(صفحه 99)
وضوئه»، وكلمة «إلاّ» بلحاظ كونها قضيّة شرطيّة واشتمالها على أداة الشرطتحتاج إلى الجزاء، ويحتمل أن يكون الجزاء هنا محذوفا، ويستفاد ممّا قبله،وهو جملة «فلا يجب عليه الوضوء»، وقوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه»تعليل للجزاء المحذوف، «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ»، فيكون التعليلالمشتمل على الصغرى والكبرى في مقام إفادة القاعدة الكلّيّة السارية في جميعأبواب الفقه لجريان الاستصحاب، وذكر الوضوء إنّما هو لكونه مورد السؤال،لا لدخله في موضوع الحكم.
ويرد على هذا الاحتمال: أوّلاً: أنّ ذكر كلمة «من وضوئه» في الصغرى،واحتمال كون «الألف واللام» في كلمة «اليقين» للعهد الذّكري يوجب القولبأنّ الرواية في مقام إفادة القاعدة الكلّيّة لجريان الاستصحاب في باب الوضوءفقط، لا في سائر الأبواب.
وتوهّم التمسّك بأصالة الإطلاق لعدم قيديّة «من وضوئه» لكلمة «اليقين»مدفوع بأنّه لايمكن التمسّك به في الكلام المحفوف بما يصلح للقيديّة، مثل عدمإمكان التمسّك بأصالة عدم التخصيص في الاستثناء المتعقّب للجُمل في غيرالأخيرة؛ لصلاحيّة رجوع الاستثناء إلى الجميع.
ولكنّ الحقّ في المسألة أنّ العرف بملاحظة التناسب بين الحكم والموضوعيفهم ويستفاد من الرواية القاعدة الكلّيّة، وأنّ الشيء المبرم والمستحكمكاليقين لاينقض بالشكّ والترديد، سواء كان في باب الوضوء أو سائرالأبواب، ونحن بما أنّنا من العرف نفهم ذلك.
ويرد عليه:
ثانيا: أنّ الظاهر على هذا الاحتمال أنّ قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»يكون صغرى لقوله: «ولا ينقض اليقين بالشكّ»، فأراد الإمام عليهالسلام إجراء
(صفحه100)
استصحاب الوضوء، مع أنّه محكوم باستصحاب عدم النوم الناقض؛ لأنّالشكّ في الوضوء ناشٍ ومسبّب من الشكّ في حصول النوم، وأصالة عدمحصوله مقدّمة على استصحاب الوضوء، لتقدّم الأصل السببي على المسبّبي.
كما أنّ الظاهر من قوله: «حتّى يستيقن أنّه قد نام» أنّه تمسّك بأصالة عدمالنوم، مع أنّ جريان الأصل المحكوم ـ مقدّما على الحاكم أو في عرضه ـ خلافالتحقيق.
وأجاب عنه اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1) بقوله: «ويمكن أن يجاب بأنّه عليهالسلام كان بصدد بيان جواب المسألة، أي شبهة نقض الوضوء وعدمه، لابنحوالصناعة العلميّة، وأنّ نكتة عدم وجوب الوضوء ـ بعد كونه على يقين منوضوئه ويقين من عدم نومه ـ هي جريان الأصل الحاكم أو المحكوم.
نعم، أفاد زائدا على جواب الشبهة بأنّ هذا ليس مختصّا بباب الوضوء، بلالميزان هو عدم نقض اليقين بالشكّ، وهذا كجواب المفتي للمستفتي في نظيرالمسألة، مع إرادة المفتي إلقاء قاعدة كلّيّة تفيده في جميع الموارد، لابيان المسألةالعلميّة وكيفيّة جريان الاُصول، وتمييز حاكمها من محكومها، فلا محيصحينئذٍ إلاّ من بيان نتيجة المسألة؛ وأنّ الوضوء المتيقّن لاينقض بالشكّ فيالنوم، وأمّا كون عدم نقضه لجريان أصالة بقاء الطهارة أو أصالة عدم الناقضللوضوء فهو أمر غيرمرتبط بالمستفتي، فإنّ منظوره بيان تكليفه من حيثلزوم الإعادة وعدمه، لا الدليل عليه موافقا للصناعة».
ولكن التحقيق: أنّ هذا الجواب ليس بتامّ أوّلاً: أنّ موقعيّة زرارة ومقامهعند الإمام وعلمه بجزئيّات المسائل لايناسب سؤاله عن الشبهة فقطكالمستفتي.
(صفحه 101)
وثانياً: أنّ نفس الرواية أقوى شاهد على كون الإمام بصدد بيان الصغرىوالكبرى والاستدلال للحكم، وتأسيس القاعدة بقوله: «وإلاّ فإنّه على يقينمن وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ، ولكنّه ينقضه بيقين آخر»، فكيفيصحّ تمسّك الإمام في مقام الاستدلال بالاستصحاب المحكوم وغير الجاري؟
وكان لاُستاذنا السيّد الإمام قدسسره بيان في مسألة تعارض الاستصحابينيوجب حلّ الشبهة هنا، وهو قوله(1): «والتحقيق في الجواب أن يقال: إنّاستصحاب عدم النوم لايثبت بقاء الوضوء إلاّ على القول بالأصل المثبت؛ لمعرفت من أنّ الميزان في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي هو إدراج الأصلالسببي المستصحب تحت الكبرى الكلّيّة الشرعيّة حتّى يترتّب عليه الحكمالمترتّب على ذاك العنوان، كاستصحاب العدالة لإدراج الموضوع تحت كبرىجواز الطلاق والشهادة والاقتداء والقضاء ونحوها.
