(صفحه 267)
التنبيه الحادى عشر
في مجهولى التاريخ
لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشكّ في أصل تحقّق حكمأو موضوع، وأمّا إذا كان الشكّ في تقدّمه وتأخّره ـ بعد القطع بتحقّقه وحدوثهفي زمان ـ مثل يوم الجمعة، فالكلام فيه تارة يقع فيما إذا لو حظ التأخّر والتقدّمبالنسبة إلى أجزاء الزمان، واُخرى فيما إذا لو حظ بالنسبة إلى حادث آخر،فهنا مقامان:
أمّا المقام الأوّل فلا إشكال فيه في جريان استصحاب عدم تحقّقه في الزمانالأوّل ـ أي يوم الخميس مثلاً ـ إلى زمان العلم بالتحقّق فتترتّب آثار عدمالتحقّق حينئذ، كما إذا علمنا بوجود زيد يوم الجمعة وشككنا في حدوثه يومالخميس أو يوم الجمعة، فيجري الاستصحاب وتترتّب آثار العدم إلى يومالجمعة، لكن لايثبت بهذا الاستصحاب تأخّر وجوده عن يوم الخميس إنكان لعنوان التأخّر أثر، فإنّ التأخّر عن يوم الخميس لازم عقلي لعدم الحدوثيوم الخميس، فإثباته باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس متوقّف علىالقول بالأصل المثبت، وكذا لايثبت به الحدوث يوم الجمعة، فإنّ الحدوث أمربسيط، وهو الوجود المسبوق بالعدم، فإثبات الحدوث يوم الجمعةباستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس متوقّف على القول بالأصل المثبت.
(صفحه268)
نعم، لو كان الحدوث مركّبا من أمرين ـ أي الوجود يوم الجمعة ـ مثلـ وعدم الوجود يوم الخميس ـ لترتّبت آثار الحدوث بالاستصحاب المذكور؛لكون أحد الجزئين محرزاً بالوجدان، وهو الوجود يوم الجمعة، والجزء الآخربالأصل، وهو عدم الوجود يوم الخميس، لكنّه خلاف الواقع، فإنّه أمر بسيطكما قلنا.
وأمّا المقام الثاني وهو ما إذا كان الشكّ في تقدّم حادث وتأخّره بالنسبةإلى حادث آخر، كما إذا علم بعروض حكمين ـ أي وجوب صلاة الجمعةوحرمتها مثلاً ـ أو موت متوارثين وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما فإن كانمجهولي التاريخ، فتارة يكون الأثر الشرعي مترتّبا على وجود أحدهما بنحوخاصّ من التقدّم أو التأخّر أو التقارن لا للآخر ولا له بنحو آخر، مثلاً: تقدّمموت الوالد الكافر على موت الولد المسلم يكون موضوعاً للإرث، لا أصلتحقّق موته ولا تأخّره ولا تقارنه، لاتقدّم موت الولد؛ لكون والده ممنوع عنالإرث لكفره، وهذا الوجود الخاصّ قد يكون موضوعاً للأثر بنحو كان التامّةـ أي تقدّم موت الوالد على موت الولد ـ وقد يكون بنحو كان الناقصة.
و اُخرى يكون الأثر الشرعي مترتّبا على وجودهما بنحو خاصّ منها،مثلاً: تقدّم موت الوالد يكون موضوعاً لإرث الولد، وتقدّم موت الولد يكونموضوعاً لإرث الوالد، وفي صورة تحقّق الأثر لوجود أحدهما قد يتحقّق لكلّنحو من أنحاء وجوداته الثلاثة أثر خاصّ.
أمّا إذا كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاصّ منها بنحو كانالتامّة، مثل: تقدّم موت الوالد على موت الولد، فيكون جريان استصحابعدم التقدّم بلا معارض فينتفي الأثر الشرعي المترتّب على التقدّم.
و أمّا إذا كان الأثر لكلّ من أنحاء وجوده بنحو كان التامّة فلا مجال
(صفحه 269)
لاستصحاب العدم في واحد؛ للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقّقأركانه في كلّ منها، مع أنّا نعلم إجمالاً ببطلان أحد الاستصحابات؛ إذ لايمكننفي تقدّم هذا الحادث وتقارنه وتأخّره بالنسبة إلى الحادث الآخر.
و هكذا إذا كان الأثر لوجود كلّ من الحادثين بنحو خاصّ، فلا مجاللاستصحاب العدم.
و أمّا إذا كان الأثر لتقدّم أحد الحادثين وتأخّره دون تقارنه مع الحادثالآخر فلا مانع من جريان استصحاب تقدّمه وتأخّره معاً؛ إذ لايتحقّق العلمالإجمالي بكذب أحد الاستصحابين.
و أمّا إذا كان الأثر لتقدّم أحد الحادثين وتقارن الآخر فيجري كلالاستصحابين وينفى تقدّم الحادث الأوّل وتقارن الحادث الثاني، فيستفاد تقدّمالحادث الثاني مثلاً.
فالمعيار لعدم جريان الاستصحاب وجريانه في مجهولي التاريخ تحقّق العلمالإجمالي بالكذب أو العلم بعدم قابليّة الاجتماع في الخارج، وعدمه.
