(صفحه 155)
تعالى جعل استقبال المسجد الحرام شرطا للصلاة بالجعل الاستقلالي، وليكون من قبيل نسخ حكم الصلاة رأسا وإبداء حكم آخر وجعل شرطيّةالاستقبال تبعا له، بل كان الجعل متعلّقا به بالاستقلال، وهكذا في باب المانعيّةوالقاطعيّة لا مانع من قول الشارع بدليل مستقلّ ـ بعد الأمر بالصلاة ـ إنّيجعلت الحدث قاطعا للصلاة مثلاً.
وأمّا بالنسبة إلى القسم الثالث فكان لنا كلامان: الكلام الأوّل: ما هوالجواب عمّا ذكره الشيخ الأنصاري ـ بعد قوله بانتزاعيّة جميع الأحكامالوضعيّة من الأحكام التكليفيّة، وأنّ الملكيّة تنتزع من جواز التصرّفالمترتّب على عقد البيع، وهكذا في باب الزوجيّة والحريّة والرقّيّة وأشباهذلك ـ(1) وأنّ مراده إن كان امتناع اعتبار الملكيّة والزوجيّة مستقلاًّ عندالشارع والعقلاء، فنقول: أيّ دليل دلّ على امتناع اعتبارها كذلك؟
وإن كان مراده مخالفة ظاهر الأدلّة لهذا المعنى فنقول: إنّ ظاهر الأدلّةموافق له، كقوله: «من حاز ملك»(2)، وقوله: «من أحيا أرضا ميتةً فهي له»(3)،والظاهر منهما جعل الملكيّة مستقلّة، وهكذا في سائر العقود والإيقاعات إذقلنا: «يجوز للزوج النظر إلى زوجته» فلازم تأخّر الحكم عن موضوعهاعتبار الزوجيّة قبله، وهكذا في قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» لابدّمن اعتبار الملكيّة وفرض الأموال التي هي ملك لهم، ثمّ الحكم بتسلّطهمعليها، فالإنصاف بيننا وبين وجداننا ـ بعد ملاحظة الأدلّة ـ يقتضي أنّ الجعلالاستقلالي لها غير قابل للإنكار.
- (1) فرائد الاُصول 3: 125 ـ 127.
- (2) لم نعثر على هذه الجملة في روايات الخاصّة والعامّة.
- (3) الوسائل 25: 412، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.
(صفحه156)
الكلام الثاني: ما هو الجواب عمّا ذكره المحقّق الخراساني قدسسره ـ بعد قوله بأنّالسببيّة للسبب أمر ذاتي له، بلافرق بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة، فلتكون قابلة للجعل والعناية، كعدم قابليّة جعل الزّوجيّة للأربعة(1) ـ وأنّالسبب الشرعي غير السبب التكويني، ومعنى قولنا: «عقد النكاح سببٌللزوجيّة» هو اعتبار الزوجيّة عقيب العقد، وأنّ الشارع جعل العقد موضوعلاعتبار الزوجيّة، لا أنّه يتحقّق في باطن العقد خصوصيّة واقعيّة تترشّح منهالزوجيّة كترشّح الحرارة من النار، وهكذا في قولنا: «عقد البيع سببللملكيّة».
وقد اتّضح إلى هنا أنّ الأحكام الوضعيّة على قسمين: قسم منها قابلللجعل الاستقلالي، وقسم منها منتزع من تعلّق الأمر بالمقيّد بالأمر الوجودي،كقوله: «صلّ مع الطهارة» أو بالأمر العدمي، كقوله: «لاتصلّ في وبر ما لايؤكلّلحمه»، وينتزع من الأوّل شرطيّة الطهارة، ومن الثاني مانعيّة أجزاء ملايؤكل لحمه، ولا نجد في الشريعة حكما وضعيّا لاتناله يد الجعل، لا أصالةولا تبعا، وإلاّ كيف يكون الحكم الشرعي أو المجعول الشرعي كما ذكرناه؟
و لا مانع من جريان الاستصحاب في كلا القسمين منها، فكما أنّه يجري فيصورة الشكّ في بقاء وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ـ مثلاً ـ كذلك يجريفي صورة الشكّ في بقاء زوجيّة كذا وملكيّة كذا، هذا في المجعولاتالاستقلاليّة.
وأمّا في المجعولات المنتزعة فلابدّ من جريان الاستصحاب في المنتزع منه؛إذ الشكّ في بقاء شرطيّة الطهارة ـ مثلاً ـ مسبب عن الشكّ في بقاء المنتزع منه،ونتيجة جريان الأصل في منشأ الانتزاع بقاء هذا الأمر الانتزاعي.
- (1) كفاية الاُصول 2: 303.
(صفحه 157)
فما ذكره بعض الأعاظم من التفصيل بين الأحكام التكليفيّة والأحكامالوضعيّة بجريان الاستصحاب في الاُولى دون الثانية ليس بتامّ، فالاستصحابحجّة مطلقا.
(صفحه158)
(صفحه 159)
تنبيهات الاستصحاب