الاستصحاب
تعريف الاستصحاب
لقد ذكرت للاستصحاب تعاريف مختلفة لاتخلو من إشكال، بل إشكالات،بل يرى في نفس هذه التعاريف نوعٌ من التناقض والتهافت؛ ولا بدّ لنا قبلالورود في التعريف من بيان موقعيّة الاستصحاب وهل هو أصل أو أمارة؟
في أنّ الاستصحاب أصل أم إمارة:
لاشكّ في طريقيّة خبر الواحد وكاشفيّته وأماريّته، ولا نتوهّم أن يكون منالاُصولالعمليّة، إنّماالكلام فيأنّه هليكون طريقا شرعيّا وأمارةشرعيّة أم لا؟كما أنّه لاشكّ لنا في كون أصالة الطهارة من الاُصول العمليّة ومبيّنة لوظيفةالمكلّف حين الشكّ والحيرة، ولا نتوهّم أماريّته وكونه طريقا إلى الواقع.
ولكن الشكّ في أنّ الاستصحاب أصل من الاُصول العمليّة أو أمارةوطريق إلى الواقع أو ينطبق عليه عنوان آخر؟ فلابدّ لتوضيح ذلك من تحقيقالاحتمالات في المسألة.
الاحتمال الأوّل: أن يكون أصلاً عمليّا جعله الشارع وظيفة للشاكّ الذيله يقين بالحالة السابقة، كما أنّه جعل أصالة الطهارة قاعدة لبيان وظيفة الشاكّالذي لاعلم له بالحالة السابقة، كذلك الاستصحاب جعل قاعدة لبيان وظيفةالشاكّ بالحالة السابقة، فلا كاشفيّة له ولا أماريّة أصلاً، وعلى هذا يقع الكلامفي أنّه أصل عملي شرعي كأصالة الطهارة وأصالة الحلّيّة، أم أصلٌ عقلائي؟بمعنى أنّ العقلاء بما هم عقلاء يبنون على بقاء الحالة السابقة على حالها، ولعلّأصالة عدم النقل أيضا تكون من هذا القبيل.
(صفحه 83)
الاحتمال الثاني: أن يكون الاستصحاب من الأمارات، وكانت له كاشفيّةوطريقيّة إلى الواقع، مثل طريقيّة خبر الواحد إلى الواقع، وعلى هذا يمكن أنيكون طريقا شرعيّا محضا من دون أيّ دخل لسيرة العقلاء، ويمكن أن يكونطريقا عقلائيّا أمضاه الشارع كما أمضى طريقيّة خبرالواحد.
الاحتمال الثالث: أن يكون الاستصحاب وظيفة مجعولة للشاكّ الكذائيللتحفّظ على الواقع، نظير ما قال به الأخباريّون من الاحتياط في الشبهاتالبدويّة، وكما أنّ الاحتياط في شرب المشكوك بالشكّ البدوي يكون للتحفّظعلى الواقع، كذلك الاستصحاب يكون للتحفّظ على الواقع.
الاحتمال الرابع: أن يكون الاستصحاب حكما من أحكام العقل، ولكنّحكم العقل قد يكون حكما عقليّا مستقلاًّ، وهو ما يعبّر عنه بالمستقلاّتالعقليّة كحكمه بأنّ الظّلم قبيح، وقد يكون حكما عقليّا غيرمستقلّ بمعنى أنّحكم العقل يحتاج إلى ضميمة مقدّمة من الشارع، كحكم العقل بالملازمة بينوجوب المقدّمة وذيها، فإنّه حكم عقليّ غيرمستقلّ؛ لاحتياجه إلى بيانالشارع في الأمر بالصلاة أوّلاً بقوله: «أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ»، ثمّ حكم العقل بتحقّقالملازمة بين وجوب شرعيّ الصلاة ووجوب شرعيّ الوضوء، من بابالمقدّمة، فيمكن أن يكون الاستصحاب من هذا القبيل، فكما أنّ العقل حاكمبتحقّق الملازمة بينهما كذلك إذا تيقّنت بوجوب صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ في عصرالحضور وشككت في وجوبه في عصر الغيبة يحكم العقل بتحقّق الملازمة بينوجوبها في زمان الحضور ووجوبها في زمان الغيبة.
وبعد الفراغ من بيان الاحتمالات في موقعيّة الاستصحاب فلنبدأ في بيانالتعاريف المناسبة لها.