قال صاحب الكفاية رحمهالله : «إنّه لا تفاوت في الأثر المترتّب على الاستصحاببين أن يكون مترتّباً عليه بلاواسطة شيء أو بواسطة عنوان كلّي ينطبقويحمل عليه بالحمل الشائع ويتّحد معه وجوداً، كان منتزعاً عن مرتبة ذاته أوبملاحظة بعض عوارضه ممّا هو خارج المحمول لا بالضميمة...».
و حاصل كلامه: أنّ الأثر الشرعي في الاستصحابات الموضوعيّة قديترتّب على المستصحب بدون الواسطة، مثل ترتّب وجوب الإكرام علىاستصحاب بقاء حياة زيد، وهو القدر المتيقّن من ترتّب الأثر فيالاستصحابات الموضوعيّة، وقد يترتّب على لازم المستصحب أو ملازمه، أوملزومه، سواء كان عقليّاً أو عاديّاً، وهو القدر المتيقّن من مثبتات الاُصول،وقد مرّ ذكره، وقد يترتّب على عنوان كلّي ينطبق في الخارج على المستصحبويتّحد معه وجوداً.
للمستصحب كالنوع أو الجنس أو الفصل، وإمّا أن يكون من الأعراضالخارجة عن ذات المستصحب، وهي على قسمين:
قسم منها يعبّر عنه بخارج المحمول ـ كالملكيّة والغصبيّة والزوجيّة ـ وقسممنها يعبّر عنه بالمحمول بالضميمة كالأبيض والأسود. ويستفاد من مثالهلخارج المحمول أنّه أمر انتزاعي اعتباري لا حقيقة له ولا وجود إلاّ وجودمنشأ الاعتبار والانتزاع.
وقال صاحب الكفاية رحمهالله بجريان الاستصحات فيما يترتّب على عنوان كلّييكون من الذات والذاتّيات للمستصحب؛ لاتّحادهما من حيث الوجود، ولحقيقة لهذا العنوان سوى المستصحب، فإنّ الطبيعي لايتحقّق إلاّ بتحقّقمصداقه، وهكذا بجريانه فيما يترتّب على عنوان كلّي يكون من أعراض خارجالمحمول للمستصحب؛ إذ لاوجود لهذا الأمر الانتزاعي إلاّ بوجود منشانتزاعه واعتباره، فاستصحاب منشأ الانتزاع لترتّب الأثر الانتزاعي لايكونبمثبت، بخلاف إذا ترتّب الأثر على عرض المحمول بالضميمة للمستصحبكالسواد والبياض، فإنّهما واقعيّتان مختلفتان، وترتّب أثر أحدهما على الآخريكون من الأصل المثبت(1).
والظاهر من كلام الشيخ عدم حجّيّة الاستصحاب في جميع هذه الصور،حيث قال: «ولا فرق فيما ذكرنا بين كون العنوان الذي يكون واسطة متّحدالوجود مع المستصحب أو مغائرة»(2).
وما ذكره صاحب الكفاية رحمهالله قابل للبحث في مقامين:
المقام الأوّل: في العنوان الذاتي المنطبق على المستصحب الشامل للنوع
- (1) كفاية الاُصول 2: 329 ـ 330.
- (2) فوائد الاُصول 2: 777.
(صفحه 253)
والجنس والفصل، والمقام الثاني: في العناوين العرضيّة وقوله بالتفصيل بينخارج المحمول والمحمول بالضميمة.
أمّا المقام الأوّل فالإشكال فيه أنّ جريان الاستصحاب في الفرد وترتّبأثر الكلّي عليه يكون من الاُصول المثبتة؛ إذ المستصحب شيء ومعروضالأثر شىء آخر، ومجرّد الاتّحاد الوجودي لايوجب أن يكون أثر الكلّي أثرللفرد، وقد مرّ مفصّلاً في بحث استصحاب الكلّي أنّه لايمكن ترتّب أثر الفردعلى استصحاب بقاء الكلى وبالعكس، فإنّ حيثيّة مقام الموضوع والموضوعيّةللحكم غير مقام الاتّحاد في الوجود، والاتّحاد في الوجود الخارجي لايوجبالاتّحاد في الموضوعيّة.
