ ما كانخارجا عنهما كان خارجا عن الماهيّة أيضا، فقضيّة «الإنسان موجود»بلحاظ الحمل الأوّلي قضيّة كاذبة، كما أنّ قضيّة «الإنسان غير موجود» بهذاللحاظ قضيّة كاذبة، وهكذا في سائر المتناقضات، فمعنى قولهم: الماهيّة منحيث هي ليست إلاّ هي، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، عبارة عن أنّ المطلوبليس تمام الماهيّة ولا جزء الماهيّة، كما أنّ كونها غير مطلوبة ليس كذلك،وهكذا، فكلّ ذلك مربوط بمقام الحمل الأوّلي الذاتي.
وأمّا البحث في مسألة تعلّق الأمر بالطبائع والماهيّات فلا شكّ في أنّهمربوط بمقام الحمل الشائع الصناعي، وملاكه اتّحاد الموضوع والمحمول فيالوجود، وأنّ الموضوع مصداق من مصاديق المحمول، مثل: «زيد إنسان»، فإذقلنا: ماهيّة الصلاة مطلوبة لا يكون معناه المطلوبيّة داخلة في ماهيّة الصلاة،بل معناه أنّ ماهيّة الصلاة تكون من مصاديقها، كما أنّ الجسم يكون منإحدى مصاديق الأبيض، فالبحث في أنّ الأمر متعلّق بالماهيّة كعروضالبياض بالجسم وعدمه، لا أنّ الطلب دخيل في الماهيّة، فالدليل لا ينطبق علىالمدّعى؛ إذ المدّعى عبارة عن أنّ الأمر لا يتعلّق بالطبيعة، والدليل عبارة عنأنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي، فأصل مدّعى صاحب الكفايةصحيح؛ بأنّ القائل بتعلّق الأوامر بالطبائع مراده وجود الطبيعة، والقائل
(صفحه596)
بتعلّقها بالأفراد مراده الأفراد مع الخصوصيّات الفرديّة، فالنزاع في أنّالعوارض المشخّصة داخلة في مطلوب المولى أم لا، مع قبول كلاهما أنّ الطلبيتعلّق بوجود الطبيعة.
ولكنّ البحث ههنا في أنّ المادّة تدلّ على نفس الماهيّة والهيئة تدلّ علىالبعث والتحريك، فلا شيء آخر يدلّ على الوجود.
ونُسب إلى صاحب الفصول(1) أنّه قال بأنّ الوجود جزء مفاد الهيئة ـ أيوضعت هيئة الأمر لطلب الوجود ـ فمجموع الهيئة والمادّة تدلّ على طلبوجود الماهيّة.
ولنا طريق آخر لعلّه يطابق الواقع، وهو كما مرّ أنّ البعث والتحريك علىقسمين: أحدهما: البعث والتحريك الحقيقي، والآخر: البعث والتحريكالاعتباري. والثاني في الحقيقة قائم مقام الأوّل، وإذا سمعنا تحقّق البعثوالتحريك الحقيقي فنفهم أنّه متوجّه إلى وجود مبعوث إليه، مع أنّ الألفاظ لتدلّ عليه، مثل: «زيد بعث عمرا إلى السوق»، واستفادة الوجود من هذمنوط بالدلالة الالتزاميّة لا الوضعيّة؛ إذ لا يمكن البعث والتحريك الحقيقي إلىغير جانب الوجود عقلاً.
وهذا المعنى يجري بعينه في البعث والتحريك الاعتباري أيضا؛ إذ كما أنّه لمعنى لاعتبار الملكيّة بدون المالك والمملوك في عالم الاعتبار كذلك لا معنىللبعث والتحريك الاعتباري بدون الوجود، خصوصا على القول بأصالةالوجود، واللابدّيّة العقليّة حاكمة بالملازمة بين المبعوث إليه والوجود، بلالعرف أيضا يستفيد من قول المولى لعبده: «سافر إلى طهران» أنّه بعثه إلى
(صفحه 597)
إيجاد السفر إلى «طهران»، فالعرف أيضا يساعد العقل في هذه المسألة، فمادّعاه المحقّق الخراساني قدسسره صحيح، ولكن من هذا الطريق لا من الطريق الذيذكره.
وهذا فَتْحُ باب لنا في أصل بحث دلالة الصيغة على المرّة أو التكراروعدمها؛ إذ لا شكّ في أنّ المقصود من الدلالة ههنا الدلالة اللفظيّة والوضعيّة،سواء كان النزاع مربوطا بالهيئة أو بالمادّة أو بالمجموع، وحينئذٍ يظهر ما هوالتحقيق في المسألة من أنّه لا ارتباط للمرّة والتكرار بالدلالة اللفظيّة، فإنّ لهمعنوان الوصفيّة للوجود، فإذا كان الموصوف خارجا عن الدلالة اللفظيّة ـ كممرّ آنفا ـ فكيف الحال بالنسبة إلى وصف الوحدة والتكرّر؟! بل الوصفخارج عنها بطريق أولى، ولا يعقل أن يكون الموصوف خارجا عن مفادالصيغة والوصف داخلاً فيه كما لا يخفى، فلا مجال للنزاع بأنّه هل الصيغة تدلّعلى المرّة أو التكرار أم لا.
ويمكن أن يقال: إنّه كما يستفاد أصل الوجود عن طريق العقل واللابدّيّةالعقليّة كذلك يستفاد قيد المرّة أو التكرار أيضا عن طريق اللابدّيّة العقليّة،وإن كان هذا خلاف الظاهر إلاّ أنّه يكفي للإيصال إلى المرّة أو التكرار.
ولكنّه مخدوش؛ بأنّ اللابدّيّة العقليّة تحتاج إلى الملاك كما تحقّق في المبعوثإليه من أنّه مربوط لا محالة بالوجود، وليست اللابدّيّة العقليّة أو العرفيّة زائدةحتّى تقتضي تحقّق القيد بالوحدة أو التكرار أيضا.
وأمّا إذا كان الوجود داخلاً في مفاد الهيئة من حيث الوضع ـ كما قال بهصاحب الفصول ـ ففي بادئ النظر وإن كان النزاع معقولاً بأنّ الوجود المتحقّقفي مفاد الهيئة هل هو عبارة عن الوجود المطلق أو الوجود المقيّد بالوحدة أو