فهل يترتّب هذا الحكم الشرعي أيضا عليه أم لا؟ كما يترتّب على استصحابحياة زيد الآثار الشرعيّة المترتّبة بلاواسطة، مثل: حرمة التصرّف في أمواله،وحرمة ترويج زوجته ونحو ذلك.
وأمّا ترتّب الآثار الشرعيّة المترتّبة بالنذر على بياض لحيته أو كونه فيالسن كذا فهو محلّ البحث والنزاع، والمفروض أنّه ليست لنفس اللازم العقليأو العادي حالة سابقة متيقّنة حتّى يجري الاستصحاب فيه مستقلاًّ لترتّبلازمه الشرعي.
والمشهور بين المحقّقين من الاُصوليّين التفصيل بين الأمارات والاُصول،بأنّه يترتّب على استصحاب حياة زيد ـ مثلاً ـ ما يترتّب عليه بلا واسطة منالآثار الشرعيّة فقط، وإن قامت بيّنة على حياته فيترتّب عليها جميع الآثارالشرعيّة، سواء كان ترتّبها مع الواسطة أو بلا واسطة.
وإنّما الكلام في وجه هذا التفصيل، فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ وجههإطلاق أدلّة الأمارات بالنسبة إلى جميع الآثار دون الاُصول؛ لوجود القدرالمتيقّن في مقام التخاطب فيها، وهو آثار نفس المستصحب بلا توسّط شيء(1).
وفيه: أنّ حجّيّة الأمارات يمكن أنّ تكون تأسيسيّة، بمعنى تعبّد الشارع بهبالأدلّة اللفظيّة المستقلّة، ويمكن أن تكون إمضائيّة، بمعنى تأييد الشارع بنحومن الأنحاء أو عدم ردعه لما هو مورد بناء العقلاء، والظاهر من كلام صاحبالكفاية رحمهالله إطلاق أدلّة حجّيّة الأمارات مع كونها أدلّة لفظيّة تعبديّة، ولكننقول: إنّ معنى الحجّيّة التعبّديّة هي الكاشفيّة التعبّديّة لا الكاشفيّة الواقعيّةوالتكوينيّة.
باللازم والملازم، وهكذا الظنّ بالملزوم مساوق للظنّ باللازم، والملازم، وأمّفي مرحلة التعبّد فلا يصحّ التعدّي من دائرة المتعبّد به إلى اللوازم والملزومات،بل لابدّ من التعبّد بالمدلول المطابقي للدليل والمخبر به، فلا فرق في التعبّد بمفادالمطابقي والقدر المتيقّن من الدليل بين دليل الأصل والأمارة، فكما أنّ قوله:«لاتنقض اليقين بالشكّ» لايتعدّى من القضيّة المتيقّنة والمشكوكة كذلك قوله«صدّق العادل» ـ مثلاً ـ لايتعدّى عن المخبر به.
وأمّا إن كان دليل اعتبار الأمارات بناء العقلاء، وحجّيّتها كانت إمضائيّةـ كما هو التحقيق ـ فلابدّ من معاملتها معاملة بناء العقلاء من ترتّب جميعالآثار واللوازم بلحاظ حصول الوثوق والاطمئنان بها.
وقال المحقّق النائيني رحمهالله : إنّ وجهه اختلاف المجعول في باب الأماراتوالاُصول، فإنّ المجعول في الأوّل هو الطريقيّة والكاشفيّة واعتبارها علمبالتعبّد فكما أنّ العلم الوجداني بالشيء يقتضي ترتّب آثاره وآثار لوازمهكذلك العلم التعبّدي الجعلي، وفي الثاني هو مجرّد تطبيق العمل على مؤدّىالأصل والجري العملي على طبق اليقين السابق، وحيث إنّ اللازم لم يكنمتيقّناً فلا وجه للتعبّديّة(1).
وفيه: أنّه لايمكن أن تكون الطريقيّة التعبديّة دليلاً على حجّيّة مثبتاتالأمارات، فإنّها لاتكون طريقيّة تكوينيّة عقلائيّة حتّى يترتّب عليها جميعالآثار واللوازم.
نعم، سلّمنا أنّ العلم الوجداني يقتضي ترتّب جميع الآثار حتّى ما كان منهبتوسّط اللوازم العقليّة أو العاديّة؛ لأنّه من العلم بالملزوم يتولّد العلم باللازمبعد الالتفات إلى الملازمة، فترتّب آثار اللازم ليس من جهة العلم بالملزوم، بل
- (1) فوائد الاُصول 4: 484 ـ 487.
(صفحه 237)
من جهة العلم بنفس اللازم المتولّد من العلم بالملزوم، بخلاف العلم التعبّديالمجعول فإنّه لايتولّد منه العلم الوجداني باللازم وهو واضح، ولا العلمالتعبّدي به؛ لأنّ العلم التعبّدي تابع لدليل التعبّد، وهو مختصّ بالملزوم دونلازمه؛ لأنّ المخبر إنّما أخبر به عنه لاعن لازمه.
فلا وجه لحجّيّة مثبتات الأمارات إلاّ اعتبارها من طريق بناء العقلاءوإمضاء الشارع له.
والمهمّ في الكلام عبارة عن علّة عدم حجّيّة مثبتات الاُصول وعرفتمانقلناه عن صاحب الكفاية رحمهالله من أنّ علّته عدم إطلاق أدلّة حجّيّة الاُصوللتحقّق القدر المتيقّن في مقام التخاطب، وهو الأثر الشرعي المترتّب عليهبلاواسطة، فلذا لاتشتمل الآثار الشرعيّة المترتّبة على اللوازم العقليّة والعاديّة.
وهكذا ما نقلناه عن المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ علّته عدم جعل الكاشفيّةوالطريقيّة لها، بل المجعول فيها تطبيق العمل على طبق مؤدّاها، ولا محالة يكونمقصوده أنّ مؤدّى الاستصحاب هو الأثر الشرعي المترتّب على المستصحببلا واسطة.
وقال الشيخ الأنصاري رحمهالله : «إنّ معنى عدم نقض اليقين والمضي عليه هوترتيب آثار اليقين السابق الثابتة بواسطته للمتيقّن، ووجوب ترتيب تلكالآثار من جانب الشارع لايعقل إلاّ في الآثار الشرعيّة المجعولة من الشارعلذلك الشيء؛ لأنّها القابلة للجعل دون غيرها من الآثار العقليّة والعاديّة،فالمعقول من حكم الشارع بحياة زيد وإيجابه ترتيب آثار الحياة في زمانالشكّ هو حكمه بحرمة تزويج زوجته والتصرّف في ماله، لاحكمه بنموّهونبات لحيته؛ لأنّ هذه غير قابلة لجعل الشارع.
نعم، لو وقع نفس النموّ ونبات اللحية مورداً للاستصحاب أو غيره من