(صفحه254)
ويرد عليه: أنّ تأويل قوله: «الخمر حرام» ـ مع كونه مصدّراً بألف ولا مالجنس ووضع لفظ الخمر للطبيعة والماهيّة ـ بكلّ مائع وجد في الخارج وكانخمراً فهو حرام، وانصراف الحكم من الطبيعة وإرجاعه إلى الموجوداتالخارجيّة من محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود لاينطبق مع ظواهر الرواياتوالآيات.
و يستفاد من كلام اُستاذنا السيّد طريق آخر لحلّ المسألة وحاصل كلامه:أنّ ههنا اُموراً ثلاثة: أحدها: عنوان الكلّي بما أنّه كلّي، والثاني: عنوان الفردالذي هو متّحد معه خارجا ومختلف اعتباراً وحيثيّة، والثالث: عنوان الكلّيالمتحقّق في الخارج المتشخّص في العين، ويجري الاستصحاب في الأوّلوالثالث لترتيب آثار العنوان الكلّي دون الثاني.
أمّا في الأوّل فلا كلام فيه، وأمّا في الثالث فلا ينبغي الإشكال فيه، فإنّمتعلّق الحكم عنوان يسري إلى مصداقه الخارجي، فإذا شكّ في بقاء عنوانالخمر المنطبق على المائع الخارجي يستصحب بقاء الخمر ويترتّب على المائعالخارجي أثر الخمر؛ إذ يتحقّق الفرق بين استصحاب الفرد لترتيب آثار الكلّيوبين استصحاب العنوان المنطبق على الخارج لترتيب أثره عليه، فإنّ ذلكاستصحاب نفس العنوان المتحقّق في الخارج، فهو كاستصحاب نفس الكلّيلترتيب آثاره، فإذا تعلّق حكم بعنوان الخمر يكون هذا الحكم متعلّقاً بكلّ مهو خمر في الخارج بعنوان أنّه خمر، فترتيب آثار الخمريّة باستصحاب خمريّةالمائع الخارجي ممّا لامانع منه، وأمّا استصحاب وجود المائع الخارجي أوالوجود الخارجي المتّحد مع الخمر لترتيب آثار الخمريّة فلا يجري إلاّ علىالقول بالأصل المثبت(1).
- (1) مصباح الاُصول 3: 171.
(صفحه 255)
فلا يكون استصحاب خمريّة هذا المائع استصحاب الفرد، بل هواستصحاب الكلّي المتشخّص في الخارج، فلا مانع من ترتيب آثار الكلّي،وهكذا في أكثر الاستصحابات الموضوعيّة؛ لعدم الفرق بين استصحابإنسانيّة هذا الموجود وخمريّة هذا المائع في الكليّة.
نعم، استصحاب بقاء وجود هذا المائع وإن كان وجوده ملازماً لخمريّته إلأنّه لايوجب ترتّب آثار الخمريّة.
وهذا طريق جيّد لحلّ الإشكال.
وأمّا المقام الثاني، أي التفصيل بين ما يعبّر عنه بخارج المحمول وما يعبّرعنه بالمحمول بالضميمة من الأعراض، فاستشكل عليه بعض الأعلام رحمهالله بأنّما ذكره من جريان الاستصحاب في خارج المحمول وعدم جريانه في المحمولبالضميمة إن كان المراد منه أنّ الاستصحاب يصحّ جريانه في الفرد من الأمرالانتزاعي لترتيب أثر الكلّي عليه ـ فيصحّ استصحاب ملكيّة زيد لمال؛لترتيب آثار الملكيّة الكلّيّة، من جواز التصرّف له، وعدم جواز تصرّف الغيرفيه بدون إذنه ـ فالكلام فيه هو الكلام في الأمر الأوّل، مع أنّ هذا لايكونفارقاً بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة، فإذا شكّ في بقاء فرد من أفرادالمحمول بالضميمة ـ كعدالة زيد مثلاً ـ فباستصحاب هذا الفرد تترتّب آثارمطلق العدالة، كجواز الاقتداء به ونحوه، فلا وجه للفرق بين الخارج المحمولوالمحمول بالضميمة.
وإن كان مراده أنّ الاستصحاب يجري في منشأ الانتزاع ويترتّب عليه أثرالأمر الانتزاعي الذي يكون لازماً له على فرض بقائه، فهذا من أوضحمصاديق الأصل المثبت، فإذا علمنا بوجود جسم في مكان ثمّ علمنا بوجود
(صفحه256)
جسم آخر في أسفل من المكان الأوّل مع الشكّ في بقاء الجسم الأوّل في مكانهلم يمكن ترتيب آثار فوقيّته على الجسم الثاني باستصحاب وجوده في مكانالأوّل، فإنّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت.
وكذلك لايمكن إثبات زوجيّة امرأة خاصّة لزيد مع الشكّ في حياتها وإنعلم أنّها على تقدير حياتها تزوجت به يقيناً(1).
وعلى المبنى المختار يكون المستصحب في الجميع الكلّي المنطبق علىالخارج، فيجري الاستصحاب فيها بلا فرق بين استصحاب خمريّة هذا المائعوملكيّة زيد لهذا المال وعدالته إن كان مجرى الاستصحاب نفس هذهالعناوين.
وأمّا إن كان المجرى خارجا عنها فلا يرتبط بالبحث.
الأمر الثاني
أنّه لاتفاوت في الأثر المستصحب أو المترتّب عليه بين أن يكون مجعولشرعاً بالاستقلال أو بمنشأ انتزاعه، فباستصحاب الشرط تترتّب الشرطيّة،وباستصحاب المانع تترتّب المانعيّة(2).
والظاهر أنّ صاحب الكفاية رحمهالله أراد بذلك دفع الإشكال المعروف في جريانالاستصحاب في الشرط والمانع.
بيان الإشكال: أنّ الشرط بنفسه ليس مجعولاً بالجعل التشريعي، بللايكون قابلاً له؛ لكونه من الاُمور الخارجيّة التكوينيّة كالاستقبال والسترللصلاة، ولا يكون له أثر شرعي أيضا، فإنّ جواز الدخول في الصلاة ـ مثلاً
- (1) مصباح الاُصول 2: 171.
- (2) كفاية الاُصول 2: 330.
(صفحه 257)
ليس من الآثار الشرعيّة للاستقبال، بل الأحكام العقليّة، فإنّ المجعولالشرعي هو الأمر المتعلّق بالصلاة مقيّدة بالاستقبال بحيث يكون التقيّد داخلوالقيد خارجا.
وبعد تحقّق هذا الجعل من الشارع يحكم العقل بجواز الدخول في الصلاة معالاستقبال وعدم جواز الدخول فيها بدونه؛ لحصول الامتثال معه وعدمهبدونه، وحصول الامتثال وعدمه من الأحكام العقليّة، فليس الشرط بنفسهمجعولاً شرعياً ولا ممّا له أثر شرعي، فلابدّ من الحكم بعدم جريانالاستصحاب فيه.
و كذا الكلام بعينه في المانع، فأراد صاحب الكفاية رحمهالله دفع هذا الإشكالبأنّ الشرطيّة من المجعولات بالتبع، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيالشرط لترتّب الشرطيّة عليه؛ لأنّ المجعولات بالتبع كالمجعولات بالاستقلالفي صحّة ترتّبها على الاستصحاب.
ويرد عليه: أنّ جريان الاستصحاب في جميع الموارد يكون بداعي استفادةحكم المستصحب الذي وقع الشكّ فيه ورفع الشكّ عنه، مثل استفادة حرمةالارتكاب والشرب من استصحاب خمريّة هذا المائع فإنّ المجهول عند الشاكّهو الحكم.
وأمّا المجهول والمشكوك في استصحاب الشرط فهو بقاؤه ووجودهالخارجي لاالشرطيّة، فكيف تترتّب الشرطيّة التي لاشكّ فيها علىاستصحاب بقاء الوضوء.
مع أنّه لاارتباط بينهما؛ إذ الشرطيّة ترتبط بمرحلة جعل الحكم؛ وتحقّقالشرط وعدمه يرتبط بمقام الامتثال والخارج.
ثمّ إنّه يتحقّق إشكال مهم آخر في جريان استصحاب الشرط، وهو: أنّ
(صفحه258)
جريان استصحاب بقاء الوضوء ـ مثلاً ـ يكون بداعي وقوع الصلاة لامحالةمع الوضوء وتحقّقها مع التقيّد به، وهو ليس بأثر شرعي ولا يترتّب عليه أثرشرعيّ، بل هو أثر عقلي ويترتّب عليه أثر عقلي آخر، مثل: كونها موافقةللأمر ومسقطة للتكليف، فلا يكون من الأثر الشرعي هنا أثر ولا خبر.
مع أنّ إنكار جريان الاستصحاب في الشرط أصلاً ينافي قوله عليهالسلام فيالصحيحة الاُولى لزرارة: «وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه، ولا ينبغي له أنينقض اليقين بالشكّ أبدا»، وقوله عليهالسلام في الصحيحة الثانية له: «لأنّك كنت علىيقين من طهارتك فشككت، وليس ينبغي لك أنّ تنقض اليقين بالشكّ أبدا»، ولشكّ في دلالتهما بالصراحة على جريان الاستصحاب في شرائط الصلاة.
وأراد صاحب الكفاية رحمهالله أن يجيب عن هذا الإشكال بما ذكره من جريانالاستصحاب في الشرط وترتّب الشرطيّة عليه، وقلنا: إنّ الشرطيّة ليست منأثر الشرط مع عدم كونها مشكوكة.
ويمكن أن يقال في الجواب عن الإشكال: إنّ الطهارة من شرائط المصلّي لالصلاة، وعدم المأكوليّة من موانع الصلاة بحسب الأدلّة، فإحراز طهارة المصلّيبالاستصحاب يكفي لصحّة صلاته، لكنّ استصحاب عدم لابسيّة المصلّي لغيرالمأكول لايثبت تقيّد الصلاة بعدم كونها مع المانع إلاّ بالأصل المثبت، فلذيكون جريان الاستصحاب في الشرط ممّا لم يقع فيه الإشكال بخلافاستصحاب عدم المانع.
والجواب عنه: أوّلاً: أنّ ظاهر الأدلّة يقتضي اشتراط الصلاة بالطهارة،كقوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»(1)، كما أنّ ظاهر الأدلّة الواردة في النهي عن الصلاةفي النجس يقتضي مانعيّته عن الصلاة كالأدلّة الواردة في عدم جوازها في غير
- (1) الوسائل 1: 258، الباب 2، من أبواب الوضوء، الحديث 3.