(الصفحة 5)المقدّمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
الحجّ من أركان الدين ، ومن أوكد فرائض المسلمين ، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية ، وتركه من الكبائر . وقبل الخوض في بيان أحكامه ومسائله لابأس بالإشارة إلى أهمّيّته .
(الصفحة 6)
قال الله تعالى:
{ وَلِلَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(1) .
وقال :
{وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَمِيق* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّام مَّعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ فَكُلُوامِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}(2) .
وقال أيضاً :
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِى الاَْلْبَابِ}(3) .
- (1) آل عمران: 3 / 97 .
- (2) الحجّ: 22 / 27 ـ 28 .
- (3) البقرة: 2 / 197 .
(الصفحة 7)
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) :
«الحاجّ والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفّعهم ، وإن سكتوا ابتدأهم ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم»(1) .
وقال (عليه السلام) في جواب هشام ، عندما سأله عن علّة الحجّ :
«فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا . . . ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار ، ولم تقفوا على ذلك»(2) .
وقد وصفه صاحب الجواهر (قدس سره) بما ملخّصه: إنّ الحجّ من أعظم شعائر الإسلام ، وأفضل ما يتقرّب به الأنام إلى
الملِك العلاّم; لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن ، وهجران الأهل ، والتغرّب عن الوطن ، ورفض العادات ،
- (1) وسائل الشيعة : 11/99، كتاب الحجّ، أبوابوجوبهوشرائطه ب38 ح15 .
- (2) وسائل الشيعة : 11/14 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب1 ح18 .
(الصفحة 8)
وترك اللّذاتوالشهوات،والمنافراتوالمكروهات، وإنفاق المال وشدّ الرِّحال ، وتحمّل مشاقّ الحلّ والارتحال ، ومقاساة الأهوال ، والابتلاء بمعاشرة السفلة والأنذال .
فهو حينئذ رياضة نفسانيّة ، وطاعة ماليّة ، وعبادة بدنيّة ، قوليّة وفعليّة ، وجوديّة وعدميّة ، وهذا الجمع من خواصّ الحجّ من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة، وهي لم تجتمع فيها ما اجتمع في الحجّ من فنون الطاعات .
ومن هنا ورد في الحديث : أنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط ، بل من كلّ شيء إلاّ الصلاة . بل ورد : أنّه أفضل من الصلاة والصيام; لأنّ المصلّي يشتغل عن أهله ساعة ، وأنّ الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم ، وأنّ الحاجّ ليشخّص بدنه ويضحّي نفسه وينفق ماله ويطيل
الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا إلى تجارة(1) . وقد
- (1) راجع الوسائل: 11 / 93 و 110 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ب38 و41 .
(الصفحة 9)
تطابق العقل والنقل على أنّ أفضل الأعمال أحمزها(1) ، وأنّ الأجر على قدر المشقّة(2) .
ويدلّ على أهمّية الحجّ وأفضليّته من الصلاة ـ مضافاً إلى اشتمال الحجّ عليها وعدم اشتمالها عليه ـ أنّ الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقّق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسمّـاة بها لأجله والفراغ عنه بالتسليم ،
ولا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من أنّها عمود الدين ، إن قُبلت قُبِلَ ما سواها وإن ردّت رُدَّ ما سواها(3); لعدم دلالته
على الحصر ، فتدبّر .
- (1) نهاية ابن الأثير في مادّة «حمز» . وفي الكافي 4 /199 في خطبة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) قال : وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل .
(2) جواهر الكلام 17: 214 ـ 216 .(3) راجع الوسائل 4: 27 و 33 و 34 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب6 ح7 وب8 ح6 و10 و13 .