(صفحه 361)
والتحقيق: أنّ هذا الكلام لا يكون قابلاً للالتزام به؛ إذ التحيّر الابتدائيالزائل بأدنى تأمّل لا يقتضي كونهما داخلين في عنوان المتعارضين حتى نحتاجإلى علاج التنافي والتعارض بالأخبار العلاجيّة، بعد مرجعيّة النظر الدقّيللعرف في هذه الموارد لا نظره البدوي.
مع أنّا لا نرى في الأخبار العلاجيّة مورداً كان السؤال فيه عن العامّوالخاصّ حتّى نقول بكون السائل متحيّراً في الحكم الظاهريّ والواقعيّ، بلكان السؤال فيها عن مطلق الخبرين المتعارضين مع حجّيّة كليهما ووظيفةالمكلّف بالنسبة إليهما.
على أنّه لانجد في الأخبار العلاجيّة بعد التتبّع فيها من السؤال عن ردعالشارع عن الطريقة المتعارفة بين العقلاء بالنسبة إليهما وعدمه أثرا ولا خبرا.وعلى فرض إمكان وجوده يمكن أن يكون جواب الإمام عليهالسلام عدم الردع عنالطريقة المذكورة.
والمحقّق الحائرى قدسسره أيضاً قائل بشمول الأخبار العلاجيّة للعامّ والخاصّبعد الاعتراف بأنّ عدم تحقّق المعارضة بينهما من المرتكزات العرفيّة، ولكن معذلك يقول بعدم استلزام هذا لحمل السؤالات الواردة في الأخبار على غيرمورد العامّ والخاصّ؛ إذ المرتكزات العرفيّة لا يلزم أن تكون مشروحةومفصّلة عند كلّ أحد حتّى يرى السائل في هذه الأخبار عدم احتياجه إلىالسؤال عن حكم العامّ والخاصّ المنفصل وأمثاله؛ إذ ربّ نزاع بين العلماء يقعفي الأحكام العرفيّة مع أنّهم من أهل العرف.
ثمَّ قال: سلّمنا التفات كلّ الناس إلى هذا الحكم حتّى لا يحتمل عدم التفاتالسائلين في تلك الأخبار، فمن الممكن السؤال أيضاً لاحتمال عدم إمضاء
(صفحه362)
الشارع هذه الطريقة.
وجوابه: أنّه سلّمنا عدم لزوم كون المرتكزات العرفيّة مشروحة... ولكن لنرى في الأخبار العلاجيّة أثر من السؤال عن كلّي العامّ والخاصّ، ولا منمصاديقهما، بل السؤال فيها عن الخبرين المتعارضين أو الحديثين المختلفين،وعدم مشروحيّة المرتكز العرفي عند بعض أهل العرف لا يوجب أن يكونالسؤال عن الخبرين المتعارضين شاملاً للعامّ والخاصّ، وعدم التفات السائلإلى ما هو المرتكز عند العرف.
ثمّ قال قدسسره : «ودعوى السيرة القطعيّة على التوفيق بين العامّ والخاصّوالمطلق والمقيّد من لدن زمان الأئمّة عليهمالسلام ، وعدم رجوع أحد العلماء إلىالمرجّحات الاُخر يمكن منعها، كيف؟ ولو كانت لما خفيت على مثل شيخالطائفة قدسسره ، فلا يظن بالسيرة، فضلاً عن القطع، بعد ذهاب مثله إلى العملبالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر، كما يظهر من عبارته المحكّيّة عنه فيالاستبصار والعدّة، وقد نقل العبارتين شيخنا المرتضى الأنصاري قدسسره في رسالةالتعادل والتراجيح(1)، فلا حظ.
وجوابه: أنّ لازم عدم كون الخاصّ مخصّصاً للعامّ أن لا يبقى مجال للبحثعن العامّ والخاصّ في علم الاُصول، ولا بدّ من ملاحظة المرجّحات فيهموتقديم ذوالمزيّة أو التخيير، مع أنّا نرى عدم حذف شيخ الطائفة البحثالمذكور عن كتاب العدّة، ومعناه التزامه بتخصيص العامّ بالخاص.
على أنّه لا نرى في كتبه الفقهيّة من المبنى المذكور أثراً ولا خبراً، مع أنّلازم الالتزام به ترتّب أحكامه عليه في الفقه، مع أنّه لا يستفاد من عبارةكتاب العدّة والاستبصار هذا المعنى.
- (1) فرائد الاُصول 4: 82 ـ 83 .
(صفحه 363)
ثمّ قال: ويؤيّد عموم الأخبار ماورد في رواية الحميري عن الحجّة عليهالسلام منقوله عليهالسلام : «في الجواب عن ذلك حديثان: أمّا أحدهما فإذا انتقل من حالة إلىاُخرى فعليه التكبير، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانيّةوكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير...»(1).
ولا شكّ أنّ الثاني أخصّ من الأوّل مطلقاً، مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله فيآخر الخبر: «وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً».
وجوابه: أوّلاً: أنّ مكاتبات الحميري من حيث السند مورد للإشكال، كمثبت في محلّه.
وثانياً: أنّ جواب الإمام عليهالسلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»ـ المشعر بعدم علم الإمام عليهالسلام بحكم المسألة ـ في جواب السؤال عن حكمشخصيّ وواقعة شخصيّة لايناسب مقامه عليهالسلام .
وثالثاً: أنّ حكم الإمام عليهالسلام بالتخيير يكون في الواقع تقديم الخاصّ علىالعامّ وإلغاء الدليل العامّ؛ فإنّ مفاده وجوب التكبير على مَن انتقل من حالةإلى اُخرى، ومفاد الخاصّ عدم وجوبه في ابتداء الركعة الثانية والثالثة.
ثمّ ذكر رواية اُخرى تأييداً لما ادّعاه بقوله: «وكذا مارواه عليّ بن مهزيار،قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليهالسلام : اختلف أصحابنا فيرواياتهم عن أبي عبداللّه عليهالسلام في ركعتي الفجر في السفر، فروى بعضهم:«صلّهمافي المحمل»، وروي بعضهم: «لا تصلّهما إلاّ على وجه الأرض...»(2)،وواضح أنّ الروايتين من قبيل النصّ والظاهر؛ لأنّ الاُولى نصّ في الجواز،والثانيّة ظاهرة في عدمه؛ لإمكان حملها على أنّ إيقاعها على الأرض أفضل،
- (1) الوسائل 18: 87 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 39.
- (2) الوسائل 18: 88 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 44.
(صفحه364)
مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله عليهالسلام : «موسّع عليك بأيّة عملت».
والإشكال عليه أيضاً ما ذكرناه من عدم تناسب الجواب بالتخيير في واقعةشخصيّة مع مقام الإمام كما لا يخفى، فالسيرة المستمرّة القطعيّة محكمة في تقديمالخاصّ على العامّ بلا ريب كما ذهب إليه المشهور.
(صفحه 365)