وأمّا قضيّة بقاء الموضوع وعدمه أو إرجاع القضيّة التعليقيّة إلى القضيّةالتنجيزيّة، فهي خارجة عن محطّ البحث ومورد النقض والإبرام.
منها: جعل الحكم متعلّقاً بموضوعاتها على تقدير شيء، فيكون المجعول فيقوله: «إذا غلى العصير حرم» هو حرمته على تقدير الغليان، وفي قوله: «إذا بلغالماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» هو الاعتصام على تقدير الكرّيّة.
ومنها: جعل الحكم متعلّقاً بموضوع متقيّد بعنوان، فيكون المجعول فيهما هوالحرمة المتعلّقة بالعصير المغلي والاعتصام للماء البالغ حدّ الكرّ، فيكون قوله:«إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» عبارة اُخرى عن أنّ الكرّ لاينجّسهشيء، فيكون التعبير بذلك تفنّنا في البيان أو تنبيها على أنّ السرّ في نجاسةالمغلي هو غليانه، وفي اعتصام الماء هو كرّيّته، وعلى هذا يكون الموضوعمركّبا من ذات وقيد.
ومنها: جعل سببيّة المعلّق عليه للمعلّق، فيكون مفاد القضيّتين أنّ الغليانسبب للحرمة والكرّيّة للاعتصام.
ومنها: جعل الملازمة بين الكرّيّة والاعتصام والحرمة والغليان.
كلّ ذلك محتمل بحسب مقام الثبوت، أمّا الأوّلان فلا كلام فيهما، وأمّالأخيران فقد مرّ التحقيق في مثلهما في الأحكام الوضعيّة وقلنا: إنّ السببيّةوالملازمة وأمثالهما قابلة للجعل، وإنّ المنكر لإمكانه فيها خلط بين التكوينوالتشريع وبين السببيّة الحقيقيّة التكوينيّة والاعتباريّة القانونيّة.
وأمّا بحسب مقام الإثبات والاستظهار من الأدلّة فهو خارج عمّا نحنبصدده والأدلّة مختلفة بحسب المقامات ومناسبات الأحكام والموضوعات.
الثالث: أنّ التعليق قد يكون في كلام الشارع كأمثال ما ذكرناه، وقدلايكون في كلامه لكن العقل يحكم به.
مثلاً: لو ورد: «أنّ الماء البالغ حدّ الكرّ لاينجسّه شيء»، و«أنّ العصيرالمغلي يحرم» يحكم العقل بأنّ الماء إذا بلغ قد كرّ لا ينجّسه شيء، وأنّ العصير
(صفحه 207)
إذا غلى يحرم، لكن ليس هذا من التعليق الشرعي، بل هو تعليق عقليٌّ يدركهالعقل من القضيّة المنجّزة. وهذا التعليق قد يكون في الأحكام كما عرفت، وقديكون في الموضوعات، كما يحكم بأنّ الماء إذا بلغت مساحته ثلاثة أشبارونصفا طولاً وعرضا وعمقا فهو كرّ، ويحكم على الماء الناقص عن الكرّ بمنّبأنّه إذا زيد عليه منّ يصير كرّا، وهذا تعليق عقلي في الموضوع، كما أنّ ما مرّتعليق عقلي في الحكم، ويمكن أن يقع التعليق في الموضوع في كلام الشارعويرجع إلى التعبّد بوجود موضوع الحكم على تقدير كذائي وترتيب آثارهعليه على فرض تحقّقه.
الرابع: إذا اُخذ عنوان في موضوع حكم يكون ظاهرا في الفعليّة، فإذا قيل:«الكرّ معتصم» و«المستطيع يجب عليه الحجّ» يكون ظاهرا في أنّ الكرّ الفعليمعتصم، والمستطيع الفعلي يجب عليه الحجّ وهكذا، وهذا واضح.
لكن يقع الكلام في قوله: «لاتنقض اليقين بالشكّ» أنّ الميزان فعليّة اليقينوالشكّ، أو فعليّه المتيقّن؟ فعلى الأوّل لاينظر إلى المتيقّن هل هو متحقّق فعلأم لا، بخلاف الثاني.
وقد مرّ الكلام فيه سابقا، وقلنا: إنّ الحقّ ـ بحسب النظر إلى أدلّةالاستصحاب، ومناسبة الحكم والموضوع، وأنّ اليقين لإبرامه لاينقض بالشكّ؛لعدم إبرامه ـ أنّ الموضوع هو نفس اليقين والشكّ بما أنّ اليقين طريق وكاشف،فلا يعتبر فيه إلاّ فعليّة الشكّ واليقين.
نعم، لابدّ وأن يكون المستصحب ممّا يترتّب على التعبّد به أثر عملي، فلوفرض أنّ اليقين بأمر تعليقي يترتّب عليه أثر عملي لو تعبّد ببقائه لجرىالاستصحاب بلا إشكال؛ لفعليّة الشكّ واليقين، وعدم اعتبار أمر آخر، سواءكان المتيقّن وجوديّا أم لا، وفعليّا أم لا؛ لعدم الدليل على كونه كذلك، فإذ