وأمّا الفرع الثاني فيرد عليه: أنّه لايمكن استناد بطلان الصلاة فيه إلىاستصحاب الحدث قبل الصلاة، فإنّ الاستصحاب لايتحقّق في حال الصلاة؛إذ المفروض أنّه حال الغفلة والذهول، والمعتبر فيه فعليّة اليقين والشكّ،واستصحاب الحدث قبل حال الغفلة لايفيد بالمقام، ولا يمكن الالتزام بصحّةالصلاة في هذا الفرع مستندا إلى قاعدة الفراغ؛ لاختصاصها في مورد حدوثالشكّ بعد الفراغ عن الصلاة وكان الإنسان بعد الفراغ عنها غافلاً عنخصوصيّاتها وكيفيّة إتيانها، والمفروض هنا تحقّق الشكّ قبل الصلاة وكونالمصلّي عالما بجزئيّات صلاته وخصوصيّاتها.
وبعد عدم جريان الاستصحاب وقاعدة الفراغ فلابدّ من إعادة الصلاةمستندا إلى قاعدة الاشتغال، فما ذكره صاحب الكفاية قدسسره بعنوان الثمرة لفعليّةاليقين والشكّ ليس بتامّ.
التنبيه الثاني
في البحث عن جريان الاستصحاب
في مؤدّيات الأمارات والطرق الشرعيّة وعدمه
ربّما يقال: بعدم جريانه فيها؛ إذ لابدّ في الاستصحاب من تحقّق اليقينبالحدوث والشكّ في البقاء، والأمارات مطلقا لاتفيد اليقين، بعد ما ذكرنا أنّحجّيّة الأمارات بنحو الطريقيّة والكاشفيّة، بمعنى المنجّزيّة عند موافقة الواقعوالمعذّريّة عند مخالفة الواقع، وقيام الطرق والأمارات لايوجب جعل الحكمالظاهري على طبق مؤدّياتها، كما أنّ حجّيّة القطع أيضا تكون كذلك، ولازمعدم جريانه فيها انسداد باب الاستصحاب إلاّ في بعض الموارد، وهذالإشكال مهمّ وتترتّب عليه ثمرة فقهيّة مهمّة.
قال صاحب الكفاية قدسسره : «يمكن أن يذبّ عمّا في استصحاب الأحكام التيقامت الأمارات المعتبرة على مجرّد ثبوتها، وقد شكّ في بقائها على تقديرثبوتها، من الإشكال: بأنّه لايقين بالحكم الواقعي، ولا يكون هناك حكم آخرفعلي بناء على ما هو التحقيق، من أنّ قضيّة حجّيّة الأمارة ليست إلاّ تنجّزالتكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة، كما هو قضيّة الحجّة المعتبرة عقلاً،كالقطع والظنّ في حال الانسداد وعلى الحكومة، لا إنشاء أحكام فعليّة
(صفحه164)
شرعيّة ظاهريّة، كما هو ظاهر الأصحاب، ووجه الذبّ بذلك: أنّ الحكمالواقعي الذي هو مؤدّى الطريق حين الشكّ محكوم بالبقاء، فتكون الحجّة علىثبوته حجّة على بقائه تعبّدا؛ للملازمة بين بقائه وثبوته واقعا.
إن قلت: كيف وقد اُخذ اليقين بالشيء في التعبّد ببقائه في الأخبار ولا يقينفي فرض تقدير الثبوت؟
قلت: نعم، ولكنّ الظاهر أنّه اُخذ كشفا عن الحكم الواقعي ومرآتا لثبوتهليكون التّعبّد في بقائه، والتعبّد مع فرض ثبوته إنّما يكون في بقائه، فافهم»(1).
ويرد عليه: أوّلاً: لزوم التهافت بين ما اختاره في التنبيه الأوّل من اعتبارفعليّة الشكّ واليقين في الاستصحاب، وبين ما اختاره في التنبيه الثاني منالاكتفاء في صحّة الاستصحاب بالشكّ في بقاء شيء على تقدير ثبوتهوإنلميحرز ثبوته، كما ذكره اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (2).
وثانياً: أنّ اليقين في قوله: «لاتنقض اليقين بالشكّ» طريقيّ بلحاظ المتعلّقوالمتيقّن، وموضوعيّ بلحاظ حكم «لاتنقض» كموضوعيّته في قولنا: «اليقينحجّة عقلاً»، فلا ينافي مرآتيّة اليقين وكاشفيّته مع موضوعيّته بلحاظ حكمعدم النقض، والمفروض قوام الاستصحاب باليقين والشكّ واعتبار فعليّتهما،فلابدّ من طريق آخر لحلّ الإشكال.
وقال المحقّق النائيني رحمهالله وبعض تلامذته في مقام الجواب عن الإشكال: إنّمعنى جعل حجّيّة الأمارات هو جعل الأمارات من أفراد العلم في عالمالاعتبار، فيكون اليقين حينئذٍ فردان: اليقين الوجداني، واليقين الجعليالاعتباري، فكما لو علمنا بحكم من الأحكام، ثمّ شككنا في بقائه نرجع إلى
- (1) كفاية الاُصول 2: 309 ـ 310.