(صفحه74)
فإنّا نقول: إنّ الدليل الخاصّ والروايات الخاصّة ينفي الوجوب عن الوضوءالضرري والإجماع دليل على تحقّق خيار الغبن في المعاملة الغبنيّة وإن لم تكنقاعدة لا ضرر، مضافا إلى عدم إمكان إثبات الخيار بقاعدة لاضرر؛ إذ هيتمنع من الضرر ومنع الضرر يتحقّق بإعطاء الغابن الأرش للمغبون، مع أنّالمتحقّق في الخيار هو حقّ الفسخ، وهو لايثبت بالقاعدة فلا ينطبق الدليلعلى المدّعى، وهكذا في خيار العيب لانحتاج إلى القاعدة بعد تحقّق الرواياتالمتضافرة وعدم تعيّن الأرش، بل التخيير بين الفسخ وأخذ الأرش ونحووذلك.
ويمكن أن يتوهّم أنّ هذا المعنى لقوله: «لا ضرر ولا ضرار» مخالف لفهمالمشهور منه، مع أنّه دليل وحجّة في الاستفادة من الروايات.
ولكنّه ليس بصحيح؛ إذ الحجّة هو ظاهر الرواية بعد وضوح مداركها، ومبأيدينا من كيفيّة استدلال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله حسب النقل المعتبر في قضيّة سمرة بنجندب، مضافا إلى عدم اتّفاق المشهور في المعنى، بل يتحقّق الاختلافالشديد من كونه حكما إلهيّا أوّليّا ودلالته على النهي المولوي، وأنّه لايجوز أنيضرّ أحد أحداً، وتأييده بالقول اللغوي كما التزم به شيخ الشريعة، وكونالمنفي هو الضرر الغير المتدارك، وكون «لا» ناهية وناظرا إلى الأحكام الأوّليةفي مقام الإخبار عن عدم تشريع الحكم الضرري بنحو الحقيقة أو الحقيقةالإدّعائيّة أو المجاز، كما ذكره الشيخ الأنصاري رحمهالله .
فالتحقيق: أنّه حكم حكومتي ناظر إلى قاعدة السلطنة، وأنّ الإضراربالغير استنادا إلى قاعدة السلطنة في محيط الشرع ممنوع، وهذا الحكملايختصّ بزمان خاصّ بل هو من الأحكام السارية في جميع الأعصاروالأدوار إلى يوم القيامة، ولذا نشاهد نقله في روايات الأئمّة المعصومين عليهمالسلام
(صفحه 75)
فالنهي عن إيقاع الضرر والضرار على الغير في مقابل قاعدة السلطنة باق إلىالأبد، وأمّا القلع والرمي فهو حكم خاصّ لمخاطب خاصّ.
وأمّا النقض الذي أوردناه على المحقّق النائيني رحمهالله من عدم التزام أحد بهذالحكم فيما إذا كان طريق الدار منحصرا بالدخول إلى دار الغير وعدمالاستئذان عند الدخول، فلا يرد على هذا المعنى؛ لأنّه بعد المنع عن الدخولبلا استئذان استنادا إلى قاعدة لاضرر، والامتناع من الاستئذان لابدّ منمراجعة الحاكم العادل على القول بثبوت الولاية للفقيه، وحينئذ لا مانع له أنيحكم بمقتضى المصلحة في مورد بتخريب الدار، وفي مورد آخر، بحكم آخر،وهكذا، فالحكم بالقلع والرمي لايكون حكما دائميّا، بل حكم شخصي تابعلنظر الحاكم وتشخيصه، فهذا المعنى يكون ذات مزيّة وراجحا على سائرالمعاني، كما ذكره اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله (1).
- (1) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر: 105.
(صفحه76)
تنبيهات قاعدة لا ضرر
ولا بدّ لنا من التنبيه على اُمور:
الأوّل: أنّ قاعدة لا ضرر نهي مولوي صادر عن المقام الحكوميللرسول صلىاللهعليهوآله ، وموضوع النهي هو الإضرار بالغير، ولا يتعدّى هذا الحكم عنهذا العنوان إلى عنوان دفع الضرر عن الغير؛ لاختلافهما عنوانا ومفهوما، وإذكان دفع الضرر مستلزما للإضرار بالغير، فهل هو جائز أم لا؟
والتحقيق: أنّه لابدّ من القول بالتفصيل هنا بين ما إذا انطبق عنوانالإضرار بنفس عنوان دفع الضرر، فيشمله قوله: «لا ضرر»، وبين إذا لم ينطبقبنفسه بل الإضرار مستند إلى أمر آخر، فلا يشمله ذلك، مثلاً: دفع السيلالمتوجّه إلى ملك شخص قد يكون بإيجاد المانع مقابل ملكه، وقد يكون برفعالمانع عن مقابل ملك الجار، والإضرار بالغير في الأوّل مستند إلى السيللابدفع الضرر، وفي الثاني مستند إلى نفس دفع الضرر، فيجوز في الصورةالاُولى دون الثانية.
