(صفحه404)
تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان فاللازم تخصيصه به، ثمّ تخصيص العامّبالخاصّ المخصّص، وإن لزم الاستهجان من تخصيص الخاصّ بالأخصّ، فيقعالتعارض بين الخاصّين، وبعد إعمال قواعد التعارض وترجيح أحد الخاصّينيخصّص العامّ بما رجّح إن لميلزم من تخصيص العامّ به الاستهجان، وإلاّ فيقعالتعارض بين مجموع أدلة العامّ وكلّ واحد من الخاصّين، ولا بدّ معها منمعاملة المتعارضات والرجوع إلى الأخبار العلاجيّة.
إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه:
وأمّا إذا كانت النسبة بين الخاصيّن العموم والخصوص من وجه، كقوله:«أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويّين من العلماء» و«لا تكرم الفسّاق منهم»، فإنكان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إيجابا وسلبا ـ كما في المثال ـ فلا شبهةفي تخصيص العامّ بكليهما إن لم يلزم من تخصيصه بهما الاستهجان، وإلاّ فيقعالتعارض بين الخاصّين، ويؤخذ بأحدهما، إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا، ويخصّصالعامّ به.
وإن كانا مختلفين من حيث الإيجاب والسلب، كما إذا كان الخاصّ الثاني هوقوله: «يستحبّ إكرام الفسّاق من العلماء»، فهنا أدلّة ثلاث، بعضها يدلّ علىوجوب إكرام جميع العلماء، وثانيها على حرمة إكرام النحويّين منهم، وثالثهعلى استحباب إكرام الفساق من العلماء.
ولا ريب في لزوم تخصيص العامّ بكلّ منهما بالنسبة إلى مورد افتراقهما، فإنّهلاشبهة في تخصيص العامّ بنحويّ عادل، وكذا بالفاسق الغير النحوي، وإنّمالإشكال في النحوي الفاسق حيث يدلّ العامّ على وجوب إكرامه، وأحدالخاصّين على حرمته، والآخر على استحبابه.
والظاهر أنّه لابدّ من رعاية قواعد التعارض بين الجميع في النحوي
(صفحه 405)
الفاسق؛ لأنّ العامّ وإن كانت نسبته مع كلا الخاصّين العموم المطلق، إلاّ أنّه بعدتخصيصه بمورد الافتراق من كلّ من الخاصّين تصير نسبته مع الخاصّ الآخرالعموم من وجه، فإنّه بعد تخصيصه بالنحوي العادل تصير النسبة بين العامّـ أي أكرم العالم الغير النحوي العادل ـ وبين قوله: «يستحبّ إكرام الفسّاق منالعلماء» العموم من وجه، كما أنّه بعد تخصيصه بالفاسق الغير النحوي تصيرالنسبة بين العامّ وبين قوله: «لاتكرم النحويّين من العلماء» العموم من وجهأيضا.
ولكنّ التحقيق: أنّ الأخبار العلاجيّة مختصّة بالخبرين المتعارضين بالتباين،ولا تكون شاملة للدليلين المتعارضين بالعموم والخصوص من وجه، فلابدّمن الرجوع إلى القاعدة كما سيأتي، ومقتضى القاعدة هو التساقط لا التخيير،ففي مادّة الاجتماع ـ أي النحوي الفاسق ـ بعد تعارض الخاصّين وتساقطهموصيرورتهما فيها كالعدم، فما المانع من الرجوع إلى العموم؟ والعامّ حجّة،وليست هنا حجّة أقوى على خلافه، ولا دليل للتخصيص بالنسبة إلى مادّةالاجتماع، فلابدّ من الرجوع إلى العامّ.
إذا ورد عامّان من وجه وخاصّ.
وفي هذه الصوره إن كان مفاد الخاصّ، إخراج مادّة الاجتماع تنقلب النسبة،فلا يبقى تعارض في البين، كما إذا قال: «أكرم كلّ عالم»، ثمّ قال: «لاتكرم كلّفاسق»، ومادّة اجتماعهما عبارة عن العالم الفاسق، والأوّل يحكم بوجوبإكرامه، والثاني يحكم بحرمة إكرامه، وإذا قال بعد ذلك: «لاتكرم العالمالفاسق»، وصارت دائرة العامّ الأوّل محدودة بالعالم الغير الفاسق فلا مجالللتعارض بين العامّين.
وإن كان مفاد الخاصّ إخراج مورد افتراق أحد العامّين تنقلب النسبة إلى
(صفحه406)
العموم المطلق، كما إذا ورد بعد قوله: «أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق»، قوله:«أكرم الفاسق الغير العالم»، فمادّة الاجتماع عبارة عن العالم الفاسق، ومادّةالافتراق للأوّل هو العالم الغير الفاسق، وللثاني هو الفاسق الغير العالم، وبعدإخراجه عن تحت العامّ الثاني صار عنوانه: «لاتكرم الفسّاق من العلماء»،فيصير مخصّصا للعامّ الأوّل بعد انقلاب النسبة بهذه الكيفيّة.