وأنت خبير بأنّه لمترد كبرى شرعيّة بـ «أنّ الوضوء باق مع عدم النوم»،وإنّما هو حكم عقلي مستفاد من أدلّة ناقضيّة النوم، كقول أبي عبداللّه عليهالسلام :«لاينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم»(2)، فيحكم العقل بأنّالوضوء إذا تحقّق وكانت نواقضه محصورة في اُمور غيرمتحقّقة وجدانا ـ إلالنوم المنفي بالأصل ـ هو باق، فالشكّ في بقاء الوضوء وإن كان مسبّبا عنالشكّ في تحقّق النوم، لكنّ أصالة عدم النوم لاترفع ذلك الشكّ إلاّ بالأصلالمثبت».
وحاصل كلامه: أنّ ترتّب الوضوء على عدم النوم لايكون مسبّبا وأثرشرعيّا مأخوذا في الأدلّة الشرعيّة، بل يحكم العقل بعد عدم تحقّق النوم قطع
- (2) الوسائل 1: 248، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
(صفحه102)
أواستصحابا ببقاءالوضوء، ولابدّ في الاستصحاب من كون المستصحب حكمشرعيّا أو ذا أثر شرعي، فلذا نحتاج إلى استصحاب بقاء الوضوء لترتّبالأثار الشرعيّة عليه، مثل جواز الدخول في الصلاة والطواف وأمثال ذلك.
وبذلك تندفع الشبهة عن الرواية المذكورة.
فتحصّل من ذلك: أنّ معنى الرواية على هذا الاحتمال: «أنّه إنلميستيقن أنّهقد نام فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنّه على يقين منه، وكلّ من كان على يقين منشيء لاينقض يقينه بالشكّ أبدا».
وهذا الاحتمال اختاره وقوّاه الشيخ الأنصاري قدسسره (1) ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله قائل بأنّه في غاية الضعف، واستدلّ له بأنّه على هذا الاحتمال يلزم التكرار فيالجواب وبيان حكم المسؤول عنه مرّتين بلا فائدة؛ فإنّ معنى قوله عليهالسلام : «لا،حتّى يستيقن» عقيب قول السائل: «فإن حرّك في جنبه شيء» هو أنّه لايجبعليه الوضوء؛ فلو قدّر جزاء قوله: «وإلاّ» بمثل «فلا يجب عليه الوضوء» يلزمالتكرار في الجواب، من دون أن يتكرّر السؤال، وهو لايخلو عن حزازة،فاحتمال أن يكون الجزاء محذوفا ضعيف غايته(2).
ويمكن ردّه دفاعا عن رأي الشيخ قدسسره بأنّ مراد الإمام عليهالسلام في الذيل لايكونبيان وظيفة خصوص المورد مكرّرا، بل هو بصدد إلقاء القاعدة والضابطةبعنوان الاستصحاب في جميع أبواب الفقه، فالمراد من بيان علّة الجزاءالمحذوف تأسيس قاعدة كلّيّة، لاتكرار الجواب، فالإنصاف أنّ هذا الإشكالليس بوارد عليه.
الاحتمال الثاني في الرواية: ما التزم به المحقّق النائيني رحمهالله بقوله: «أنّه لاينبغي
- (2) فوائد الاُصول 4: 336.
(صفحه 103)
الإشكال في كون الجزاء هو نفس قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» بتأويلالجملة الخبريّة إلى الجملة الإنشائيّة، فمعنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»هو أنّه يجب البناء والعمل على طبق اليقين بالوضوء(1).
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ تأويل الجملة الخبريّة إلى الإنشائيّة وإرجاعها إليهيتصوّر على أحد وجهين: إمّا أن يكون معنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»هو: «يجب أن يكون على يقين من وضوئه» ومعناه: لابديّة تحصيل اليقينبالوضوء للدخول في الصلاة، وهو ينافي مدلول سائر الجمل ومراد الرواية منعدم لزوم اليقين بالوضوء، وعدم وجوب الوضوء عليه مجدّدا لإتيان الصلاة.
وإمّا أن يكون معنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» تعبّد الشارع الشاكّفي النوم بأنّه متيقّن بالوضوء، فيجوز له إتيان الصلاة والطواف كالمتيقّن بهوجدانا؛ فإنّه بنظر الشارع كان متيقّنا.
وهو أيضا ينافي جملة «لاينقض اليقين بالشكّ» إذ مع كونه متيقّنا بنظرالشارع لامعنى لقوله: «لاينقض اليقين بالشكّ»؛ لعدم الشكّ في البين حتّىينقض أو لاينقض، يعني اعتبار إلغاء الشكّ تعبدا في جملة واعتبار بقائه فيجملة اُخرى متضادّان.
وثانياً: أنّ تأويل الجملة الخبريّة بالجملة الإنشائيّة بالكيفيّة المذكورة فيكلامه لايوجد في اللغة العربيّة؛ لزيادته في الجملة الإنشائيّة كلمة «البناء» التيلاأثر منها في الرواية ولا خبر؛ فلا ملاك لهذا التغيير والتبديل ولاوجه له، ولينطبق مع الضوابط والموازين.
وثالثاً: أنّه لو جعلنا الجزاء قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» لايمكناستفادة الكبرى الكلّيّة من الرواية المقصودة من الاستدلال بها؛ فإنّ معناه بعد
- (1) فوائد الاُصول 4: 336.