(صفحه248)
ومن المعلوم أنّ استصحاب رطوبة النجس الراجع إلى بقاء جزء مائيّ قابلللتأثير لايثبت تأثّر الثوب وتنجسّه بها»(1).
ويرد عليه: أنّ الواسطة بالنظر العرفي الدقيق جليّة؛ إذ العرف يلتفت بأدنىتأمّل إلى أنّ السّراية مؤثّرة في تنجّس الملاقي لا الرطوبة، ومعلوم أنّ السّرايةلازم عقلي للرطوبة، فلا يمكن إثبات الأثر المترتّب على السراية باستصحابالرطوبة، وهذا من موارد الاُصول المثبتة.
هذا بالنسبة إلى مثاله الأوّل، وأمّا مثاله الثاني فهو ما ذكره بقوله: «ومنها:أصالة عدم دخول هلال شوّال في يوم الشكّ المثبت لكون غده يوم العيد،فيترتّب عليه أحكام العيد من الصلاة والغسل وغيرهما، فإنّ مجرّد عدم الهلالفي يوم لايثبت آخريّة اليوم ولا أوّليّة غده للشهر اللاحق، لكنّ العرفلايفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوّالإلاّ ترتيب أحكام آخريّة ذلك اليوم لشهر وأوليّة غده لشهر آخر»(2).
ولكن حلّ المسألة منه رحمهالله بخفاء الواسطة وقع مورد البحث والإشكال عندالمحقّقين؛ إذ لايمكن باستصحاب عدم خروج شهر رمضان إثبات كون اليومالذي بعده أوّل شهر شوّال إلاّ بالقول بتركّب عنوان الأوّليّة من جزئين؛أحدهما: وجودي، وهو كون هذا اليوم من شوّال، وثانيهما: عدمي، وهوعدم مضيّ يوم آخر منه قبله فيثبت بالاستصحاب المذكور كون هذا اليومأوّل شوّال؛ لأنّ الجزء الأوّل محرز بالوجدان، والجزء الثاني يحرز بالأصل،فبضميمة الوجدان إلى الأصل يتمّ المطلوب.
وأمّا على القول بكونه أمراً بسيطاً منتزعاً من وجود يوم من الشهر غير
- (1) فوائد الاُصول 2: 783.
(صفحه 249)
مسبوق بيوم آخر منه، فلا يمكن إثبات هذا العنوان البسيط بالاستصحابالمذكور إلاّ على القول بالأصل المثبت، فإنّ الأوّليّة بهذا المعنى لازم عقليللمستصحب وغير مسبوق باليقين، وحيث إنّ التحقيق بساطة معنى الأوّليّةبشهادة العرف لايمكن إثباتها بالاستصحاب المزبور.
وقد التزم المحقّق النائيني رحمهالله في مقام دفع الإشكال بأنّ اليوم الأوّل فيموضوع الأحكام غير اليوم الأوّل الواقعي، فإنّه عبارة عن يوم رؤية الهلالأو اليوم الواحد والثلاثين من الشهر الماضي، فالمراد من ثامن ذي الحجّة هوالثامن من رؤية الهلال أو ما بعد انقضاء ثلاثين يوماً من ذي القعدة، سواء كانمطابقاً للواقع أو لا(1).
ولكنّه لايكون طريقاً مناسباً لحلّ الإشكال؛ إذ ما من مسلم إلاّ ويعلمبالضرورة أنّ يوم عيد الفطر هو اليوم الأوّل الواقعي من شوّال، ويوم عيدالأضحى هو اليوم العاشر الواقعي من ذى الحجّة، وهكذا.
وكان لاُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله طريق آخر لحلّ الإشكال، وهو؛ أنّ بناءالمسلمين من صدر الإسلام إلى الآن على ترتيب آثار العيد على يوم رؤيةالهلال، ويجعلون يوم الرؤية أو اليوم الذي بعد يوم الشكّ أو الذي بعد انقضاءثلاثين يوماً من الشهر السابق اليوم الأوّل، وثانيه الثاني، وهكذا لامن جهةأنّ موضوع الحكم الشرعي غير الموضوع الواقعي، فإنّه ضروري البطلان، بللأنّ هذا حكم ظاهري ثابت من الصدر الأوّل إلى الآن من غير إشكال فيجميع الطبقات(2).
