(صفحه 37)
وعدمه، وإن قلنا بجريانها فيها ـ كما هو الحقّ ـ فيقع البحث في أنّها تجريبدون الفحص أو أنّ جريانها مشروط بالفحص؟
قال اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله : «إنّ الظاهر هو وجوب الفحص، فإنّ العقللايحكم بقبح العقاب إلاّ بعد الفحص واليأس عن إحراز الصغرى ـ أيالموضوع ـ والدليل على ذلك مراجعة العقلاء في اُمورهم. ألا ترى أنّه لو أمرالمولى عبده بإكرام ضيفه وتردّد بين كون زيد ضيفه أم غيره، وكان قادرا علىالسؤال من المولى والعلم بذلك، هل يكون معذورا في المخالفة مع عدم الإكرام؟كلاّ، فاللازم بحكم العقل الفحص والتتبّع في الشبهات الموضوعيّة أيضا»(1).
هذا ما ذكره رحمهالله هنا ولميتعرّض إلى أزيد من ذلك، والتحقيق: أنّه كلام جيّدوقابل للالتزام، وأمّا البراءة النقليّة فقد يقع البحث فيها في الشبهاتالموضوعيّة التحريميّة، وقد يقع في الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة، أمّا الشبهاتالموضوعيّة التحريميّة ـ كالشكّ في أنّ مائع كذا خمر أو خلّ ـ فقد ادّعى الشيخالأنصاري رحمهالله الإجماع على عدم وجوب الفحص فيها، وجريان قاعدة الحلّيّةبدون الفحص، وادّعاء الإجماع من مثله لايكون قابلاً للردّ، إلاّ أنّه من الأدلّةاللبّيّة لابدّ من الاقتصار فيها على القدر المتيقّن، فإنّ الفحص قد يحتاج إلىتعطيل الاُمور والمشقّة ومراجعة أهل الفنّ حتّى يتّضح الحال، وقد لا يكونكذلك بل يتّضح الحال بأدنى السؤال مثلاً، والقدر المتيقّن منه هو الأوّل، دونالثاني. نعم، المستفاد من الأدلّة ومذاق الشرع هو التسهيل والتسامح في بابالطهارة والنجاسة، وجريان قاعدة الطهارة في صورة الشكّ بدون أيّ نوع منالتفحّص.
وأمّا الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة كالشكّ في تحقّق الاستطاعة في الحجّ
- (1) معتمد الاُصول 2: 315.
(صفحه38)
والنصاب في الزكاة ونحو ذلك فقد ذكر المحقّق النائيني رحمهالله هنا تفصيلاً جيّدا،وقال: «إنّ موضوع التكليف إذا كان من الموضوعات التي لايحصل العلم به إلبالفحص عنه ـ كالاستطاعة في الحجّ والنصاب في الزكاة ـ فلا يبعد القولبالملازمة العرفيّة بين التكليف ـ أي وجوب الحجّ مشروطا بالاستطاعة ووجوب الفحص، فإنّ عدم لزوم الفحص هنا مستلزم للقول بعدم وجوبالحجّ على عدد كثير ممّن يكون مستطيعا بحسب الواقع بلحاظ عدم تفحّصهم،وهذا المعنى لايناسب مع مشروعيّة الحجّ، فوجوب الفحص في هذه الصورةيستفاد من أصل مشروعيّة الحكم بمعونة الملازمة العرفيّة، وإذا لم يكنالموضوع من هذا القبيل فلا يجب الفحص فيه»(1).
وهذا التفصيل في الشبهة الوجوبيّة قابل للقبول لا يخفى أنّ مقتضى إطلاقأدلّة الحلّيّة عدم وجوب الفحص، فوجوب الفحص يحتاج إلى الدليل، لعدمه، وهكذا إطلاق أدلّة البراءة.
هذا تمام الكلام في اعتبار الفحص في جريان البراءة، خُذ فاغتنم.
