(صفحه48)
وأمّا تحقّق كلمة «على مؤمن» في ذيله فلا دليل عليه؛ لعدم وجودها إلاّ فيالمرسلة الغير المعتبرة، مع تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.
وأمّا كلمة «في الإسلام» فهي مذكورة في ذيله في المرسلة المعتبرة للصدوق،ولكن يحتمل أن تكون هي في الواقع: «فالإسلام» بلحاظ الجمل الواقعةبعدها، فحقيقة الرواية أنّه قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا ضرر ولا ضرار، فالإسلام يزيد خيرولا يوجب فيه شرّا»، وهذا الاحتمال عقلائي. وإن قيل: إنّه خلاف الظاهربلحاظ ذكرها في الكتب اللغوية أيضا في ذيله، فلابدّ له من العمل بالظاهر.هذا تمام الكلام في هذه الجهة.
ولا بدّ من البحث في مفردات الحديث بعد إثبات أصل صدوره عنه صلىاللهعليهوآله وأنّ «لا ضرار» المذكور بعد «لا ضرر» تأكيد لما قبله أو أنّه مغاير له، وعلىفرض المغايرة هل المغايرة مغايرة باب المفاعلة والثلاثي المجرّد ـ أي الصدورمن الاثنين أو الواحد ـ أو أزيد من ذلك؟ فلابدّ من الرجوع إلى أهل اللغةوملاحظة موارد استعماله في الكتاب والسنّة، ثمّ أخذ النتيجة في المسألة.
وأمّا من حيث اللغة ففي صحاح الجوهري أنّ: «الضرّ: خلاف النفع، وقدضرّه وضارّه بمعنى واحد».
يحتمل أن يكون المراد عدم الفرق بينهما في استعمال كلّ واحد منها مكانالآخر، وليس لكلمة «ضارّة» معنى المفاعلة، ويحتمل أن يكون المراد عدمالفرق بينهما بالنسبة إلى عدم النفع، وهذا لاينافي أن يكون لأحدهما العنوانالثلاثي المجرّد وللآخر عنوان المفاعلة والأقوى والأقرب هو الاحتمال الأوّل.
ثمّ قال: «والاسم الضرر» ما يتحقّق من المصدر ـ أي الضرّ مصدر،والضرر اسم المصدر ـ ثمّ قال ـ : «والضرار: المضارّة»، والمعنى: أنّ الضرارعبارة عن المضارّة التي قلنا، وقد ضرّه وضارّه بمعنى واحد، فلا يستفاد من
(صفحه 49)
هذه العبارة تحقّق المغايرة بينهما حتّى المغايرة بعنوان باب المفاعلة،كما هو واضح.
وقال صاحب القاموس: «الضرر: ضدّ النفع، ضارّه يضارّه ضرارا،والضرر: سوء الحال، الضرار: الضيق»(1).
والمستفاد منه إجمالاً أنّ المغايرة بينهما لا تكون مغايرة باب المفاعلة، بل هوالنوع الآخر من المغايرة، فإنّ سوء الحال يستعمل نوعا مّا في موارد الخسرانوالضرر المالي والجسمي، والضيق يستعمل في موارد الخسران العرضيوالروحي والمعنوي.
وقال في المصباح المنير: «ضرّه يضرّه إذا فعل به مكروها وأضرّ به، يتعدّيبنفسه ثلاثيّا، والباء رباعيّا» ـ أي إذا كان ثلاثيّا يتعدّى بنفسه، ويقول: ضرّهويضرّه مثل قتله يقتله، وإذا كان رباعيّا يقول: أضرّ بالرجل، لا أضرّ الرجل،فيتعدّىبالباء ـ ثمّقال: «والاسمالضرر، وقديطلق علىنقصفيالأعيان، وضارّهيضارّه مضارّة وضرارا، يعنى ضرّ». والمستفاد منه أنّه لا فرق بينهما أصلاً(2).
وقال ابن الأثير في النهاية: «في الحديث: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»الضرر: ضدّ النفع، ضرّه يضرّه ضرّا وضرارا، وأضرّ به يضرّه إضرارا، فمعنىقوله «لا ضرر»: لايضرّ الرجل أخا، فينقصه شيئا من حقّه، والضرار فِعالمن الضرّ، أي لايجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه، والضرر فعلالواحد، والضرار فعل الاثنين، والضرر ابتداء الفعل، والضرار الجزاء عليه،وقيل: الضرر ما تضرّ به صاحبك وتنفع أنت به، والضرار أن تضرّه بغير أنتنفع، وقيل: هما بمعنى واحد والتكرار للتأكيد»(3). هذا ما لاحظناه في كتب
- (1) القاموس المحيط 2: 75.
- (3) النهاية في غريب الأثر 3: 172.
(صفحه50)
اللغة ومن الاختلاف فيها.
ولكنّ المستفاد من موارد استعمال كلمة «الضرار» في القرآن هو ما ذكره فيالقاموس من استعمال الضرر في الخسران الجسمي والمالي، والضرار فيالخسران الاعتقادي والروحي، كما في مثل قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ اتَّخَذُواْمَسْجِدًا ضِرَارًا...»(1)، فإنّ الغرض من تأسيس المسجد المذكور إيجاد الضعففي عقائد المسلمين والتشكيك في إيمانهم والتفرقة بينهم، ولا يتصوّر هنالإضرار بين الاثنين والمفاعلة.
وكما في مثل قوله تعالى: «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا»(2)، والظاهر أنّه في قبالقوله تعالى: «الطَّـلَـقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُم بِمَعْرُوفٍ...»(3).
