ابن الحسين، عن محمّد بن عبداللّه بن هلال ـ وهو مجهول الحال ـ عن عقبة بنخالد ـ وهو إماميّ قابل للاعتماد ـ عن أبي عبداللّه عليهالسلام : «قال: قضىرسول اللّه صلىاللهعليهوآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنّه لايمنع نفع شيء (نقع بئر)،وقضى بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال (فقال): لضرر ولا ضرار».
وفي نقل الصدوق قال بعد ذلك «ولا شفعة إلاّ لشريك غير مقاسم».
قال: «لايترك، وذلك أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال: لا ضرر ولا ضرار». وفي نسخة زادكلمة «ولا ضرار» أيضا.
ونقل أيضا صاحب المستدرك عن الكتاب المذكور أنّه قال: روينا عن أبيعبداللّه عليهالسلام عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهالسلام أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال: «لا ضرر ولضرار».
وقال صاحب الوسائل في كتاب الإرث(1)، قال الصدوق: «قال النبيّ صلىاللهعليهوآله الإسلام يزيد ولا ينقص، قال: وقال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، وأمّا جملة«لايزيده شرّا» في ذيل الرواية، فلا نعلم كونها من النبيّ أو من الصدوق.
ومعنى الرواية أنّ كفر الوارث من موانع الإرث، وأمّا إذا كان الوارثمسلما والمورّث كافرا، فلا منع في البين؛ إذ الإسلام يوجب الزيادة ولالنقيصة، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
وهذه المرسلة معتبرة بلحاظ أنّ الصدوق مع شدّة احتياطه نسبها إلىالنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكونها واجدة لشرائط الحجّيّة بنظره قطعا، وهذا لايكون أقلّ منتوثيق مثل النجاشي بلاريب.
ونقل أيضا في الكافي(2) بسنده عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبيعبداللّه عليهالسلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع، فاشتراه رجل بعشرةدراهم، وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى أنّ البعير برئ،فبلغ ثمنه دنانير، قال: فقال «لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أرادالرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار، وقد أعطى حقّه إذا أعطى الخمس».
وقال الشيخ رحمهالله في كتاب الخلاف في باب خيار الغبن: «دليلنا: ما روي عن
- (1) وسائل الشيعة 26: 14، الباب 1، من أبواب موانع الإرث، الحديث 9 و 10.
- (2) الكافي 5: 293، كتاب المعيشة، باب الضرار، الحديث 4.
(صفحه44)
النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال: «لا ضرر ولا ضرار»(1).
وقال ابن زهرة في باب خيار العيب: «ويحتجّ على المخالف بقوله: «لا ضررولا ضرار»»(2). وقال العلاّمّة في التذكرة مرسلاً: «قال رسولاللّه صلىاللهعليهوآله : «لا ضررولا ضرار في الإسلام»»(3).
وهكذا ذكرت هذه الجملة في الكتب اللغوية، مثل: مجمع البحرين ونهايةابن الأثير، والمستفاد من نقل ابن الأثير ـ مع التزامه بنقل ما روي من طرقأهل السنة ـ أنّ نقلها لا ينحصر بالإماميّة، كما أنّ أحمد بن حنبل ذكرها فيضمن الرواية المفصّلة عن عبادة بن صامت بالنسبة إلى الأحكام الصادرة عنرسول اللّه صلىاللهعليهوآله وقال: «وقضى أن لا ضرر ولا ضرار»(4)، فلا مناقشة فيها منحيث الاعتبار بعد نقلها إجمالاً من طريق الفريقين.
ولا إشكال في ورودها في ذيل قضية سمرة بن جندب، ولا إشكال فيارتباطها في هذه القضيّة، كما يستفاد من كثير من الروايات، مثل: الموثّقةالمنقولة عن المشايخ الثلاثة، فإنّه قال رسول اللّه فيها: «اذهب فاقلعها وارم بهإليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار». ودليل الارتباط هو بيان التعليل مصدّرا بكلمة«فاء»، وهكذا قال في مرسلة زرارة: «إنّك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار علىمؤمن»، فإنّ تشكيل الصغرى والكبرى دليل على الارتباط بهذه القضيّة،وهكذا قوله في رواية اُخرى: «ما أراك يا سمرة إلاّ مضارّا».
وأمّا الروايات الدالّة على ورودها في ذيل قضيّة اُخرى مثل قوله: «قضىرسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ول
- (2) غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع: 224.
- (3) تذكرة الفقهاء 11: 68.
(صفحه 45)
ضرار، وقا ل: إذا عرّفت العرف وحدّدت الحدود فلا شفعة»، فلا ظهور لهبالارتباط؛ إذ يحتمل أن تكون هذه جملة مستقلّة في قبال ما هو قبلها وبعدها.
وهكذا ما ذكرناه من قوله: «قضى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بين أهل المدينة فيمشارب النخل أنّه لايمنع نفع شيء (نقع بئر) وقضى بين أهل البادية أنّه لايمنعفضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال (فقال): لا ضرر ولا ضرار»؛ إذ النسخة فيالواقع إن كانت «فقال» يدلّ على الارتباط وإن كانت «وقال» لا يدلّ عليه،فلا دليل لإثبات ارتباطها بالقضيّتين.
والظاهر بحسب بادي النظر أنّ مشروعيّة حقّ الشفعة تكون بلحاظ دفعالضرر، وأنّ قوله: «لا ضرر ولا ضرار» بمنزلة التعليل له، ولازم ذلك دورانهمدار تحقّق الضرر وعدمه، فإذا كان المشتري مؤمنا صالحا وأفضل معاشرةمن الشريك لايتحقّق حقّ الشفعة، مع أنّه لايمكن الالتزام به، مضافا إلى أنّهثابت للشريكين فقط، فإن كان الشركاء أزيد منهما لايتحقّق وإن كان في البينضرر للشريك، وهكذا إذا كان انتقال الملك بالهبة والصلح ونحو ذلك؛لاختصاصه بالبيع فقط، مع أنّه لا فرق من حيث الضرر بين البيع وسائرالانتقالات. ومضافا إلى أنّ مدار الحكم لو كان تحقّق الضرر لابدّ من تحقّقهفيما إذا كان بيع دار الجار وأرضه موجبا لضرر جاره بدون أيّ نوع منالشركة، مع أنّه لم يلتزم أحد بذلك.
وهكذا إذا كان بيع الدار الشخصيّة موجبا لمشقّة شديدة أو كسالة زوجتهلشدّة علاقتها بالدار، أو في مثل هبة الأب ثلث ماله لأحد أولا ده في حالحياته وسلامته، لكونه ضررا لسائر أولا ده، مع أنّه لايتحقّق حقّ الشفعة فيهذين الموردين، ولا إشكال فيهما، فلا يرتبط قوله: «لا ضرر ولا ضرار»بالشفعة، وإلاّ يلزم التوالي الفاسدة المذكورة.