- (1) فوائد الاُصول 4: 301.
(صفحه 39)
(صفحه40)
قاعدة لاضرر
قاعدة لاضرر
لابدّ من بحث قاعدة لا ضرر في ذيل مباحث البراءة والاشتغال استطرادا،مع أنّ عدم استلزام الضرر ليس من شرائط جريان الاُصول؛ لحكومةالقاعدة على جميع الأدلّة الأوّليّة، فلا تصادم بين أدلّة البراءة والقاعدة، بل هيليست من القواعد الفقهيّة أصلاً ولا من القواعد الاُصوليّة، كما سيأتي؛لارتباطها بمقام الحكومة والولاية، ومن الأحكام الصادرة عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله .
ومستند هذه القاعدة عبارة عن الجملة المنقولة عنه صلىاللهعليهوآله بعنوان «لاضرر ولضرار»، ويمكن ادّعاء التواتر اللفظي أو المعنوي لها، فلابدّ من ذكر متن الروايةعلى ما ذكرها صاحب الوسائل في الأبواب المختلفة:
منها: ما نقله بسند موثّق عن المشايخ الثلاثة بأسنادهم في كتاب إحياءالموات، الباب 12، الحديث الثالث، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّدبن خالد، عن أبيه، عن عبداللّه بن بكير ـ «وتوثيق الرواية بلحاظ كونهفطحي المذهب» ـ عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال: «إنّ سمرة بن جندب كانله عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، فكانيمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة،فلمّا تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فشكى إليه وخبّره الخبر، فأرسلإليه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وخبّره بقول الأنصاري وما شكى، وقال: إذا «إن» أردتالدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به من الثمن ماشاء اللّه، فأبى
(صفحه 41)
أن يبيع، فقال: لك بها عذق يعدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله للأنصارى: إذهب فاقلعها وارمِ بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار»(1).
ونقله مرسلاً عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في الكافي مع اختلاف يسير،وذكر في ذيله: «فقال له رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار علىمؤمن، ثمّ أمر بها رسول اللّه فقلعت، ثمّ رمى بها إليه، وقال له رسول اللّه صلىاللهعليهوآله :انطلق فاغرسها حيث شئت»(2).
ونقله أيضا صاحب الوسائل(3) عن الصدوق، في الباب المتقدّم،الحديث الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن الحسين بن زيادالصيقل ـ هو كثير الرواية قابل للاعتماد ـ عن أبي عبيدة الحذّاء، قال: قالأبو جعفر عليهالسلام : «كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط ابن فلا ن، فكان إذا جاءإلى نخلته ينظر إلى شيء من أهل الرجل، يكره الرجل، قال: فذهب الرجلإلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فشكى، فقال: يا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، إنّ سمرة يدخل عليّ بغيرإذني، فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتّى تأخذ أهلي خدرها منه، فأرسلإليه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فدعاه، فقال: يا سمرة، ما شأن فلا ن يشكوك، ويقول: يدخلعلىّ بغير إذني، فترى من أهله ما يكره ذلك، فاستأذن إذا أنت دخلت، ثمّ قالرسول اللّه صلىاللهعليهوآله : يسرّك أن يكون عذق في الجنّة بنخلتك؟ قال: لا، قال: ثلاثة، قال:لا، قال: ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا، ثمّ قال: اذهب يا فلا ن، فاقلعها واضرببها وجهه».
ونقله أيضا صاحب الوسائل(4) عن الكليني، عن محمّد بن يحيى عن محمّد
- (1) وسائل الشيعة 25: 428، الباب 12، من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.
- (2) الكافي 5: 294، كتاب المعيشة، باب الضرر، الحديث 8 .
- (3) وسائل الشيعة 25: 427، كتاب إحياء الاموات، الباب 12، الحديث 1.
- (4) وسائل الشيعة 25: 420، في كتاب إحياء الاموات، الباب 7، الحديث 3.