(صفحه 639)
الماء وفقدانه، ومن الحضر والسفر وأمثال ذلك، ويؤيّده آية الوضوء صدروذيلاً.
فيستفاد من ذلك أنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم وفرض كونها صحيحةيسقط الأمر، ولا مجال لإتيان الصلاة بعد وجدان الماء ثانيا؛ إذ لا يعقل امتثالأمر واحد مرّتين، فالقاعدة على هذا المبنى تقتضي الإجزاء ولا إعادة. هذتحقيق البحث في مسألة الإعادة على القول بإنكار تعدّد الأوامر.
وأمّا على القول بتعدّد الأوامر بأن يتوجّه خطاب إلى واجد الماء بعنوان«أيّها الواجدون للماء تجب عليكم الصلاة مع الوضوء»، وخطاب آخر إلىفاقد الماء بعنوان «أيّها الفاقدون للماء تجب عليكم الصلاة مع التيمّم»، فإذا أتىالمكلّف الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت فلا شكّ بعد فرض صحّتها في سقوطالأمر المتوجّه إلى الفاقد.
وإذا صار بعدها واجدا للماء فيمكن أن يقال: سلّمنا تعدّد الأمر ههنا إلاّ أنّالإجماع قائم على عدم وجوب صلاة الظهر مع الوضوء بعد إتيانها مع التيمّم؛إذ لا يجب بين زوال الشمس وغروبها أزيد من صلاة واحدة.
وإن لم يجد دليل لتحقّق الإجماع في هذا المورد فتصل النوبة إلى ما حكيناهعن الإمام قدسسره في منشأ القول بتعدّد الأوامر، فيحتمل أن يكون المنشأ أنّ الصلاةمع الوضوء والصلاة مع التيمّم حقيقتان متغايرتان، ولا يمكن تعلّق أمر واحدبهما، كما أنّه لا يمكن تعلّق أمرين مستقلّين بمتعلّق واحد من دون تأكيد،فيكون منشأ تعدّد الأوامر تعدّد ماهيّات المأمور بها.
ويحتمل أن يكون منشأ الاضطرار المذكور في كلام صاحب الكفاية قدسسره فيالأحكام الوضعيّة من أنّ بعضها لا يكون قابلاً لجعل الشارع، وبعضها يكون
(صفحه640)
قابلاً لجعله مستقلاًّ، وبعضها لا يكون قابلاً لجعله إلاّ تبعا كالركوع والطهارةوعدم الاستدبار وسائر الموانع والأجزاء والشرائط للصلاة؛ إذ لا يمكن جعلجزئيّة القيام للصلاة المأمور بها بما هي مأمور بها، إلاّ من طريق تعلّق الأمربالمركّب الذي من جملته القيام، فلابدّ للشارع من القول بأنّه أيّها القادر علىالقيام صلّ مع القيام حتّى ينتزع عنه جزئيّته، وهكذا.
ونظيره مرّ عنه قدسسره في مسألة قصد القربة بمعنى داعي الأمر، فيكون التعدّدمربوطا بمقام الإثبات والتبيين، والمطلوب في الحقيقة واحد، إلاّ أنّه لا يمكنتبيينه بأمر واحد، فالضرورة تقتضي الالتزام بتعدّد الأوامر.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ لازم الاحتمال الثاني أيضا القول بالإجزاء، فإنّبعد إتيان الصلاة مع التيمّم وفرض صحّته ومشروعيّته ومطابقته للأمر لشكّ في تحقّق الامتثال وسقوط الأمر، ولا يكون بحسب الواقع أزيد من أمرواحد حتّى يحتاج إلى امتثال آخر بعد وجدان الماء.
وأمّا على الاحتمال الأوّل فإن اُحرز تعلّق الأمرين معا بهذا الشخص الفاقدفلا شكّ في عدم الإجزاء، ولكنّه لم يحرز وليس بمسلّم، وبناءً على ذلك إذا صارالفاقد واجدا للماء في الوقت بعد إتيانه الصلاة مع التيمّم، فيتوقّف القول بعدمالإجزاء بإطلاق دليل الواجد؛ بأن يقول: الواجد للماء تجب عليه الصلاة معالوضوء، أي بلا فرق بين من أتى بها مع التيمّم أم لا. فالقول بعدم الإجزاءيتوقّف على تعدّد الأوامر أوّلاً، وكون منشأ التعدّد الاختلاف الماهوي فيماهيّة متعلّق الأمرين ثانيا، وعدم تحقّق إجماع المذكور ثالثا، وتحقّق الإطلاقلذاك الدليل رابعا، فإن كان أحد هذه الاُمور مخدوشا تكون نتيجة المسألةالإجزاء، وعرفت مناقشتنا في تعدّد الأوامر، فمقتضى القاعدة بحسب مقام
(صفحه 641)
الإثبات في الموضع الأوّل ـ أي الإعادة ـ الإجزاء.
ولا يتوهّم أنّ الإطلاق الذي ادّعي ههنا معارض لدليل الفاقد، أي الفاقدللماء تجب عليه الصلاة مع التيمّم، سواء وجد الماء في آخر الوقت أم لا، فإنّنقول: إنّ هذا الإطلاق لا يساوق الإجزاء، بل نهاية ما يستفاد منه عبارة عنمشروعيّة الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت، ولا ينكره القائل بعدم الإجزاءأيضا، فيمكن الجمع بين الإطلاقين.
الموضع الثاني: في القضاء وموضوع البحث ههنا أن يكون العذر الموجبللتيمّم مستوعبا لتمام الوقت، إذا صار واجدا للماء في خارج الوقت هل تجبعليه الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد إتيانها مع التيمّم في الوقت أم لا؟ والفرضالآخر أن يكون المكلّف واجدا للماء في أوّل الوقت، ولكنّه أهمل ولم يأت بهحتّى صار فاقدا له في آخر الوقت هل تجب عليه القضاء أم لا؟
ولا يخفى أنّ القضاء يدور مدار عنوان الفوت بحكم «اقض ما فات»، فإنتحقّق عنوان الفوت يوجب القضاء، وإلاّ فلا، ويجري جميع ما ذكرناه فيالإعادة من الفروض والمباني ههنا أيضاً، وبناءً على هذا فإن قلنا بوحدة الأمركما هو الحقّ لا يجب عليه القضاء؛ لأنّ بعد إتيان الصلاة مع التيمّم في الوقتوفرض صحّته ومشروعيّته يتحقّق الامتثال ويسقط الأمر، فلا يبقى أمر حتّىيجب امتثاله ثانيا بعنوان القضاء.
وإن قلنا بتعدّد الأمر وتحقّق الإجماع على عدم وجوب صلاة بعنوان الأداءوالقضاء معا، فلا تجب الصلاة مع الوضوء قضاءً بعد تحقّق الصلاة مع التيمّمأداء؛ إذ بعد مشروعيّة الثانية وصحّتها يسقط الأمر، ولا يجب الجمع بين الأداءوالقضاء بحكم الإجماع.
(صفحه642)
وهكذا في صورة عدم الإجماع وكون تعدّد الأمر منوطا بالاضطرارالمذكور، فالحكم في هذه الصور الثلاثة الإجزاء.
وأمّا إن كان تعدّد الأمر ناشئا من اختلاف متعلّقهما بحسب الماهيّة والحقيقةفيجب القضاء في خارج الوقت بشرط عدم الإجماع المذكور وتحقّق الإطلاقلدليل القضاء، أي «اقض ما فات» بدون الفرق بين من أقام الصلاة مع التيمّمفي الوقت أم لا، فتكون النتيجة من حيث الإجزاء وعدمه في الإعادة والقضاءمتساوية.
