(صفحه 223)
تقدير الغليان جار قبل حصوله، فيتعبّد لأجله ببقاء المستصحب، وهو الحرمةعلى تقدير غليان عصير الزبيب ـ مثلاً ـ وهذا الحكم التعليقي قبل الغليان وإنكان ثابتاً لعصير الزبيب الذي شكّ في حكمه لكن لسان المستصحب هو حرمةالعصير على فرض الغليان لا حرمة المغلي المشكوك فيه، فإذا حصل الغليانيكون لسان الدليل الاجتهادي المستصحب بضميمة الوجدان هو حرمةالمغلي، لا المغلي المشكوك فيه، واستصحاب الحلّيّة المنجّزة متقوّم بالشكّ،فيكون لسانه إثبات الحلّيّة للمغلي المشكوك فيه بما هو كذلك، ولا ريب فيتقديم الأوّل على الثاني وحكومته عليه، لأنه بإثبات الحرمة لذات المغلي يرفعالشكّ الذي هو موضوع استصحاب الحلّيّة، فالاستصحاب الأوّل يجري قبلالغليان، وبعد الغليان يكون المستصحب ـ أي الحكم التعليقي الذي يصير فعليّمتعلّقاً بذات الموضوع ورافعاً للشكّ، فلا يبقى مجال لاستصحاب الحلّيّةالتنجيزيّة(1).
والتحقيق: أنّ بيان الإمام رحمهالله في مقام الجواب عن المعارضة بيان دقيقلحكومة استصحاب الحرمة التعليقيّة على استصحاب الحلّيّة المطلقة، إلاّ أنّهصرّح بأنّ الحرمة التعليقيّة قبل تحقّق المعلّق عليه شرعيّة، وهكذا الحرمةالفعليّة بعد تحقّق المعلّق عليه، وهكذا ترتّبها عليها.
وهو لايخلو عن مناقشة بأنّه كما أنّ الملازمة بين وجوب ذى المقدّمةووجوب المقدّمة في باب مقدّمة الواجب تكون عقليّة، كذلك لايبعد أن يكونترتّب الحرمة الفعليّة الشرعيّة بعد المعلّق عليه على الحرمة التعليقيّة الشرعيّةعقليّة، ولكنّه لايوجب الخلل في أصل غرضه من رفع الشكّ عن المسبّبتعبّدا بجريان الاستصحاب في السبب.
- (1) الاستصحاب: 145 ـ 146.
(صفحه224)
أمّا ماذكره صاحب الكفاية رحمهالله من ارتباط الاستصحاب التنجيزي بالحلّيّةالمغيّاة فهو أجنبي عن مراد المستشكل، فإنّ مراده من الاستصحاب التنجيزيعبارة عن الحلّيّة المطلقة، ويقول: إنّ الزبيب قبل الغليان حلال قطعا بالحلّيّةالمطلقة، وبعد الغليان نشكّ في بقائها وزوالها فنجري استصحاب بقاء الحلّيّة.
وبيان بعض الأعلام بعنوان الجواب عنه وإن لم ينطبق على كلام صاحبالكفاية كما ذكرناه، ولكن يمكن جعله مؤيّداً لما ذكرناه في المقام، وحاصله: أنّبعد تبدّل العنب بالزبيب نسلّم أنّه حلال يقيناً ولكن نشكّ في أنّ هذه الحلّيّةحلّيّة جديدة أو حلّيّة حال العنبيّة؟ وبأصالة عدم تحقّق حكم جديد له ينفىاستصحاب الحلّيّة بعد الغليان، فلا مجال له أصلاً، فلا مانع من جريانالاستصحاب التعليقى.
(صفحه 225)
(صفحه226)
التنبيه السادس
في استصحاب عدم النسخ
والمعروف صحّة جريان الاستصحاب عند الشكّ فيه، بل عدّه المحدّثالإسترآبادي من الضروريّات، ولكنّه قد استشكل فيه بإشكالين: الأوّلمشترك بين الاستصحاب في أحكام هذه الشريعة المقدّسة وبين الاستصحابفي أحكام الشرائع السابقة، فلو تمّ لكان مانعاً عن جريان الاستصحاب فيالمقامين.
الثاني مختصّ باستصحاب أحكام الشرائع السابقة.
أمّا الإشكال الأوّل فهو: أنّه يعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيّقّنهوالمشكوكة، كمامرّ مراراً، والمقام ليس كذلك؛ لتعدّد الموضوع في القضيّتين فإنّمن ثبت في حقّه الحكم يقيناً قد انعدم، والمكلّف الموجود الشاكّ في النسخ لميعلم ثبوت الحكم في حقّه من الأوّل، فالشكّ بالنسبة إليه شكّ في ثبوتالتكليف لافي بقائه بعد العلم بثبوته ليكون مورداً للاستصحاب، فيكون إثباتالحكم له إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
وهذا الإشكال يجري في أحكام هذه الشريعة أيضا، فإنّ من علم بوجوبصلاة الجمعة عليه هو الذي كان موجوداً في زمان الحضور، وأمّا المعدوم فيزمان الحضور فهو شاكّ في ثبوت وجوب صلاة الجمعة عليه من الأوّل.
(صفحه 227)
وقد أجاب الشيخ الأنصاري رحمهالله عن هذا الإشكال بجوابين:
الأوّل: أنّا نفرض الشخص الواحد مدركاً للشريعتين، فإذا حرم في حقّهشيء سابقاً وشكّ في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة فلا مانع منالاستصحاب أصلاً وفرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدّداللاحقة نادر، بل غير واقع.
الثاني: أنّ اختلاف الأشخاص لايمنع من الاستصحاب، وإلاّ لم يجرِاستصحاب عدم النسخ.
وحلّه: أنّ المستصحب هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخللأشخاصهم فيه، فإنّ الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعةالاُولى؛ إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمّهم الحكم قطعا، غاية الأمراحتمال مدخليّة بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم، ومثل هذا لو أثّرفي الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات، بل في جميع موارد الشكّ منغير جهة الرافع(1).
وقال صاحب الكفاية رحمهالله في مقام الجواب عن الإشكال: «بأنّ الحكم الثابتفي الشريعة السابقة حيث كان ثابتاً لأفراد المكلّف كانت محقّقة وجوداً أومقدّرة كما هو قضيّة القضايا المتعارفة المتداولة، وهي قضايا حقيقيّة،لاخصوص الأفراد الخارجيّة كما هو قضيّة القضايا الخارجيّة».
ثمّ قال: «يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلاّمة ـ أعلى اللّه في الجنان مقامه في الذبّ عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلىما ذكرنا، لامايوهمه ظاهر كلامه من أنّ الحكم ثابت للكلّي كما أنّ الملكيّة لهفي مثل باب الزكاة والوقف العامّ حيث لامدخل للأشخاص فيها؛ ضرورة أنّ
- (1) فوائد الاُصول 2: 771 ـ 772.