- (1) فوائد الاُصول 4: 500.
(صفحه250)
(صفحه 251)
التنبيه الثامن
في الاُمور المذكورة في ذيل البحث عن الاُصول المثبتة
الأمر الأوّل
أنّ استصحاب العنوان المنطبق على الخارج ليس بمثبت.
قال صاحب الكفاية رحمهالله : «إنّه لا تفاوت في الأثر المترتّب على الاستصحاببين أن يكون مترتّباً عليه بلاواسطة شيء أو بواسطة عنوان كلّي ينطبقويحمل عليه بالحمل الشائع ويتّحد معه وجوداً، كان منتزعاً عن مرتبة ذاته أوبملاحظة بعض عوارضه ممّا هو خارج المحمول لا بالضميمة...».
و حاصل كلامه: أنّ الأثر الشرعي في الاستصحابات الموضوعيّة قديترتّب على المستصحب بدون الواسطة، مثل ترتّب وجوب الإكرام علىاستصحاب بقاء حياة زيد، وهو القدر المتيقّن من ترتّب الأثر فيالاستصحابات الموضوعيّة، وقد يترتّب على لازم المستصحب أو ملازمه، أوملزومه، سواء كان عقليّاً أو عاديّاً، وهو القدر المتيقّن من مثبتات الاُصول،وقد مرّ ذكره، وقد يترتّب على عنوان كلّي ينطبق في الخارج على المستصحبويتّحد معه وجوداً.
ومنشأ الانطباق والاتّحاد إمّا أن يكون هذا العنوان من الذات والذاتيّات
(صفحه252)
للمستصحب كالنوع أو الجنس أو الفصل، وإمّا أن يكون من الأعراضالخارجة عن ذات المستصحب، وهي على قسمين:
قسم منها يعبّر عنه بخارج المحمول ـ كالملكيّة والغصبيّة والزوجيّة ـ وقسممنها يعبّر عنه بالمحمول بالضميمة كالأبيض والأسود. ويستفاد من مثالهلخارج المحمول أنّه أمر انتزاعي اعتباري لا حقيقة له ولا وجود إلاّ وجودمنشأ الاعتبار والانتزاع.
وقال صاحب الكفاية رحمهالله بجريان الاستصحات فيما يترتّب على عنوان كلّييكون من الذات والذاتّيات للمستصحب؛ لاتّحادهما من حيث الوجود، ولحقيقة لهذا العنوان سوى المستصحب، فإنّ الطبيعي لايتحقّق إلاّ بتحقّقمصداقه، وهكذا بجريانه فيما يترتّب على عنوان كلّي يكون من أعراض خارجالمحمول للمستصحب؛ إذ لاوجود لهذا الأمر الانتزاعي إلاّ بوجود منشانتزاعه واعتباره، فاستصحاب منشأ الانتزاع لترتّب الأثر الانتزاعي لايكونبمثبت، بخلاف إذا ترتّب الأثر على عرض المحمول بالضميمة للمستصحبكالسواد والبياض، فإنّهما واقعيّتان مختلفتان، وترتّب أثر أحدهما على الآخريكون من الأصل المثبت(1).
والظاهر من كلام الشيخ عدم حجّيّة الاستصحاب في جميع هذه الصور،حيث قال: «ولا فرق فيما ذكرنا بين كون العنوان الذي يكون واسطة متّحدالوجود مع المستصحب أو مغائرة»(2).
وما ذكره صاحب الكفاية رحمهالله قابل للبحث في مقامين:
المقام الأوّل: في العنوان الذاتي المنطبق على المستصحب الشامل للنوع
- (1) كفاية الاُصول 2: 329 ـ 330.
- (2) فوائد الاُصول 2: 777.