تنبيهات الاستصحاب
التنبيه الأوّل
في اعتبار فعليّة اليقين والشكّ في الاستصحاب
وأخذهما في موضوعه على نعت الموضوعيّة
يعتبر في الاستصحاب فعليّة الشكّ واليقين بناءً على أخذهما موضوعوركنا فيه، وليس المراد من فعليّتهما تحقّقهما في خزانة النفس ولو كان الإنسانغافلاً عنهما، بل بمعنى الالتفات إلى يقينه السابق وشكّه اللاحق، فلا يجريالاستصحاب مع الغفلة؛ لعدم الشكّ فعلاً ولو فرض أنّه يشكّ لو التفت؛ضرورة أنّ الاستصحاب وظيفة الشاكّ، ولا شكّ مع الغفلة أصلاً.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره رتّب على هذا المعنى حكم الفرعين، وقال:«فيحكم بصحّة صلاة من أحدث ثمّ غفل وصلّى، ثمّ شكّ في أنّه تطهّر قبلالصلاة؛ لقاعدة الفراغ، بخلاف من التفت قبلها وشكّ ثمّ غفل وصلّى، فيحكمبفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشكّ؛ لكونه محدثا قبلها بحكمالاستصحاب، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي.
لايقال: نعم، ولكنّ استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدهيقتضي أيضا فسادها، فإنّه يقال: نعم لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحّتهالمتقدّمة على أصالة فسادها»(1).
(صفحه162)
والتحقيق: أنّ جريان قاعدة الفراغ هنا لايخلو عن إشكال؛ لاختصاصظهور أخبارها في حدوث الشكّ بعد العمل، وهذا الشكّ ليس حادثا بل كانباقيا في خزانة النفس، ويكون من قبيل إعادة ما سبق، أو الالتفات إلى مكان موجودا، فالصلاة في الفرع الأوّل باطلة؛ إمّا لأجل استصحاب الحدثقبل الصلاة على القول بعدم اعتبار فعليّة الشكّ واليقين، وإمّا لأجلاستصحاب الحدث بعد الصلاة على القول باعتبار فعليّتهما وعدم جريانقاعدة الفراغ.
وأمّا الفرع الثاني فيرد عليه: أنّه لايمكن استناد بطلان الصلاة فيه إلىاستصحاب الحدث قبل الصلاة، فإنّ الاستصحاب لايتحقّق في حال الصلاة؛إذ المفروض أنّه حال الغفلة والذهول، والمعتبر فيه فعليّة اليقين والشكّ،واستصحاب الحدث قبل حال الغفلة لايفيد بالمقام، ولا يمكن الالتزام بصحّةالصلاة في هذا الفرع مستندا إلى قاعدة الفراغ؛ لاختصاصها في مورد حدوثالشكّ بعد الفراغ عن الصلاة وكان الإنسان بعد الفراغ عنها غافلاً عنخصوصيّاتها وكيفيّة إتيانها، والمفروض هنا تحقّق الشكّ قبل الصلاة وكونالمصلّي عالما بجزئيّات صلاته وخصوصيّاتها.
وبعد عدم جريان الاستصحاب وقاعدة الفراغ فلابدّ من إعادة الصلاةمستندا إلى قاعدة الاشتغال، فما ذكره صاحب الكفاية قدسسره بعنوان الثمرة لفعليّةاليقين والشكّ ليس بتامّ.
- (1) كفاية الاُصول 2: 308.
(صفحه 163)
التنبيه الثاني
في البحث عن جريان الاستصحاب
في مؤدّيات الأمارات والطرق الشرعيّة وعدمه
ربّما يقال: بعدم جريانه فيها؛ إذ لابدّ في الاستصحاب من تحقّق اليقينبالحدوث والشكّ في البقاء، والأمارات مطلقا لاتفيد اليقين، بعد ما ذكرنا أنّحجّيّة الأمارات بنحو الطريقيّة والكاشفيّة، بمعنى المنجّزيّة عند موافقة الواقعوالمعذّريّة عند مخالفة الواقع، وقيام الطرق والأمارات لايوجب جعل الحكمالظاهري على طبق مؤدّياتها، كما أنّ حجّيّة القطع أيضا تكون كذلك، ولازمعدم جريانه فيها انسداد باب الاستصحاب إلاّ في بعض الموارد، وهذالإشكال مهمّ وتترتّب عليه ثمرة فقهيّة مهمّة.
قال صاحب الكفاية قدسسره : «يمكن أن يذبّ عمّا في استصحاب الأحكام التيقامت الأمارات المعتبرة على مجرّد ثبوتها، وقد شكّ في بقائها على تقديرثبوتها، من الإشكال: بأنّه لايقين بالحكم الواقعي، ولا يكون هناك حكم آخرفعلي بناء على ما هو التحقيق، من أنّ قضيّة حجّيّة الأمارة ليست إلاّ تنجّزالتكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة، كما هو قضيّة الحجّة المعتبرة عقلاً،كالقطع والظنّ في حال الانسداد وعلى الحكومة، لا إنشاء أحكام فعليّة