إذا ورد عامّان متباينان وخاصّ
وأمّا هذه الصورة فهي ما إذا ورد دليلان متعارضان بالتباين، فقد يوجبالدليل الخاصّ الوارد في مقابلهما انقلاب النسبة من التباين إلى العموم المطلق،وقديوجب انقلابها إلى العموم من وجه.
فالأوّل كقوله: «أكرم العلماء» وقوله: «لاتكرم العلماء»، ثمّ ورد دليل ثالثبقوله: «لاتكرم العالم الفاسق»، وبعد تخصيص العامّ الأوّل به ومحدوديّة مفادهمن حيث الحجّيّة بالعالم الغير الفاسق، كأنه يقول: «أكرم العلماء الغير الفسّاق»وإذا لاحظناه مع العامّ الثاني تصير النسبة بينهما العموم المطلق، فالعامّ الأوّليصير مخصّصا للثاني.
والثاني كما إذا ورد في المثال دليل رابع وخصّص قوله: «أكرم العلماء»بالفقهاء، فإنّ النسبة بينه بعد تخصيصه بالفقهاء وبين قوله: «لاتكرم العلماء»بعد تخصيصه بما عدا العدول، هو العموم من وجه.
(صفحه 407)
فصل
في عدم شمول الأخبار العلاجيّة للعامين من وجه
قد تحقّق أنّ موضوع البحث في المقام هو الخبران المتعارضان، وأنّالروايات الواردة في هذا الباب موردها هو المتعارضان أو المختلفان عنوانا أومصداقا، بمعنى أنّه ورد في بعضها عنوان الاختلاف والمختلفين، وفي بعضهمصداق هذا العنوان، مثل ما ورد في بعضها من قول السائل في بيان الخبرينالواردين: «أحدهما يأمر والآخر ينهى»(1).
وبعد ما تحقّق أنّ المرجع في تشخيص عنوان التعارض والاختلاف هوالعرف والعقلاء فلا إشكال في تحقّق هذين العنوانين في الدليلين المتعارضينبالتباين، مثل ما إذا دلّ أحدهما على وجوب إكرام جميع العلماء، والآخر علىحرمة إكرامهم.
كما أنّه لا إشكال في عدم تحقّقهما في العامّ والخاصّ المطلق في محيطالتقنين؛ لتحقّق الجمع العقلائي بينهما، وهو التخصيص، إن لميكن مستهجنا.
إنّما الإشكال في العموم والخصوص من وجه، وكذا في المتعارضينبالعرض، كما في الدليلين اللذين علم بكذب أحدهما من غير أن يكون
- (1) الوسائل 27: 108، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.
(صفحه408)
بأنفسهما متناقضين، كما إذا دلّ دليل على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة،ودليل آخر على وجوب صلاة الظهر ذلك اليوم، وعلم بعدم كون الواجبمنهما إلاّ واحدا، وكما إذا ورد عامّ وخاصّان متباينان، مثل قوله: «أكرمالعلماء»، وقوله: «لاتكرم النحويّين»، وقوله: «لاتكرم الصرفيّين»، وكانتخصيصه بكليهما مستلزما للاستهجان، وقد تحقّق أن التعارض يكون بينالخاصّين لابينهما وبين العامّ، إلاّ أنّ التعارض بينهما تعارض عرضي؛ لعدمتناقضهما في حدّ نفسهما أصلاً.
وكذا الإشكال في المتعارضين بالالتزام بأن لميكن الدليلان متعارضين إلمن حيث لازم مدلولهما، كما إذا فرضنا المفهوم من المدلول الالتزامي مثل: أنيقول في رواية: صلاة الجمعة واجبة عند زوال يوم الجمعة، ومفهومها عدموجوب صلاة الظهر، وفي رواية اُخرى: صلاة الظهر واجبة يوم الجمعة فيزمن الغيبة، ومفهومها عدم وجوب صلاة الجمعة، وكلّ منهما ينفي الآخربمدلوله الالتزامي، وهذا يوجب التعارض بينهما ونسمّيه بالتعارض بالالتزام.
لايتوهّم خروج العامّين من وجه من الأخبار العلاجيّة بأنّه اجتمع فيمادّة الاجتماع ـ أي العالم الفاسق ـ حكمان: وجوب الإكرام باعتبار أنّه عالم،وحرمة الإكرام باعتبار أنّه فاسق، كما في الصلاة في الدار المغصوبة، بعد القولبجواز اجتماع الأمر والنهي في محلّه.
فإنّه يتحقّق الفرق بين ما نحن فيه ومسألة اجتماع الأمر والنهي، فإنّ منشرائط اجتماع الأمر والنهي إحراز تحقّق مقتضى كلا الحكمين في مادّة الاجتماع،فتتحقّق هنا مسألة التزاحم لا التعارض، وأمّا في العموم من وجه فيتحقّقحكم واحد في مادّة الاجتماع، إمّا وجوب الإكرام وإمّا حرمته، ولا يكونمحرزا لنا تحقّق مناط كلا الحكمين، ولذا يتحقّق التعارض.