وهذا الإشكال يجري في جميع الاستصحابات الموضوعيّة، ويوجب انسدادباب الاستصحاب في الموضوعات، فإنّ استصحاب خمريّة هذا المائعالمشكوك، أي الفرد الخارجي وترتّب الحرمة عليه، والقول بأنّ الخمر حرام،أي الخمر الكلّي حرام، فهذا المائع حرام يكون من مصداق استصحاب الفردوترتّب أثره الكلّي عليه، مع أنّنا قلنا: إنّ استصحاب بقاء زيد في الدارلايوجب ترتّب أثر الإنسان عليه وبالعكس؛ لمغايرتهما من حيث المفهوموالأثر.
و قال بعض الأعلام رحمهالله في مقام الجواب عنه: «إنّ الأثر أثر لنفس الفرد لللكلّي؛ لأنّ الأحكام وإن كانت مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة إلاّ أنّ الحكمفيها ثابت للأفراد لامحالة، غاية الأمر أنّ الخصوصيّات الفرديّة لادخل لها فيثبوت الحكم، وإلاّ فالكلّي بما هو لا حكم له وإنّما يؤخذ موضوع الحكم ليشاربه إلى أفراده، مثلاً: إذا حكم بحرمة الخمر فالحرام هو الخمر الخارجيلاالطبيعة الكلّيّة بما هي»(1).
(صفحه254)
ويرد عليه: أنّ تأويل قوله: «الخمر حرام» ـ مع كونه مصدّراً بألف ولا مالجنس ووضع لفظ الخمر للطبيعة والماهيّة ـ بكلّ مائع وجد في الخارج وكانخمراً فهو حرام، وانصراف الحكم من الطبيعة وإرجاعه إلى الموجوداتالخارجيّة من محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود لاينطبق مع ظواهر الرواياتوالآيات.
و يستفاد من كلام اُستاذنا السيّد طريق آخر لحلّ المسألة وحاصل كلامه:أنّ ههنا اُموراً ثلاثة: أحدها: عنوان الكلّي بما أنّه كلّي، والثاني: عنوان الفردالذي هو متّحد معه خارجا ومختلف اعتباراً وحيثيّة، والثالث: عنوان الكلّيالمتحقّق في الخارج المتشخّص في العين، ويجري الاستصحاب في الأوّلوالثالث لترتيب آثار العنوان الكلّي دون الثاني.
أمّا في الأوّل فلا كلام فيه، وأمّا في الثالث فلا ينبغي الإشكال فيه، فإنّمتعلّق الحكم عنوان يسري إلى مصداقه الخارجي، فإذا شكّ في بقاء عنوانالخمر المنطبق على المائع الخارجي يستصحب بقاء الخمر ويترتّب على المائعالخارجي أثر الخمر؛ إذ يتحقّق الفرق بين استصحاب الفرد لترتيب آثار الكلّيوبين استصحاب العنوان المنطبق على الخارج لترتيب أثره عليه، فإنّ ذلكاستصحاب نفس العنوان المتحقّق في الخارج، فهو كاستصحاب نفس الكلّيلترتيب آثاره، فإذا تعلّق حكم بعنوان الخمر يكون هذا الحكم متعلّقاً بكلّ مهو خمر في الخارج بعنوان أنّه خمر، فترتيب آثار الخمريّة باستصحاب خمريّةالمائع الخارجي ممّا لامانع منه، وأمّا استصحاب وجود المائع الخارجي أوالوجود الخارجي المتّحد مع الخمر لترتيب آثار الخمريّة فلا يجري إلاّ علىالقول بالأصل المثبت(1).
- (1) مصباح الاُصول 3: 171.