الثاني: أنّ الإكراه المتناسب بالإضرار بالغير هل يوجب رفع حرمتهبحديث الرفع أم لا؟ مع العلم بأنّ أقلّ مراتب الإكراه لايكون مجوّزا لارتكابأعظم المحرّمات.
والتحقيق: أنّ حديث الرفع كما يرفع الحرمة من المحرّمات الإلهيّة كذلك
(صفحه 77)
يرفعها من المحرّمات النبويّة، وإن قلنا بعدم شمول الحديث للأحكام النبويّةلابدّ من إرجاعها إلى الأحكام الالهيّة، وأنّ مخالفة أوامره ونواهيه بمقتضىقوله تعالى: «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ»(1) مخالفة الأحكام الإلهيّة،فالإكراه بالإضرار بالغير يرجع إلى الإكراه بمخالفة أمر اللّه تعالى بإطاعةالرسول، فلا يتحقّق استحقاق العقوبة على مخالفته.
الثالث: إذا كان تصرّف المالك في ملكه مستلزما للإضرار بالغير وتركالتصرّف موجبا لتضرّر نفسه ـ كما إذا كان حفر البئر في مكان موجبللإضرار بالجار، وتركه موجبا لتضرّر نفسه ـ فلا مانع من تصرّفه في ملكهاستنادا إلى دليلين:
الأوّل: انصراف قاعدة لا ضرر عن هذا المورد. الثاني: تعارض القاعدةالجارية بالنسبة إلى ترك تصرّف المالك مع القاعدة الجارية بالنسبة إلى تضرّرالجارّ وتصرّفه، والرجوع إلى الدليل الآخر بعد تساقطهما مثل جريانالاستصحاب في الشكّ السببي والمسبّبى وتعارضهما، إلاّ أنّ الأصل في السببمقدّم على الأصل في المسبّب بمقتضى القاعدة السببيّة، وبعد سقوطهما يحكمبجواز تصرّف المالك بمقتضى قاعدة السلطنة.
ولكن يرد عليه أنّ قوله: «لا ضرر ولا ضرار» قضيّة واحدة، وإذا كانجريانه مستلزما للضرر فينفى بنفس قوله: «لا ضرر»، وعليه يلزم أن تكونجملة واحدة حاكمة ومحكومة، وهو كماترى.
هذا بخلاف الشكّ السببي والمسبّبي فإنّ بعد جريان الأصل في السببوصيرورة ماء الحوض كرّا بحسب حكم الشرع لايبقى مجال للشكّ في طهارةالثوب المغسول به، فلا حاكميّة ولا محكوميّة في البين، فالدليل الثاني ليس
(صفحه78)
بتامّ، فيكون جواز تصرف المالك في ملكه مستندا إلى قاعدة السلطنة بعدعدم جريان قاعدة لا ضرر بلحاظ الانصراف عن المورد.
وأمّا إذا كان تصرّف المالك إضرارا بالغير وتركه حرجا للمالك، مثل إيجادحديقة صغيرة في زاوية داره؛ ضرورة أنّ منعه عن ذلك حرج عليه وإن لميوجب ضررا ماليّا، فقال بعض بتقدّم قاعدة لا حرج على قاعدة لا ضرر،وجواز تصرّفه فيه، والتقدّم على المعنى الذي ذكرناه واضح؛ لعدم اختصاصقوله: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» بالأحكام الإلهيّة، بل يشملالأحكام النبويّة أيضا؛ لكونها من الدين ونظارته إليهما ليس قابلاً للإنكار،فيكون حاكما في صورة التعارض.
وأمّا على المعنى المشهور فلا وجه للتقدّم؛ لكونهما حكمين إلهييّن بالعنوانالثانوي في مقام الإخبار، أحدهما ينفي تشريع الحكم الضرري، والآخر ينفيتشريع الحكم الحرجي، هذا تمام الكلام في قاعدة لا ضرر.