وإذا فرغنا من ذلك فتصل النوبة إلى الاُصول العمليّة؛ لعدم الدليل اللفظيالمقتضي للإجزاء وعدمه، أي لا يكون لدليل الصلاة مع التيمّم إطلاق حتّىيستفاد منه المشروعيّة لها في صورة وجدان الماء في الوقت أيضا، كما أنّه ليكون لدليل الصلاة مع الوضوء إطلاق حتّى يستفاد منه عدم الإجزاء فيصورة إتيان الصلاة مع التيمّم أيضا، وإن كان القدر المتيقّن من الدليل الأوّلهو استيعاب العذر لتمام الوقت، والقدر المتيقّن من الدليل الثاني هي صورةترك الصلاة رأسا، ولكن مع ذلك يبقى الشكّ في بقية الصور، مثلاً: أقام الصلاةمع التيمّم رجاءً بداعي احتمال المشروعيّة والمحبوبيّة وصار في آخر الوقتواجدا للماء، ومقتضى الأصل العملي هو عدم الإجزاء، فإنّ ذمّته في أوّلالوقت مشغولة بتكليف وجوبي قطعا، وبراءة ذمّته بإتيان ما هو مشكوكالمشروعيّة مشكوك بداهة، فاشتغال الذمّة اليقينيّة تقتضي البراءة اليقينيّة، ولتجري أصالة البراءة عن وجوب الإعادة ههنا؛ إذ لا يتعلّق من الشارع حكمتكليفي مولوي لا نفيا ولا إثباتا على مسألة الإعادة، بل العقل يحكم بالإعادةإن لم يتحقّق الامتثال، ويحكم بعدم الإعادة إن تحقّق الامتثال.
(صفحه 643)
وما ورد في مثل صحيحة زرارة في جواب السائل من قوله عليهالسلام : «يغسلهويعيد» أمر إرشادي لا مولوي، فالعقل يحكم في ما نحن فيه بالإعادة؛ إذالإمام عليهالسلام كأنّه قال: كانت الصلاة المأتي بها فاقدة للشرط، وحينئذٍ يحكمالعقل بعدم الإجزاء.
وهكذا في حديث(1) «لا تعاد» كأنّه قال عليهالسلام : إن كان الإخلال بالأجزاءالركنيّة تكون الصلاة فاقدة لخصوصيّة معتبرة فيها، وإن كان بالأجزاء الغيرالركنيّة كفاتحة الكتاب ـ مثلاً ـ لم تكن فاقدة لها، فإنّ جزئيّتها في صورةالتوجّه والالتفات فقط، فالعقل يحكم بالإجزاء في الثانية بخلاف الاُولى، فليكون وجوب الإعادة حكماً شرعيّاً مولويّاً حتّى تجري أصالة البراءة بالنسبةإليه، فمقتضى الأصل العملي عدم الإجزاء على القول بوحدة الأمر.
وأمّا على القول بتعدّد الأمر فالحاكم أصالة البراءة؛ إذ بعد فرض صحّةالصلاة مع التيمّم، ومشروعيّتها قطعا أو احتمالاً، وإتيانها في أوّل الوقت يتحقّقالامتثال بالنسبة إلى أمرها ويسقط.
وأمّا توجّه التكليف بالصلاة مع الوضوء بعد وجدان الماء في آخر الوقتإليه فمشكوك؛ إذ المفروض أنّه تكليف مستقلّ وليس له الإطلاق، فيرجعالشكّ إلى توجّه التكليف الثاني إليه وعدمه، والحاكم في مثل ذلك أصالةالبراءة، فما يستفاد من الأدلّة اللفظيّة من الإجزاء أو عدمه مغاير لما يستفاد منالاُصول العمليّة.
وأمّا إن كان المكلّف فاقدا للماء في جميع الوقت وكان العذر مستوعبوصلّى مع التيمّم ثمّ صار واجدا للماء في خارج الوقت، فهل القضاء واجب
- (1) الوسائل 4: 312، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 1.