(صفحه 119)
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا».
قلت: فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولمأدرِ أين هو فأغسله؟ قال: «تغسلمن ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك».
قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: «لا،ولكنّك إنّما يريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك».
قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال: «تنقض الصلاة وتعيد إذشككت في موضع منه ثمّ رأيته، وإن لمتشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاةوغسلته، ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنّك لاتدري لعلّه شيء اُوقع عليك، فليسينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ»(1).
مورد الاستدلال بالرواية واحتمالاته
ومورد الاستدلال بالرواية فقرتان: إحداهما: قوله «فإن ظننت أنّه قدأصابه...» إلى آخرها.
وثانيتهما: قوله: «وإن لمتشكّ ثمّ رأيته رطبا...» إلى آخرها.
أمّا الاُولى منهما ففيها احتمالات:
أحدها: أنّه بعد الظنّ بالإصابة والنظر وعدم الرؤية صلّى من غير حصولعلم أو اطمئنان له من النظر، فلمّا صلّى رأى في ثوبه النجاسة، وعلم بأنّها هيالتي كانت مظنونة، فعلم أنّ صلاته وقعت في النجس.
ثانيها: الصورة المتقدّمة، أي عدم حصول العلم له من النظر، لكن مع احتمالحدوث النجاسة بعدها، واحتمال وقوع الصلاة فيها.
- (1) التهذيب 1: 421، الحديث 1335؛ علل الشرائع 361: 1؛ الوسائل 2: 1006، الباب 7، الحديث 2،وص1053، الباب 37، الحديث 1، وص1063، الباب 42، الحديث 2، وص1065، الباب 44، الحديث 1.
(صفحه120)
ثالثها: أنّه حصل له العلم من النظر بعدم النجاسة، فلمّا صلّى تبدّل علمهبالعلم بالخلاف، أي بأنّ النجاسة كانت من أوّل الأمر.
رابعها: هذه الصورة مع احتماله بعد الصلاة حدوث النجاسة بعدها، واحتمالوقوع الصلاة فيها.
هذا، ولكن تعليل الجواب ينافي إرادة الثالث، والاحتمال الرابع المنطبق علىقاعدة اليقين بعيد؛ لأنّه لو حصل له العلم كان عليه ذكره في السؤال، لوضوحاحتمال دخالته في الحكم، فعدم ذكره دليل على عدم حصوله، والغفلة في مقامالسؤال عن موضوعه خلاف الأصل.
مضافا إلى ظهور قوله: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين» في فعليّة الشكّواليقين، تأمّل.
مع أنّ الظاهر أنّ الكبرى في هذا المورد وذيل الرواية واحدة، ولا إشكالفي أنّ الكبرى في ذيلها منطبقة على الاستصحاب لا القاعدة؛ ضرورة أنّ قوله:«وإن لمتشكّ» معناه أنّك إن كنت غافلاً وغيرمتوجّه إلى النجاسة، ثمّ رأيتهرطبا، واحتملت كونها من أوّل الأمر وحدوثها فيما بعد، وليس معناه اليقينبعدم الطهارة، فالاحتمال الرابع غيرمقصود، فبقي الاحتمالان، وهما مشتركان فيإفادة حجّيّة الاستصحاب، فلوكانت الرواية مجملة من هذه الجهة لايضرّ بها،وأمّا الاحتمالان فلا يبعد دعوى ظهورها في الأوّل منهما.
والحاصل: أنّ الفقرة الثانية لا إشكال في دلالتها على حجّيّة الاستصحاب.
وأمّا الفقرة الاُولى فقد اُورد عليها بما حاصله: أنّه كيف يصحّ أن يعلّل عدموجوب إعادة الصلاة ـ بعد الالتفات والعلم بوقوعها في الثوب النجس ـ بقوله:«لأنّك كنت على يقين من طهارتك» مع أنّ الإعادة حينئذٍ لاتكون من نقضاليقين بالشكّ، بل من نقض اليقين باليقين.
(صفحه 121)
نعم، يصحّ تعليل جواز الدخول في الصلاة بذلك.
وجوابه: يحتاج إلى مقدّمة، وهي: أنّ الإعادة لايمكن وقوعها موضوعللحكم الشرعي نفيا أو إثباتا، ولا يتعلّق الحكم الشرعي الوجوبي أوالتحريمي بها، بل العقل إذا لاحظ موافقة المأتي به مع المأمور به الشرعي يحكمبأنّه لايجب عليك الإعادة وإذا لاحظ مخالفته يحكم بأنّه يجب عليك الإعادة،وأمّا استعمال الإعادة في كلام الشارع، كما في قوله: «يعيد الصلاة» أو «لايعيدالصلاة» أو «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمس» ونحو ذلك فهو من الاستعمالاتالكنائيّة من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم، وإشارة إلى المنشأ، يعني شرطيّةالطهارة وأمثالها في الصلاة.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الظاهر من أدلّة اعتبار الطهارة في الصلاة هيالطهارة الواقعيّة، ولازم ذلك بطلان الصلاة في مورد السؤال الثالث؛ لوقوعهمع النجاسة، ولكنّ التعليل في الرواية يكون بمنزلة التفسير للأدلّة الأوّليّة، وأنّالطهارة المعتبرة فيها ليست منحصرة بالطهارة الواقعيّة، فالتعليل لايرجع إلىعدم الإعادة، بل الحكم به إرشاد إلى موافقة المأتي به للمأمور به؛ لتوسعةدائرة الشرط إلى الطهارة الاستصحابيّة.