و أمّا إن كان الأثر مترتّباً على ما إذا كان متّصفاً بالتقدم أو بأحد ضدّيهالذي كان مفاد كان الناقصة، مثل قولنا كان موت الوالد المفروض تحقّقهمتقدّما على موت الولد موضوعاً للأثر الشرعي، فلا مورد ههنللاستصحاب؛ لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب؛ إذ اليقين بأنّ موت زيد كانمتّصفا بالتقدّم، أو غير متّصف به لايمكن تحقّقه حتّى يجري استصحاب العدمأو الوجود، إلاّ على القول بصحّة جريان استصحاب العدم في القضيّة السالبةبانتفاء الموضوع، كقولنا: ليس موت الوالد متقدّما على موت الولد قبل تحقّقالحادثة وعدم الموت، ونستصحب بعد تحقّق الموضوع ـ أي الموت ـ وزمانالشكّ في التقدّم والتأخّر عدم التقدّم السابق الآن.
(صفحه270)
كما قال صاحب الكفاية رحمهالله في باب العامّ والخاصّ بجريان استصحاب عدمقرشية المرأة على هذا الأساس، لكنّه في ما نحن فيه عدل عن هذا المبنىواختار عدم جريانه في مفاد كان الناقصة والقضيّة السالبة بانتفاء الموضوع؛لعدم صدق اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة، كما هو التحقيق.
هذا كلّه بالنسبة إلى الأثر المترتّب على وجود خاصّ لأحد الحادثين أوكليهما.
وأمّا إذا كان الأثر الشرعي لعدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر،وكان العدم موضوعاً للأثر بنحو مفاد ليس الناقصة الذي يعبّر عنه بالعدمالنعتي كقولنا: ليس موت الوالد متّصفاً بالتقدّم على موت الولد، فلا يجريالاستصحاب فيه؛ لفقدان الحالة السابقة المتيقّنة، وإن كان بنحو مفاد ليسالتامّة الذي يعبّر عنه بالعدم المحمولي، وحينئذ قد يكون عدم كلّ من الحادثينموضوعاً لأثر في زمان حدوث الآخر، وقد يكون عدم أحدهما موضوعللأثر، فإن كان عدم كليهما موضوعاً للأثر فلا يجري استصحاب العدم أصلاً؛لتحقّق التعارض بين الاستصحابين والتساقط عند الشيخ الأنصاري رحمهالله ، وعدمتماميّة أركان الاستصحاب عند صاحب الكفاية رحمهالله .
وأمّا إن كان عدم أحدهما موضوعاً للأثر في زمان وجود الآخر فيجريالاستصحاب؛ لعدم المعارضة عند الشيخ رحمهالله ، ولا يجري؛ لعدم تماميّة الأركانعند صاحب الكفاية رحمهالله .
وأمثلته كثيرة:
منها: مالو علمنا بكرّيّة الماء القليل وملاقاته النجس، وشككنا في تقدّمالكرّيّة على الملاقاة وتأخّرها عنها، وما هو موضوع للأثر الشرعي عبارة عنعدم الكرّيّة في زمان الملاقاة من الانفعال والنجاسة، ولا أثر لعدم الملاقاة في
(صفحه 271)
زمان الكرّيّة.
ومنها: ما لو علمنا بموت الوالد واسلام الولد، وشككنا في تقدّم موت الوالدعلى إسلام الولد وتأخّره عنه، ويترتّب الأثر على عدم إسلام الولد إلى زمانموت الوالد، وهو عدم إرثه منه، ولا أثر لعدم موت الوالد إلى زمان إسلامالولد.
ففي مثل هذه الأمثلة يجري الاستصحاب على مسلك الشيخ رحمهالله في أحدالطرفين لعدم المعارض؛ لعدم الأثر للاستصحاب في الطرف الآخر.
ولا يجري الاستصحاب على مذهب صاحب الكفاية رحمهالله وتوضيح كلامهيحتاج إلى بيان مقدّمتين:
الاُولى: المعتبر في الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ باليقين، بمعنى أنلايتخلّل بين اليقين المتعلّق بشىء وبين الشكّ في بقائه يقين آخر مضادّ له، فإنّهمع تخلّل اليقين المضادّ لايعقل الشكّ في البقاء؛ لعدم صدق نقض اليقين بالشكّبالنسبة إلى اليقين الأوّل، بل يصدق نقض اليقين باليقين، فالمقصود من زماناليقين والشكّ هو زمان المتيقّن والمشكوك لازمان نفس صفة اليقين والشكّ.
الثانية أنّه مرّ في باب العامّ والخاصّ أنّ التمسّك بالعامّ في شبهة مصداقيّةالمخصّص ليس بجائز عند أكثر المحقّقين، بخلاف بعض، مثل صاحب العروة رحمهالله ،وأمّا التمسّك بالدليل في شبهة مصداقيّة نفس الدليل فلا شكّ في عدم جوازه؛لعدم إمكان إثبات شبهة مصداقيّة الدليل بنفس الدليل، فإن شككنا في صدقنقض اليقين بالشكّ وعدمه في مورد لايجوز التمسّك بقوله: «لاتنقض اليقينبالشكّ» لإحرازه، فإنّه أيضا من قبيل التمسّك بالدليل في شبهة مصداقيّته.
إذا عرفت ذلك فنقول: لابدّ لنا من فرض أزمنة ثلاثة: زمان اليقين بعدمحدوث كلا الحادثين، وزمان حدوث أحدهما بلا تعيين، وزمان حدوث