ومن الروايات الواردة في تفسير الآية ما عن الصادق عليهالسلام : أنّه قال:«لاينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ثمّ يراجعها وليس له فيها حاجة ثمّ يطلّقها،فهذا الضرار الذي نهى اللّه عنه إلاّ أن يطلّق ثمّ يراجع وهو ينوي الإمساك»(4).
والمستفاد منها أنّ الإمساك بقصد التحقير وإيجاد النقص الروحي، ومقدّمةللطلاق الثالث أو التاسع بدون الاحتياج إلى الاستمتاع منها يكون إضراربها.
وهكذا في قوله تعالى: «لاَ تُضَآرَّ وَ لِدَةُم بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُو بِوَلَدِهِى»(5)،وفي تفسيرها اختلاف، ويقول بعض: إنّه لايصحّ إيقاع الوالدة موردا للضرربالنسبة إلى ولدها، وهكذا الوالد بالنسبة إلى مولود له، وكأنّه كان عنوانان
- (4) وسائل الشيعة 22: 171، الباب 34 من أقسام الطلاق وأحكامه، الحديث 1.
(صفحه 51)
مستقلاّن: أحدهما: لاتضارّ والدة بولدها، والآخر: لايضارّ مولود له بولده.
هذا، ولكن يستفاد من الروايات الواردة في تفسيرها معنى آخر، منها: معن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: سألته عن قول اللّه:«لاَ تُضَآرَّ وَ لِدَةُم بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُو بِوَلَدِهِى». فقال: «كانت المراضع ممّتدفع إحداهنّ الرجل إذا أراد الجماع تقول: لاأدعك إنّي أخاف أن أحبل فأقتلولدي هذا الذي أرضع، وكان الرجل تدعوه المرأة، فيقول: أخاف أن أجامعكفأقتل ولدي فيدعها ولم يجامعها، فنهى اللّه عزّوجلّ عن ذلك أن يضارّ الرجلالمرأة، والمرأة الرجل»(1).
والمراد امتناع الزوج أو الزوجة المرضعة من الجماع للخوف من الحملالذي يوجب قلّة اللبن الموجب لهلاك الرضيع، ومعلوم أنّ الضرر الموجود هنهو الحرمان من لذّة الجماع.
وهكذا في قضية سمرة بن جندب، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «ما أراك يا سمرة إلمضارّا ولا ضرر ولا ضرار»، ومعلوم أنّ انطباق عنوان المضارّ عليه من ناحيةرسول اللّه صلىاللهعليهوآله لايكون لتحقّق الضرر بين الاثنين، بل لإيجاده ضررا عرضيّوروحيّا على الأنصاري.
فيستفاد من ملاحظة الآيات والرويات وكلمات جمع من اللغويّين: أوّلاً: أنّهلا إشكال في اختلاف معنى «لا ضرر» مع «لاضرار»، ولا يكون الثاني تأكيدللأوّل.
وثانياً: أنّ الاختلاف بينهما لايكون اختلاف الثلاثي المجرّد وباب المفاعلةالمتحقّق بين الاثنين، بل هو اختلاف حقيقي، وأنّ الضرر عبارة عن النقصالمالي والضرر الجسمي، والضرار عبارة عن غيره من الضرر الاعتقادي
- (1) وسائل الشيعة 20: 189، الباب 102 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، الحديث 1.
(صفحه52)
والعرضي والعاطفي والغريزة الجنسيّة وأمثال ذلك.
والمستفاد من كلام ابن الأثير في النهاية كون «لا» ناهية، فإنّه قال: «لضرر: يعني لايجوز أن يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئا. لا ضرار: يعني لايجوزأن يجاز الرجل على ضرر»، ولكنّه ليس بصحيح، فإنّ «لا» الناهية منمختصّات الفعل لاتدخل على الاسم والمصدر، كما هو ثابت في محلّه، والمصدرقد يكون بمعنى اسم الفاعل، وقد يكون بمعنى اسم المفعول، وكونه بمعنى الفعلمخالف لما عليه أهل النحو، فلا يجوز الالتزام به.
والمتّفق عليه تقريبا عند الأعاظم هو كون «لا» نافية بنفي الجنس، إلاّ أنّنفي الضرر عن الإسلام بالنفي الحقيقي خلاف للواقع كما قال به الشيخالأنصاري رحمهالله فلابدّ من ارتكاب المجاز هنا والالتزام به، بأنّ معناه أنّه: «لميشرّع الشارع حكما ضرريا، سواء كان حكما تكليفيّا أو وضعيّا، فلميشرّعالشارع الوضوء الضرري، والصوم الضرري، ولميحكم باللزوم في المعاملةالغبنيّة مثلاً، ولكنّ البحث في أنّ المجاز هنا من قبيل استعمال اللفظ الموضوعللمسبّب في السبب ـ أي لم يجعل الشارع ما هو سببا للضرر ـ أو أنّه من المجازفي الحذف والتقدير، أو إرجاعه إلى حقيقة ادّعائيّة، كما ذكره السكّاكي فيالاستعارة وبعض في جميع المجازات، والتحقيق في محلّه.
والتزم عدّة من الأعاظم بأنّ استعمال قوله: «لا ضرر ولا ضرار» استعمالحقيقي بدون ارتكاب أيّ نوع من المجاز والعناية كالمحقّق الحائري والنائيني رحمهالله والعراقي رحمهالله ، وذكر كلّ منهم وجهاً للمدّعى، إلاّ أنّ الوجوه متقاربة، والمفصّلمنها ماذكره المحقّق النائيني رحمهالله فإنّه ذكر للمدّعى مقدّمات ثمّ استفاد منهالاستعمال الحقيقي، ولكن لابدّ لنا من نقل بعضها على نحو الاختصار:
منها: أنّه قال: لافرق بين حديث «لا ضرر ولا ضرار» وحديث الرفع،