ثمّ إنّ ههنا إشكالاً ثانيا في الرواية، وهو لزوم التفرقة بين وقوع تمام الصلاةفي الثوب النجس، وبين وقوع بعضها فيه، حيث حكم في الأوّل بعدم الإعادةدون الثاني كما هو ظاهر قوله بعد ذلك: «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت فيموضع منه»، مع أنّ حمل حكم الإمام عليهالسلام بالإعادة هنا على التعبّد خلافالظاهر وبعيد غايته.
ولا بدّ لنا قبل الجواب من بيان أمرين بعنوان المقدّمة:
الأوّل: أنّ مانعيّة النجاسة للصلاة مانعيّة مطلقة في جميع الحالات والآنات
(صفحه122)
من افتتاحهها إلى اختتامها.
الأمر الثاني: أنّ المستفاد من الروايات عدم مانعيّة حدوث دم رعاف فيأثناء الصلاة، بل يجوز تطهيره والإتيان ببقيّة الصلاة بلا فصل، وكان لهخصوصيّتان: إحداهما: الحدوث من غيراختيار، والثانية: الحدوث في الأثناء،وبعد ملاحظة الأدلّة يستفاد مانعيّة نجاسة الثوب والبدن إلاّ في صورة حدوثهمن غير اختيار في أثناء الصلاة.
وجوابه بعد ذلك: أنّ التمسّك بالاستصحاب ـ فيما إذا علم بعد الصلاة بأنّالنجاسة كانت موجودة حالها ـ ممّا لامانع منه؛ لتحقّق الطهارة الاستصحابيّةللمكلّف في جميع الحالات والآنات، بخلاف ما إذا علم بها في الأثناء؛ لأنّمايمكن التمسّك فيه به هو حالة الشكّ، وبعد العلم بأنّ الصلاة كانت منالابتداء مع النجاسة، فلا طريق لتصحيحها، فلذا قال الإمام عليهالسلام على طبقالقاعدة: «تنقض الصلاة وتعيد».
وأيضا: يرد إشكال آخر على ذيل الرواية، وهو: لا يوجد فرق واضح بينوقوع بعض الصلاة في النجاسة مع الشكّ فيها من الابتداء والعلم بها فيالأثناء، وبين احتمال حدوث النجاسة في الأثناء، حيث تمسّك الإمام عليهالسلام فيالثاني بالاستصحاب دون الأوّل.
ونقول في مقام الجواب: والفرق بينهما: أنّه إذا علم في الأثناء بأنّ النجاسةكانت من الأوّل لايمكن تصحيح صلاته كما عرفت.
وأمّا إذا احتمل عروضها في البين فيمكن التمسّك بالاستصحابلتصحيحها، لا لأنّ أصالة عدم عروض النجاسة إلى الآن تثبت حدوثها؛ضرورة مثبتيّة هذا الأصل، بل لأنّ أصالة عدم عروض النجاسة إلى الآن إنّمهي لتصحيح حال الجهل بها، وحال العلم بالتلبّس يكون المصلّي شاكّا في
(صفحه 123)
كون هذه النجاسة الموجودة حادثة حتّى لاتكون مانعة أو باقية من الأوّلحتّى تكون مانعة، فيكون شاكّا في مانعيّتها، فتجري أصالة البراءة العقليّةوالشرعيّة كما في اللباس المشكوك فيه.
فلا يخفى أنّ بين الصورتين فرقا بحسب الاُصول والقواعد، كما فرّق بينهمالإمام عليهالسلام فدلالة الرواية على حجّيّة الاستصحاب لا إشكال فيها.
الثالثة: صحيحة اُخرى لزرارة عن أحدهما عليهماالسلام قال: قلت له: من لميدرِ فيأربع هو أو في ثنتين، وقد أحرز الثنتين؟ قال: «يركع ركعتين وأربع سجدات،وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه، وإذا لميدرِ في ثلاث هو أو فيأربع وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه، ولا ينقضاليقين بالشكّ، ولا يدخل الشكّ في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنّهينقض الشكّ باليقين، ويتمّ على اليقين فيبنى عليه، ولا يعتدّ بالشكّ في حال منالحالات»(1).
يحتمل أن يكون قوله: «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحةالكتاب ويتشهّد» ظاهرا في إتيان الركعتين مستقلاًّ؛ إذ الظاهر منه تعيّن الفاتحة،وإتيان الركعة المشكوكة منفصلة موافق لمذهب الخاصّة ومخالف لمذهبالعامّة؛ لإتيانهم بها ـ بعد البناء على الأقلّ ـ متّصلة.
ويحتمل أن يكون ظاهر الرواية الإتيان بالركعتين متّصلة وصدور صدرالرواية من باب التقيّة، ولكنّه لايناسب بيان الإمام عليهالسلام بعد جواب زرارةموضوعا آخر، والجواب عنه أيضا من باب التقيّة، وهو قوله: «وإذا لميدرِ فيثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها اُخرى...» الظاهر منه
- (1) الوسائل 5: 321، الباب 10، الحديث 3، والباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاةوالتهذيب.